01-03-2009

الرئيسيةأخبارأخبار الوطناتصل بنا 

«الإخوان المسلمون» والإدارة الأميركية الجديدة ... هل من جديد؟

عصام العريان

 

إدارة أميركية جديدة ترفع شعار «التغيير» في الداخل الأميركي وفي العلاقات الدولية, فهل تحمل هذه الإدارة جديداً بالنسبة إلى العلاقة الملتبسة بين الإدارات الأميركية وبين «الإخوان لمسلمين» كبرى الحركات الاسلامية ورائدة تيار الوسطية والاعتدال في الفكرة الإسلامية والداعية إلى التجديد والاجتهاد في الفقه الإسلامي؟
العلاقات بين «الإخوان» وأميركا مرت بمراحل متعددة، فلا يمكن لدولة ورثت الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية أن تتجاهل حركة متجذرة ومتشعبة وممتدة جغرافياً كالإخوان المسلمين.
ولا يمكن للإخوان أن يتجاهلوا الاهتمام بسلوك وسياسات واستراتيجيات الدولة العظمى الوحيدة في العالم وأن يدرسوا تأثير تلك السياسات على حقل الدعوة الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية, بل في أنحاء العالم كافة وكذلك تأثيرها البالغ على الحكومات الوطنية في بلادنا وعلاقة تلك الحكومات بالحركة الإسلامية الأكبر, فضلاً عن تبني الإدارة الأميركية منذ عهد جيمي كارتر ربط علاقاتها الخارجية بقضايا مثل «حقوق الإنسان» و «الديموقراطية»، و»الحريات الدينية» و «حماية الأقليات»، وكلها ملفات لها احتكاك مباشر بأجندة عمل «الإخوان».
كان أبرز محطات تلك العلاقة في الثلاثين سنة الأخيرة هو ملف الرهائن الأميركيين في طهران في نهاية عهد كارتر الذي أوفد مبعوثاً إلى مرشد «الإخوان « آنذاك عمر التلمساني ليتدخل لدى القيادة الثورية الإيرانية للإفراج عن الرهائن.
وقتها استأذن التلمساني الرئيس السادات في استقبال المبعوث الرسمي, وقبل السادات ذلك لأن علاقة مصر الرسمية انقطعت مع الثورة الإيرانية بسبب استقبال الشاه المطرود من بلاده والمرفوض من قبل الأميركيين والأوروبيين ولم يجد له ملجأ إلا في مصر، وزاد الطين بلّة أن السادات أعدّ له استقبالاً رسمياً وشعبياً وتلقاه بحفاوة شديدة أدّت إلى توتير العلاقة مع إيران حتى الآن.
كانت للإخوان علاقة قديمة مع قيادات المعارضة الإيرانية واستقبلوا زعيم «فدائيان إسلام» النائب نواب صفوي في القاهرة مع بداية الخمسينات، كما كان للإمام حسن البنا دور بارز في تشجيع «دار التقريب بين المذاهب» في القاهرة والتي أشرف عليها العلامة الإيراني تقي الدين القمي وكان له رأي واضح في تجاوز ما حدث بين الصحابة من خلاف في الرأي واعتماد المذاهب الإسلامية كافة كمرجعية للمقلدين مع الحض على الاجتهاد وتعرّف أدلة الآراء من الأئمة لمن له نظر وفقه.
وعندما هبت الثورة الإيرانية كان للإخوان ترحيب واضح بها لأنها أطاحت بأكبر عرش طاغوتي في المنطقة بسبب علاقات شاه إيران القوية جداً مع العدو الصهيوني وقربه الشديد من الغرب وسيره الحثيث في العداء للإسلام والتقاليد تحت دعوى التحديث أو التغريب وعدائه للقادة الإسلاميين، وقد بنى «الإخوان» في أوروبا واميركا علاقات بسيطة مع المبعوثين للدراسة الجامعية والذين كانوا ملتفين حول الإمام الخميني ومنهم من تولى موقعاً مهماً بعد ذلك مثل إبراهيم يزدي، لذلك ظن الجميع ان رجلاً بقدر التلمساني وحركة بحجم «الإخوان» قادرة على حل أزمة مستعصية كأزمة الرهائن.
المفاجأة جاءت من طهران التي رفضت استقبال التلمساني إذا حضر لهذا الغرض ، كما رفض الخميني بعد سنوات أيضاً وساطة عرضها التلمساني و»الإخوان» لإنهاء الحرب المجنونة بين العراق وإيران.
قدّر الأميركيون بلا شك جهود «الإخوان «ورغبتهم واستعدادهم للتدخل لحل أزمة إنسانية كأزمة الرهائن من منطلق إنساني وشرعي وليس من منطلق سياسي.
وظل الديبلوماسيون الأميركيون في السفارة في القاهرة يترددون على مقر «الإخوان «لاستطلاع رأيهم في التحولات السياسية في مصر والمنطقة والأحوال العامة في مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وكان لولوج «الإخوان» غمار المشاركة السياسية البرلمانية أثر كبير في مزيد من اللقاءات خصوصاً بعد الفوز الكبير في انتخابات 1987، وكان لي نصيب كبير من هذه اللقاءات حتى تمت دعوتي من جانب فرانسيس ريتشاردوني السكرتير آنذاك، السفير لدى مصر بعد ذلك لزيارة خاصة تمتد شهراً في إطار برنامج تعدّه وتنظمه وزارة الخارجية الأميركية، وغضب جداً عندما اعتذرت لأسباب خاصة برلمانية ودراسية وشخصية، وإذا به يتهم المستشار المأمون الهضيبي بالضغط عليّ للاعتذار وذهب إليه فعلاً ليعاتبه على ذلك، وأكدّ له الهضيبي رحمه الله أن القرار قراري وليس له دخل فيه إلا بالنصيحة فقط وسافر وقتها الزميل النائب عن «حزب العمل» مجدي حسين مع آخرين.
مع المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين خفت صوت الإدارة الأميركية الديموقراطية بقيادة الرئيس بيل كلينتون ولم تحتج أو نسمع لها صوتاً عالياً مثلما حدث ويحدث مع قضايا أخرى مماثلة واستمرت المحاكمات العسكرية حتى يومنا هذا من دون إدانة واضحة وصريحة أو تدخلات لمنع هذه الانتهاكات لحقوق المواطنين على الأقل اتساقاً مع أجندة الإدارات الأميركية المتعاقبة إلا إذا كان الإسلاميون استثناءً من تلك الأجندة لسبب أو لآخر.
مع قدوم إدارة الرئيس جورج بوش كانت كارثة 11 أيلول (سبتمبر) الرهيبة والتي ما زالت آثارها تتداعى حتى يومنا هذا، وأدان «الإخوان» تلك الحادثة في صباح اليوم التالي في موقف يتسق تماماً مع منهجهم ومع شريعة الإسلام ومع ما سبق من اعتراضات ضخمة للإخوان على السياسات الأميركية خصوصاً منذ الحملة على العراق لتحرير الكويت، ومع ذلك كان بيان الإدانة مقتصراً على رفض هذا النهج العنيف من دون إشارة إلى سياسات أميركية، وعلى رغم ذلك تباعدت المواقف جداً بين «الإخوان «وبين إدارتي بوش الابن الذي جنح بأميركا إلى سياسات عدوانية همجية تنتهك المبادئ الأساسية للدستور الأميركي وتحتقر القانون الدولي العادي والإنساني كما قالت أخيراً «لجنة الحقوقيين الدوليين» وتضع المسلمين داخل أميركا تحت المراقبة والملاحقة الأمنية، كما تصنف الإسلام كعقيدة تحث على الإرهاب وتعامل المسلمين جميعاً على أنهم إرهابيين. وعبّر بوش عن ذلك في لفظة صدرت منه بتلقائية على رغم الاعتذار عنها بعد ذلك: «أنها حرب صليبية». ولم ينفع بوش كل محاولاته لإلغاء الأثر النفسي السيئ الذي أحدثته تلك التصريحات لأن سياسات إدارته كانت تكرّس تلك السياسات ضد العالم الإسلامي ولا تحترم مصالح المسلمين ولا تحترم الدين الإسلامى.
أصبحت الملفات التي تشكل عقبة في طريق أي حوار جاد أو علاقة طبيعية بين أميركا وبين العالم الإسلامي متعددة وعصيّة على الحل، وبالتالي كان موقف «الإخوان «متسقاً مع الصالح العام للأمة الإسلامية.
كانت هناك ملفات قديمة في مقدمها:
1 - دعم أميركا المستمر للنظم الديكتاتورية التي لا تطبق الديموقراطية ولا تسمح بالحريات العامة وتحتكر السلطة تماماً وتنتهك حقوق الإنسان بالتعذيب والاعتقال والمحاكمات العسكرية والاستثنائية ومطاردة المعارضين.
2- الرعاية الدائمة والتحالف الاستراتيجي مع العدو الصهيوني منذ نشأته وتصاعد تلك العلاقة إلى حدود غير مسبوقة في عهد بوش الذي أعلن بوضوح دعمه لـ «يهودية الدولة الصهيونية» وموافقته على التحفظات الـ (14) لشارون على المبادرة العربية ما أفقدها أي جدوى.
أضيف إلى تلك الملفات ملفات أخرى مثل:
3- «الحرب على الإرهاب» التي تحولت إلى حرب على الإسلام ومطاردة لكل الحركات المقاومة من أجل التحرر الوطني بل والى إضعاف لكل الحركات الإسلامية خصوصاً في البلاد التي تحيط بالكيان الصهيوني في مصر والأردن ولبنان.
4- «غزو أفغانستان» واحتلاله وتوريط الاتحاد الأوروبي في احتلال دولي أدّى إلى تدمير البلاد وتشريد العباد وقتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء وتسليط حكومة فاسدة على رقاب الشعب الأفغاني.
5- «غزو واحتلال العراق» في خطوة لا تخدم إلا العدو الصهيوني وتفكيك الدولة العراقية والعمل على تقسيمها وإثارة النزعات الطائفية والفتن المذهبية. وعلى رغم الوضوح التام للكذب المتعمد للإدارة الأميركية وتسويق الأوهام التي بررت بها الحرب إلا أنها لم تعترف حتى يومنا هذا بخطئها التاريخي، وكلّف ذلك العراق والمنطقة كلها كلفة عالية جداً من ملايين الضحايا وإهدار للثروات والتدخلات الأقليمية التي دمّرت النظام العربي وأضعفته.
بسبب تلك الملفات الجديدة أعلن ريتشاردوني السفير السابق في القاهرة أن «الإخوان المسلمين» لم يعودوا يرحبون بزيارة الديبلوماسيين الأميركيين في سفارتهم في مصر ولم يذهبوا إلى حفلات الاستقبال في المناسبات المختلفة وقرروا من جانب واحد تقليل تلك المقابلات أو الزيارات إلى حدود دنيا جداً وفى إطار لقاءات مشتركة للبرلمانيين إذا دعت الظروف إلى ذلك. وعندما رتب سعد الدين إبراهيم لقاء في النادي السويسري بيني ومعي بعض الإسلاميين وبين الديبلوماسيين الغربيين الشباب لم يدع أحداً من السفارة الأميركية وضم اللقاء مندوبين من سفارات بريطانيا وكندا وسويسرا ومع ذلك أثار اللقاء وقتها ضجة كبيرة. وكان الحوار الذي أجرته جريدة «المصري اليوم» مع السفير الأميركي السابق في القاهرة فرانسيس ريتشاردوني في عددها (1689) بتاريخ 27/1/2009 كاشفاً حقائق عدة هي:
- إن اللقاءات التي تمت كانت في إطار سياسة عامة تتبعها الخارجية الأميركية وهي: «نحن نلتقي ممثلي المعارضة في كل برلمانات العالم وأعضاء الأحزاب المعارضة وحتى عندما لا يكونون أعضاء في البرلمان».
- إنه كان شخصياً يقوم بزيارة مكتب «الإخوان» ويلتقي بي وبالمستشار الهضيبي بحكم عضوية كل منا في البرلمان من 87 - 1990.
- إنه لم يتصل بنا عندما صار سفيراً وأضيف هنا أنه أرسل إليّ سلاماً عبر مراسل مجلة «تايم» فضحكت وقلت له : لديه هاتف يستطيع أن يستعمله، ولكنه لم يقم بذلك تحت الضغط الحكومي المصري.
- أعلن ان «الإخوان» هم الذين أوقفوا الاتصالات بطريقة مهذبة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وليس الأميركيون، واكدّ ذلك غير مرة عند تدقيق الصحافية التي أجرت الحوار معه والتي استغربت ذلك، وقال أخيراً «كنا دائماً نأخذ المبادرة بعد 11 أيلول (سبتمبر) وسألنا مرة أومرتين وأوضحوا لنا أنه غير ملائم فتوقفنا عن الطلب (أي طلب الزيارة) «.
اليوم ومع قدوم إدارة جديدة بقيادة باراك حسين أوباما وحديثه في خطاب التنصيب أمام الآلاف المحتشدين أنه يريد بناء علاقة جديدة مع العالم الإسلامي تقوم على الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وإعلانه جديته في تنفيذ بعض الوعود مثل سحب القوات الأميركية من العراق وإرساله مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط (للملف الفلسطيني) تاريخه معقول وانحيازه إلى الطرف الصهيوني غير معلن، وعلى رغم إعلانه التركيز على «أفغانستان» وزيادة عدد القوات هناك، وأهم من ذلك كله تصريحه بأن عهد الهيمنة المنفردة الأميركية قد ولّى، وأن المشاركة مع بقية العالم هي فريضة الوقت وبزوغ دور جديد لأوروبا وتطلع روسيا إلى دور في المنطقة، وكذلك زيادة حجم الدور الصيني في أفريقيا والعالم، وتحت وطأة الأزمة الاقتصادية.
اليوم ومع كل تلك التطورات هل هناك من جديد في العلاقات الأميركية - الإخوانية؟ لقد اعتاد «الإخوان «المسلمون توجيه رسالة مفتوحة إلى الرؤساء الأميركيين المتعاقبين منذ رونالد ريغان وبوش الأب وكلينتون وفى الدورة الأولى لبوش الإبن قبل التطورات الدرامية التي أعقبت توليه بسنة، وعندما تناقشنا في استعادة ذلك التقليد اختلفت الآراء، وكان التوجيه العام هو إصدار رسالة مفتوحة إلى أوباما إلا أن ذلك لم يتم حتى الآن، لعله انتظار للأفعال على الأرض والتي تتطور في شكل سريع، ولعل ذلك في صالح أوباما الذي نتمنى ألا يطارده انتسابه إلى أب مسلم كيني فيحد من قدرته على بناء علاقة جيدة مع العالم الإسلامي الذي نشأ طفلاً في ربوع أكبر بلاده «أندونيسيا».


* قيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» - مصر

المصدر:الحياة  السعودية  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوريوإنما تعبر عن وجهة نظر أصحابها