أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

01/03/2010

 

هل من خلافات سورية - ايرانية... في لبنان؟

سركيس نعوم

 

تعرف الأوساط الديبلوماسية العربية والأجنبية العاملة في بيروت ان ما يربط بين سوريا الأسد، الرئيس الراحل حافظ ثم نجله بشار، بالجمهورية الاسلامية الايرانية هو تحالف وثيق جداً سياسي وأمني وعسكري واقتصادي، يسميه البعض استراتيجياً. لكن هذه المعرفة لا تمنع بعض الاوساط اياها من التساؤل اذا كان التحالف المذكور الذي كاد ان يبلغ التطابق في المواقف بين الدولتين أكثر من مرة منذ قيامه بين العامين 1979 و1980 يشمل لبنان أو بالأحرى اذا كان التطابق المذكور سواء في المواقف أو في المصالح يشمله. وينبع تساؤل البعض المشار اليه من حقيقة بعيدة هي التحالف الذي قام بين دمشق وطهران منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية والذي استمر بل تعمِّق اثناء الحرب العراقية – الايرانية التي استمرت ثماني سنوات والذي رافقته في الوقت نفسه تقريباً حرب بين العاصمتين على النفوذ في لبنان ذهب ضحيتها الآلاف بين قتيل وجريح من ابناء الطائفة الشيعية التي انقسمت في ذلك الوقت بين مؤيد لسوريا (حركة "امل") وبين مؤيد لايران "حزب الله".

وينبع التساؤل نفسه من حقائق جديدة أو بالأحرى من ممارسات وتصرفات جديدة لم تَرْقَ بعد الى درجة الحقائق. منها سعي سوريا وبعد تحول ميزان القوى الداخلي في لبنان الى مصلحة حلفائها الى تقديم كل الدعم اللازم لحلفائها المباشرين فيه اي الذين كانوا في الاساس حلفاء لها ولم يصبحوا حلفاء لايران إلا لكونها حليفة موثوق بها لسوريا والا بعد حصولهم على الضوء الأخضر لذلك منها. وقد ترجم ذلك نفسه بعلاقات مباشرة مع الحليف اللبناني المباشر لايران كونها ساهمت في تأسيسه أو صاحبة القرار في تأسيسه، أي "حزب الله" الذي هو في الوقت نفسه حليف لسوريا رغم ان الأولوية في التحالف عنده، نظرياً على الأقل وحتى الآن على الاقل تبقى لايران.

وفي الحقائق أو بالأحرى الممارسات ايضاً اعطاء سوريا الضوء الأخضر للفصائل الفلسطينية المتحالفة معها مباشرة بل "المنسقة" معها إلى أبعد الحدود للعودة الى لبنان سياسياً وباعتبار انها موجودة فيه عسكرياً، سواء داخل المخيمات الفلسطينية أو خارجها ولترجمة هذه العودة بنوعين من الأعمال. الأول، التحرك داخل المخيمات لتفعيل وجودها ولتثبيت دورها الفلسطيني ولا سيما بعدما بدأ تنازع السيطرة عليها بين حركة "فتح" الممسكة بها منذ عقود (وهي السند الفصائلي الأول للسلطة الوطنية الفلسطينية) وحركة "حماس" الاصولية الاسلامية (وهي المتمردة على السلطة والممسكة بقطاع غزة عسكرياً وسياسياً) وبعدما بدأت منظمات فلسطينية اسلامية واخرى اسلامية غير فلسطينية مؤمنة بالاسلام الاصولي التكفيري والعنفي (قاعدة وطالبان....) استغلال "استقلال" المخيمات عن سلطة دولة لبنان وتنازع "حماس" و"فتح" لتحويل هذه المخيمات ملاذاً آمناً لها بل دويلة تحمي منفذي "العمليات الجهادية" في لبنان أو خارجه وتخطط لهذه العمليات بعيداً من أي رقابة محلية أو أي وصاية أو قدرة على الضبط من سوريا. ومعروف ان هذا النوع من الفكر الاصولي يتناقض وما تؤمن به سوريا الاسد وحتى ايران الاسلامية رغم قدرة كل منهما على استعمال المؤمنين بهذا الفكر في أوقات الحاجة. وهي قدرة مورست أكثر من مرة في اكثر من منطقة عربية. ومعروف ان مواجهته ضرورية لأن أثره مباشر وخصوصاً على سوريا المجاورة الأمر الذي يدفع الاخيرة الى تمكين حلفائها الفلسطينيين المباشرين من استحقاق دور مهم داخل المخيمات بالتعاون مع الفصائل الاخرى القريبة منها، مثل "حماس" و"الجهاد الاسلامي". ومن المواقف والممارسات التي تدفع ثالثاً بعض الاوساط الديبلوماسية العربية والاجنبية العاملة في لبنان نفسه الى التساؤل عن امكان تناقض ولاحقاً اختلاف سوريا وايران في لبنان سعي سوريا الى استمالة "التيار الوطني الحر" بعدما نجح "حزب الله" الحليف المباشر لايران في ارساء تحالف عميق معه مبني على أمور عدة عملية وسياسية واستراتيجية ومعه جهات مسيحية أخرى. وفي المواقف أو الممارسات رابعاً، سعي سوريا الى المحافظة على قوة حلفائها المباشرين داخل الطائفة الشيعية وفي مقدمهم حركة "امل" وخصوصاً بعدما نجحت ايران مباشرة حيناً وبواسطة ابنها "حزب الله" حيناً في قضم عدد مهم من قواعدها و"الكادرات". وفي المواقف أو الممارسات خامساً وأخيراً، تعرُّض الطائفة الشيعية التي تحولت منذ أكثر من عقدين الى الحليف الأول لسوريا ثم ايران أو لايران ومن خلالها لسوريا الى تجاذب معين من العراق "الشيعي" اذا جاز التعبير على هذا النحو. فالأطياف الشيعية المختلفة وأحياناً المتناقضة او المتنافسة بدأت تعزز وجودها في لبنان "الشيعي". وقد يؤدي ذلك الى ظهور لاعب جديد على الساحة الشيعية اللبنانية هو العراق. كما قد يؤدي الى تعزيز دور كل من سوريا أو ايران فيها. ذلك ان الدولتين موجودتان في الاطياف العراقية المذكورة. وان كان الوجود الايراني أكثر بروزاً لأن الوجود السوري أكثر في الاطياف السياسية العراقية السنية.

ما مدى صحة التساؤلات الديبلوماسية العربية والأجنبية المفصلة أعلاه؟

العارفون لا يستبعدون وجود نوع من التناقض بين سوريا وايران في لبنان وعليه. ذلك انهم يعرفون ان سوريا لا تقبل شريكاً لها فيه أياً يكن. وقد برهنت ذلك في العقود الثلاثة الماضية. ويعرفون ان ايران ستبقى متمسكة بتحالف "ابنائها" مع سوريا وايضا بعدم تحولهم جزءاً منها على الاقل ما دامت معركتها مع اسرائيل واميركا وحلفائها مستمرة وخصوصاً في المنطقة. اذ انها تخشى ربما اغراء سوريا يوما ما بعرض لا تستطيع رفضه (استعادة الجولان كله والسيطرة على لبنان) قبل حل مشكلاتها مع "العالم" الأمر الذي يفقدها ورقة مهمة بل موقعاً استراتيجياً كان له الأثر في "كسبها" اكثر من معركة حتى الآن هو لبنان.

لكن العارفين انفسهم في الوقت نفسه يؤكدون ان الخلاف بين الحليفين السوري والايراني الآن ليس وارداً رغم الفروقات الكثيرة بينهما. وما زيارة الرئيس نجاد الأخيرة لدمشق الا دليل على ذلك، فالاثنان لا يزالان في خضم الحرب. وهي طويلة ولا تبدو نهايتها وشيكة. واذا كانا الآن يعملان معاً في لبنان لاستكمال وضع اليد على الدولة ومؤسساتها و"مخيماتها الفلسطينية" بهدف الاستعداد لمعركة مقبلة أو التحصن ضد أي مفاجأة اقليمية أو دولية فان ذلك يعني انهما ليسا "فاضيين" للتناحر أو للتقاتل أو للتناقض.

فقط عندما تنتهي "المواجهة" الأكبر في المنطقة يمكن توقع ذلك. علماً أن توقعات كهذه لا تصح دائماً.

المصدر:صحيفة النهار اللبنانية  -  أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري