أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

01/03/2010

 

دمشق للحريري: نسمع «حسن النية».. ولكن

نبيل هيثم

 

اندرجت مرحلة ما بعد زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى سوريا ولقائه الرئيس بشار الأسد تحت عنوان «بناء الثقة»، على طريق إزالة رواسب خمس سنوات أثقلت علاقة دمشق بالحريري وبما يمثل سياسيا وطائفيا.

ولأن ثمة استحالة في بناء الثقة بيد واحدة، بل هي تحتاج إلى يدين اثنتين، كانت للحريري، كما لدمشق، مهمة محددة في هذه الورشة في تحضير الأرضية الصلبة للبناء، كلٌّ في ساحته وعلى مستوى محيطه وحلفائه. ولكي لا يقع الجانبان في ندامة ترتب أثمانا عالية هنا وهناك، تم التفاهم على انه من خلال تعجيل بناء الثقة، تتوافر السلامة التي يريدها البلدان.

عاد الحريري من زيارته الدمشقية، إلى مهمته المفترضة في ورشة البناء، وقد مضى على تلك العودة ما يزيد عن شهرين ونصف شهر. وأما دمشق فشرعت في تطبيق ما يعنيها من تلك الورشة، ورسمت لها ولحلفائها سقفا مضبوطا على إيقاع سياسي «تشجيعي» للرئيس الشاب، في إشارة واضحة حول وجود رغبة أكيدة في نسج «علاقة ممتازة» مع الحريري. وقد لمس الحريري تلك الرغبة السورية في لقائه مع الرئيس الأسد، وأيضا خلال «التواصل المتكرر» بينهما في فترات متتالية خلال الأسابيع التي تلت الزيارة.

ليس خافيا أن لبنان، وعلى مدى شهري ما بعد الزيارة، دخل في عين الرصد السورية، لمواكبة مراحل التأسيس الايجابي على الزيارة، وقياس تطوّر «بناء الثقة» الذي أخذه الحريري على عاتقه لبنانيا. لكن الإشارات التي التقطها الجانب السوري انطوت على كثير من المعاني السلبية غير المشجعة وغير المرضية لدمشق، التي لاحظت أن المفاعيل الايجابية لزيارة الحريري اقتصرت على شخصه فقط، من دون أن تنتقل عدوى التأثر بها حتى إلى محيطه الأقرب، وخصوصا تيار المستقبل الذي لم تظهر عليه عوارض التأثـُّر او التفاعل الايجابي مع خيار زعيمه، لا من حيث جمهوره العام، الذي ما يزال متأثرا بشعارات الـ2005، وقد عبر عن بعض منها في تجمـُّع 14 شباط قبل أسبوعين. ولا من حيث سياسييه الذين حافظوا بمعظمهم على أدبيات ومفردات تلك المرحلة في التعاطي مع دمشق. ولا من حيث منظومة إعلام تيار المستقبل، التي استبدلت منطق الهجوم المباشر على سوريا، بمنطق الهجوم بالواسطة من خلال استصراحات ومقابلات.

ولعل الإشارة الأكثر سلبية بالنسبة الى دمشق، تلك التي أطلقتها وقائع مهرجان 14 شباط بذكرى الرئيس رفيق الحريري. حيث بدا المشهد وكأن فيه نوعا من توزيع الأدوار بين «رباعي المنبر» سعد الحريري وفؤاد السنيورة وسمير جعجع وأمين الجميل.

وهناك من يعتقد في دمشق بأن المضمون الهادئ والانفتاحي لخطاب الحريري في المهرجان قد ذاب في سلبية الآخرين. وهناك من يؤكد ان دمشق بعثت بملاحظات بهذا المعنى و«رسائل صامتة» الى من يعنيهم الامر في بيروت، هاتفيا، أو عبر اصدقاء مشتركين.

وبناء على تلك الرسائل انتظرت دمشق الجواب فعلا لا قولا. فجاءت مقابلة الحريري مع الصحيفة الايطالية «كوريير ديلا سييرا» من خارج السياق المتوقع، وقدم فيها الحريري مقاربة ساوى فيها ما بين علاقة سوريا بلبنان وبين علاقة عراق صدام حسين بالكويت. هذه المقارنة «أثقل من ان تقدر سوريا على تجاهلها او تحمـّل تمريرها لما تنطوي عليه من مجافاة للواقع، لن ندخل في توصيف المقارنة، فقد تكون هفوة وقد تكون زلة لسان وقد تكون خطأ استراتيجيا لأنه في الاصل لا تجوز المقارنة وهي تشكل ظلما كبيرا لسوريا».

من هنا كانت مسارعة دمشق إلى طي صفحة «الرسائل الصامتة»، والانتقال إلى رفع الصوت بالرسائل المباشرة، لتلقي على رئيس الحكومة اللبنانية «مسؤولية إجراء مراجعة سريعة وإعادة لململة الأوراق التي تناثرت سريعا، لعل ذلك يعيد فتح الصفحة الايجابية من جديد، بما يتيح الانطلاق مجددا من النقطة التي رسمتها زيارة الحريري، نحن في دمشق نوايانا ثابتة ولكن ما يتبدى لنا من وقائع يشي بغير ذلك».

ويبدو أن الرسالة السورية أحدثت صدى سريعا، وتلقفها الحريري بمسارعته إلى شبه توضيح اعاد فيه التأكيد على «أن إعادة بناء الثقة مع سوريا مستمرة ولا تراجع عنها ولن تعطلها كلمة من هنا او هناك». وقد وجدت دمشق في ذلك خطوة ايجابية. وهناك من يقرأ موقف الحريري هذا على انه محاولة للقول «لقد التقطت الاشارة، وأنا ما زلت ثابتا على حسن النية، وانتظروا الآتي من الأيام».

قد يكون الحريري سارع إلى هذا التوضيح من تلقاء نفسه، وربما بناء على نصيحة سعودية، وربما الاثنان معا، علما أن مرجعا سياسيا بعث الى الحريري «رسالة نصية» خلوية يشجعه فيها على تصحيح الموقف وتأكيد الحرص على العلاقة الايجابية مع دمشق، وختم رسالته بعبارة طريفة مفادها «طالما المقابلة مع صحيفة طليانية، فصار الواضح ان الحق على الطليان».

من الواضح أن اعادة تصويب الامور تتطلب تعديلا في مكان ما يتناسب وتطور علاقة دمشق بالحريري، فهل سيتبدى هذا التعديل في المزاج السياسي لتيار المستقبل..

وهل سيتبدى في مزاج الجمهور والبدء بخطوات باتت مطلوبة وملحة.. وهل سيتبدى في إلزام السياسيين «المنظـّمين» سياسيا في إطار «المستقبل»، بتعديل نبرتهم حيال دمشق بما يتناسب مع ورشة بناء الثقة.. وهل سيتبدى في إجراء تعديل جذري في شعار «هؤلاء هم حلفائي وأنا افتخر بهم»، ومنهم من يشكل عدوا صريحا لسوريا؟

لقد جاء توقيت زيارة الحريري الأولى متأخرا ورافقها ارتباك غير مفهوم بين أن تكون زيارة شخصية أو سياسية الخ... وما يرد بعدها من أخطاء يجعل أحد أعضاء تكتل لبنان أولا يقول ان هذا هو ثمن منطق التجريب وليس الخيارات الاستراتيجية.

المصدر:صحيفة السفير اللبنانية -  أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري