أخبار الوطن الرئيسية

01/03/2011

 

مِنْ مدحِ القذّافي إلى ذمّهِ

المحامي ميشال شماس

 

سبحان مغيّر الأحوال والمواقف، فعلى الرغم من الإجماع العربي والعالمي على شخصية معمر القذافي الزعيم السابق قريباً جداً لليبيا باعتبارها شخصية سيئة وغير متزنة، إلا أنه قليلاً ما كان يقال أو يكتب ضده، بل على العكس من ذلك كان يُقدم في الكثير من المقالات واللقاءات والتحليلات على أنه الحاكم العربي الشجاع والحكيم، وفجأة بدون أية مقدمات تدور الدوائر وتنهال سيل التصريحات والكتابات التي تندد بالقذافي وتصفه بالمجنون تارة والمهرج تارة أخرى.. وتدعو المجتمع الدولي إلى التخلص منه.. بينما حتى وقت قريب لم نكن نسمع شيئاً من أصحاب تلك التصريحات التي تندد بسلوك القذافي، وكأن القذافي كان طيباً وحكيماً وشجاعاً حتى يوم السابع عشر من شباط الذي انطلقت فيه ثورة الشعب الليبي ضد حكمه الاستبدادي الذي استمر طيلة أكثر من أربعين عاماً.. أن القذافي الذي يبطش بشعبه اليوم هو نفسه القذافي الذي كان طيلة أربعين عاماً يحكم تارة باسم "أمين القومية العربية" وتارة أخرى باسم "قائد الثورة"..
ويتساءل الكثير من المواطنين العرب عن الدافع الذي دفع بالكثير من الكتاب والفنانين العرب إلى التزام الصمت والسكوت عن أفعال القذافي طيلة الأربعين سنة الماضية، وما الذي تغير، حتى تغيرت المواقف فجأة منه، يقول بعضهم ربما هو الخوف من بطش القذافي وجنونه الذي لم يكن يتورع عن ملاحقة وربما قتل من يتعرض له بالنقد مثله في ذلك مثل ما كان يفعله صدام حسين تجاه منتقديه ومعارضيه، ويُرد على ذلك أنه إذا كان مقبولاً التذرع بالخوف واعتباره الدافع وراء سكوت الكثيرين عن انتقاد سلوك القذافي ومن قبله صدام حسين، فما هو إذاً الدافع الذي دفع ببعضهم إلى كيل المديح وتدبيج المقالات والقصائد في مدح بطولات القذافي وصدام حسين، حتى أن البعض منهم لم يتورع عن أقامة حفلة غنائية في بيته استضاف فيها القذافي إلى جانب عدد من الممثلين والمطربين الذين غنوا "لقائد الثورة".. وبعضهم الأخر لم يتورع عن إصدار فتوى بقتل "معمر القذافي" لديكتاتوريته وسفكه للدماء وإفساده في الأرض، وصاحب هذه الفتوى كان قد أطلق على ديكتاتور العراق صدام حسين لقب الشهيد.. وكأن القذافي يختلف عن صدام حسين الذي فاق في إجرامه على الشعب العراقي أكثر بكثير مما فعله الطاغوت الصغير معمر القذافي في ليبيا وبشعبها.. وصاحب هذه الفتوى القاتلة التزم الصمت المطبق تجاه الطائرات الأمريكية التي كانت تنطلق من قواعدها في قطر وتحلق فوق مكان إقامته متجهة لترمي حممها على السكان في العراق، كما لم نسمع منه أية كلمة أو موقف عندما زار شمعون بيريز وتسيفي ليفني دوحة قطر..! وعندما انتصرت الثورة المصرية سارع إلى قطف ثمار هذه الثورة فاعتلى المنصة في ميدان التحرير بعد أن قام رجاله وحراسه بإبعاد أبطال الثورة الحقيقيين عن المنصة ومنعهم من التحدث إلى الناس والجماهير المحتشدة في الميدان ..!
هذا الانقلاب الحاد في الموقف من القذافي من مادح له إلى عدائي ضده لن يعطي بالتأكيد أية قيمة أو مصداقية لأصحابها، بعد أن أدركوا أن نهاية القذافي باتت في حكم المؤكد، وأية شجاعة في أن تطلق الرصاص على القذافي وقد أصبح في عداد الأموات..؟ ولا أعتقد أن افتعال بطولات بالهجوم على القذافي وإصدار بيانات تندد بسلوكه الإجرامي ضد شعبه الأعزل ممن تعشوا على مائدته وفتحوا لهم بيوتهم ودبجوا قصائد المديح والغناء لمواقفه "الشجاعة والحكيمة" سوف تنطلي على أحد..
فالمواقف المتلونة لم تعد تنطلي على شعوبنا العربية التي تمر اليوم بثورة تاريخية تطرق فيها من جديد أبواب التاريخ من أوسع أبوابه، أنها ثورة لا تهدف إلى تغيير أنظمة الحكم فحسب، بل إلى ثورة تهدف إلى التغيير الجذري على مختلف الأصعدة وفي المقدمة منها الفكرية والنفسية والأخلاقية، وتطهير بلداننا من الفساد الأخلاقي والروحي والأحقاد المذهبية والعرقية والطائفية.. وإعادة البناء من جديد على أساس وعقد جديد يتكئ على القيم الروحية والأخلاقية والفكرية والإنسانية ، ويتخذ من مبدأ الموطنة أساساً ومرتكزاً لبناء الإنسان بصرف النظر عن أي انتماء سياسي أو ديني أو عرقي أو الجنس أو اللون...

المصدر :نشرة كلنا شركاء - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري