أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

01/03/2010

 

دمشق و"قواعد اللعبة الجديدة"

عريب الرنتاوي

 

تباينت القراءات واختلف المحللون في فهم ما جرى في دمشق خلال الأيام القليلة الفائتة: المحللون الإسرائيليون تحدثوا عن قمة لقادة "محور الشر"، تقرع طبول حرب مقبلة، وبعض رأى فيها اجتماعا استعراضيا يخفي من التباينات في مواقع الأطراف ومواقفهم، أكثر مما يدلل على وفاقهم وتوافقهم، أما بعض المحللين العرب فتحدثوا عن "مجلس حرب"، وآخرون (المحافظون الجدد) قدموا المسألة برمتها في صورة كاريكاتورية من نوع: أحمدي نجاد يوزع الأدوار والتكليفات على حلفائه وأتباعه ؟!.

في ظني أن ما جرى في دمشق، هو إعادة تعريف لـ"قواعد اللعبة" مع إسرائيل في المرحلة القبلة، هدفه الأول والأخير منع الحرب، وليس التجهيز لإشعالها، فالاجتماعات المكثفة بين قادة سوريا وإيران والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية في دمشق، جاءت تتويجا لسلسلة من المواقف والخطوات التي صدرت عن هذه الأطراف، والتي أوحت بمجملها، بأنها بصدد "وضع قواعد جديدة للعبة".

لبنانياً، تضمن خطاب زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله في ذكرى "القادة الشهداء" قبل أسبوعين، قواعد اللعبة الجديدة، إذ وضع مطار بن غوريون في تل أبيب مقابل مطار رفيق الحريري في بيروت، وأدخل الضاحية الجنوبية في صلب ميزان الردع المتبادل، بناية ببناية، مطار بمطار، مصفاة بمصفاة، مصنع بمصنع، مذكرا بما سبق أن تعهد به عندما قال بأن المواجهة المقبلة مع إسرائيل ستنتهي بهزيمتها و"ستغير وجه المنطقة".

سورياً، تضمنت تصريحات الرئيس السوري ومعاونيه (بالأخص وزير الخارجية)، القواعد ذاتها تقريبا: الحرب المقبلة إن اندلعت، ستكون مدن إسرائيل ساحة لها، والحرب المقبلة إن اندلعت من لبنان، فستشمل سوريا كذلك، وعلى "زعران" إسرائيل التوقف عن إطلاق التهديدات يمنة ويسرة.

إيرانياً، دخلت طهران على خط عملية "بناء قواعد اللعبة الجديدة"، أولاً بالقول بأنها ستكون طرفا في أي حرب مقبلة، وثانياً: بالتأكيد أن هذه الحرب ستنتهي بهزيمة إسرائيل، وثالثاً، وهذا أمر لافت للانتباه، دعوة الرئيس الإيراني شعب العراق لكي يكون جزءا من هذه المعركة، في سابقة استوقفت جميع المراقبين من دون استثناء.
ثمة رسالة واحدة مبثوثة في ثنايا مختلف المواقف التي تصدر عن هذه الأطراف مفادها: أنه من غير المسموح الاستفراد بطرف منها، وأن الحرب المقبلة إن هي اندلعت ستكون شاملة وذات طبيعة "استراتيجية فاصلة"، وستمتد لتشمل الجبهة الداخلية الإسرائيلية كذلك.

هي رسالة "ردعية"، ذات طبيعة دفاعية إن شئتم، توجهها أطراف لا مصلحة لها في إشعال فتيل حرب جديدة، حزب الله المنهمك في لملمة ذيول السابع من أيار 2008، والحفاظ على تجربة الوحدة الوطنية وتفادي استحقاقات القرارين 1559 و1701، وحماس المثخنة بجراح حرب إسرائيل وحصار مصر والأكلاف الهائلة لاستمرار الانقسام، وسوريا الفرحة بخروجها من عنق زجاجة الحصار وأطواقه، والمتجهة لقطف ثماره الاقتصادية والسياسية، وإيران المنقسمة على نفسها، المنهمكة بتثبيت دورها الإقليمي كجزء من الحل وليس كجزء من المشكلة.

ما جرى في دمشق، ليس قرعا لطبول الحرب كما يظن البعض، بل رجع صدى لطبول حرب قرعت في تل أبيب، وما عاد ممكنا التظاهر بعدم سماعها، أو انتظار وقوع المحظور، هو الاستعداد للحرب لمنع اندلاعها من خلال التلويح بميزان رعب جديد، وإرساء قواعد مختلفة للعبة مع "زعران" إسرائيل.

هل ستفلح هذه الاستعدادات، وهل وصلت رسالة دمشق إلى من يعنيهم الأمر، هل ستفلح قواعد اللعبة الجديدة في ردع إسرائيل ووضع حد لغطرستها وعدوانيتها...أسئلة ستجيب الأشهر القادمة على البعض منها، فيما بعضها الآخر لن نعرف له جوابا إلا في ميدان القتال، وبعد أن تخرج المدافع عن صمتها.

المصدر:صحيفة الدستور الاردنية  -  أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري