أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

01/02/2011

 

ما من قوة تستطيع إعادة المارد إلى القمقم

المحامي ميشال شماس

 

لعلها المرة الأولى في تاريخ العرب الحديث والقديم ينتقل مركز الفعل التاريخي العربي إلى القاعدة الشعبية الرافضة للاستبداد والفساد والتمييز الاجتماعي والسياسي، وهو ما تمثل جلياً بثورة الشعب التونسي التي نجح فيها الشعب بإسقاط أحد أكثر الأنظمة بوليسية في العالم العربي، وأن هذا الانتصار الشعبي غير المسبوق قد أسس وسيؤسس لوضع جديد في العلاقة بين الشعوب العربية وأنظمتها السياسية بدأت تباشيره تظهر في غير بلد عربي.
فلو دققنا في أوضاع الدول العربية لوجدنا تقاطعاً في الظروف وتشابهاً كبيراً في الأوضاع. وهذا التقاطع والتشابه سيزداد مع الوقت، مفسحاً المجال واسعاً أمام حدوث تعبيرات بعضها عنيف وبعضها سلمي، فقد خرج المارد الشعبي من القمم ، وبات من الصعب إن لم يكن مستحيلاً إعادة هذا المارد إلى هذا القمم من جديد.
نقطة البداية والانطلاقة والشرارة الأولى إذاً جاءت من تونس الخضراء التي كانت تعتبر من أكثر الدول العربية منعاً للحريات الإعلامية والسياسية والنقابية وحجباً للانترنت، فنجح شباب تونس في استخدام كل وسائل التكنولوجيا لكسر رقابة نظام "زين العابدين بن علي" الصارمة والانتصار عليها. وهذا يؤكد بلا أدنى شك أن سياسة الرقابة في التعامل مع الرأي الآخر هُزمت في الشارع التونسي، وأثبت الشباب التونسي أن قوانين الرقابة التي تسود غالبية البلدان العربية التي تحد من حرية القول والكلمة والمواقع الإلكترونية والكتب والصحف والإعلام ما هي إلا خداع للنفس، وقد آن الأوان للتراجع عنها، والتأسيس لمرحلة جديدة عنوانها ومركزها ومحورها الأساس حرية وكرامة الإنسان أولاً وأخيراً.
لقد نجح الشعب التونسي في إحداث ثقب كبير في جدار الرهبة والخوف الذي يلف المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، وشق طريقه بثقة كبيرة باتجاه صناعة حالة نفسية جديدة أمام شعوب البلدان العربية لتحقق مزيداً من الثقوب في جدار الرهبة والخوف إلى أن ينهار هذا الجدار نهائياً تحت وطأة الحراك والاحتجاج الشعبي صوتاً وممارسة، والذي أخذ يتردد صداه في غير بلد عربي.. كالجزائر والأردن واليمن والسودان وليبيا، حيث خرج المواطنون للمطالبة بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..
والأهم هو ما يجري في جمهورية مصر العربية ذي الكثافة السكانية الأكبر والتواصل المجتمعي والسياسي مع بلدان المشرق والمغرب العربي والتحاقها بقطار الاحتجاج الشعبي الذي انطلق من تونس، فقد استطاع المارد الشعبي المصري الخروج من قمقمه في وجه طغيان نظام حكم الرئيس مبارك المتمسك بكرسي الحكم، مازجاً بين مطلب "لقمة العيش" و"خفض الأسعار" و"الحق في العمل" والدعوة إلى إصلاحات سياسية محددة وإجراءات فعالة لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين. وقد مكّن هذا المزج بين المكونين الاقتصادي - الاجتماعي والسياسي في مطالب الشعب المصري من إعطاء دفعة قوية لاستمرار انتفاضة الشعب المصري وتصعيد مطالبه برحيل مبارك ونظامه، وتحقيق وطن أفضل لجميع المصريين .. وطن يتمتع فيه الشعب المصري بالحرية والعزة والكرامة.
لقد بينت ثورة تونس ومن بعدها انتفاضة الشعب المصري التي ستتكل بالنجاح أن الواقع السياسي في معظم البلدان العربية واقع هش، وأن كثيراً من الحراك بإمكانه آن يقع في الظل وتحت الأرض، يكفي عود ثقاب لجعل أكثر الفئات ضعفاً وتهميشاً وعزلة تتحرك بجرأة وقوة غريبة في لحظة تحول وتحرر.
انه صوت ناقوس الخطر يدق بوجه أنظمة الحكم العربية، منذراً بضرورة تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي وعدوا بها شعوبهم قبل عقود من الزمن. وهذا الإصلاح ينبغي ألا يكون بسبب ضغوط خارجية وأمريكية تحديداً، بل بسبب مطالب الشعب والمنطق والكرامة الإنسانية.
لقد خرج المارد العربي من القمقم، وما من قوة تستطيع إعادته إلى القمقم...

المصدر: نشرة كلنا شركاء - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري