أخبار الوطن الرئيسية

10/09/2011

 

معارضون : مخاوف البطريرك الماروني حول ما يجري في سورية... ليست واقعية 

 

 

‎انتظر الكثيرون من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي موقفاً حيال الأحداث الجارية في سورية منذ اواسط مارس الماضي. ورغم أن سيد بكركي حذر في السابق من حروب أهلية في الدول التي تشهد انتفاضات شعبية لا سيما في سورية، فان المواقف المتقدّمة التي أطلقها خلال زيارته لفرنسا استوقفت الاوساط السياسية في نقطتين أساسيتين: الأولى تحذيره من انه «إذا تغيّر الحكم في سورية وجاء حكم للسنّة فإنهم سيتحالفون مع إخوانهم السنّة في لبنان، ما سيؤدي إلى تأزم الوضع إلى أسوأ بين الشيعة والسنّة»، والثاني تخوفه من ان وصول حركة الاخوان المسلمين الى السلطة إذا سقط نظام الرئيس بشار الاسد «سيجعل المسيحيين يدفعون الثمن عبر القتل أو التهجير».
كلام الراعي الذي «باغت» بيروت سرعان ما طرح سؤال: هل تصريحاته الأخيرة بما تحمله من هواجس على مسيحيي سورية ومن مخاوف حول احتمال وصول حركة الاخوان المسلمين الى السلطة تمّت بمعزل عن الفاتيكان أم بمباركته؟ والأهم من ذلك كيف تلقفت المعارضة السورية هذه المخاوف والهواجس؟
في اتصال أجرته به «الراي» أكد المفكر السوري طيب تيزيني أن كلام البطريرك الراعي يعبّر «عن حال الارتباك التي يعيشها الكثيرون لما يجري في سورية وفي العالم العربي»، وقال: «للبطريرك الحق في أن يعيش هذا الارتباك، لكن إذا دققنا في الأمر سنجد أن مواقفه الأخيرة لا أساس لها لسبب تاريخي اجتماعي. فسورية لم تعش لحظة طائفية، وما كان يبرز هنا وهناك لم يكن إلاّ حالات عابرة تنتهي بسرعة. والمجتمع السوري تعددي قائم على الاقرار الضمني بالتعددية وهي تنعكس على تركيبته الاجتماعية».
ولفت تيزيني الى «أن تخوف البطريرك الماروني من حركة الاخوان المسلمين لا يتماشى مع المراجعات التي أجرتها الحركة على المستوى العقائدي»، مضيفاً: «هذه الحركة جرى تطويرها لا وجود لأي فريق اسلامي في سورية ينادي بتكفير المسيحيين وإلغاء دورهم، وحتى إذا شهدت سورية جماعة متشددة فإن هؤلاء مروا على تاريخها بشكل عابر، ووجودهم في سورية كان نتاج الاستبداد السلطوي والاستيلاء على الاقتصاد ما جعل من الطبيعي أن تلجأ هذه الجماعات المتشددة ذات الغالبية المهمشة الى الدين، من هنا تم رفع شعار الاسلام هو الحل».
واكد «أن نحو 80 في المئة من مكونات الشعب السوري هي من الجماعات المؤمنة وليست المتشددة، وهذه الظاهرة تُدخلنا الى الإسلام السياسي في سورية وهو ليس قوياً وإذا وُجد لا يصل الى مستوى يتجاوز التعددية القائمة وهو أقرب الى التسامح»، مشيراً الى «أن المخاوف التي يبديها البطريرك بشأن الوجود المسيحي في سورية في حال وصول الاخوان المسلمين الى السلطة لا أساس لها على أرض الواقع لأن الطبقة الوسطى الأكثر حضوراً تتباهى بعلاقتها الوطيدة مع المسيحيين وحتى مع اليهود العرب الموجودين في حلب وبعض المناطق الشمالية، وبالتالي فإن حركة الاخوان المسلمين مرت بمرحلة من الاضطراب والعنف بسبب الافقار الاقتصادي والهيمينة الايديولوجية لكنها اليوم ما عادت من الجماعات التكفيرية لأن من يمارس التكفير ليس الإسلام بل الايديولوجية السياسية البعثية».
وقدم مثالاً تاريخية حول التسامح التاريخي الذي تمتع به الاسلام فقال: «الاسلام المعتدل اكتسب اعتداله من نهج النبي العربي (صلى الله عليه وسلم) الذي أسس لشيء هائل في ما يعرف بدستور المدينة أو وثيقة الموادعة كما أسماها فرح أنطون، والنبي (صلى الله عليه وسلم) حين هاجر الى المدينة رافقه المسلمون الاوائل والنصارى والصابئة وقال لهم هذه هي مدينتكم وانتم أمناء عليها».
ورداً على سؤال عن كلام البطريرك حول احتمال حدوث صراع سني شيعي يدفع ثمنه المسيحيون، أكد تيزيني أن الشعب السوري «ناضج ومتسامح، وأقول للبطريرك لا تخَف، أنت واحد من هذا الوطن الوديع وسورية لم تعرف حركة دينية قامت على نفي الآخر، وحركة الاخوان المسلمين تحولت في درجة ملحوظة، والتيارات التكفيرية إذا وجدت في سورية فهي نتاج الاستبداد السياسي وليست نتاج الاسلام الراديكالي».
وفي السياق نفسه، أكد المراقب العام لحركة الاخوان المسلمين في سورية رياض الشقفة لـ «الراي» «أن كلام غبطة البطريرك يخالف تاريخ العيش المشترك في سورية، ونحن نعتبر كل الطوائف على درجة واحدة من المواطنية، والمسيحيون في سورية هم مواطنون».
ورداً على سؤال حول تخوف الراعي من وصول الاخوان المسلمين الى السلطة في حال سقوط النظام وما سيتعرض له المسيحيون «من قتل أو تهجير»، قال الشقفة: «إذا شاركنا في الحكم كبقية قوى المعارضة، سندافع عن الجميع. وأهمّ رئيس وزراء في فترة الاستقلال كان فارس الخوري الذي تم انتخابه لعدة مرات، وأرجو من البطريرك الماروني أن يقرأ تاريخ سورية جيداً وأن يقرأ تاريخ المسلمين في سورية جيداً».
وشدد على أن كلام البطريرك حول صراع سني - شيعي إذا وصل السنّة الى الحكم في سورية «يتناقض بشكل قاطع مع مطالب الثورة السورية ومع بنية الشعب السوري»، نافياً وجود «صراع سني - شيعي لأن الحركة الاحتجاجية ليست طائفية»، ولافتاً الى «أن التدخل الايراني في سورية هو الذي يضفي طابعاً طائفياً على الثورة»، ومشيراً الى أن « الظروف التي تعرض لها المسيحيون في العراق تختلف عن الظروف التي تمر بها سورية، وإذا اعتدى أحد على احدى الطوائف في سورية ومن بينهم المسيحيون سندافع عنهم لأننا نعتبر أن مسيحيي سورية مكون أساسي من مكونات الشعب السوري».
من جهته شدد المعارض السوري فايز سارة على أن «كلام غبطة البطريرك الراعي لا يمتّ الى الوقائع التي تمر بها سورية اليوم، وغبطته لا يدرك بشكل جيد طبيعة الأزمة في سورية التي هي أزمة سياسية وثقافية واجتماعية وليست أزمة طائفية، وأعتقد أن البطريرك في غربة وجاهل عما يجري في سورية».
واكد سارة «أن المجتمع السوري متسامح وليست له طبيعة متشددة»، معتبراً أن حديث البطريرك عن الصراع السني - الشيعي إذا وصل سنّة سورية الى الحكم «يعكس خطاب المؤسسة الدينية المسيحية والاسلامية ولا يرقى الى مطالب الشعب السوري»، مضيفاً: « المؤسسة الدينية المسيحية مثل المؤسسة الدينية الإسلامية تسعى الى أن تكون على مساحة واحدة من الأنظمة السياسية ومنها النظام السوري»، مشدداً على «أن كلام البطريرك يتناقض مع شعار الثورة السورية «الشعب السوري واحد».
أما المعارض السوري لؤي حسين، فرأى أن البطريرك بشارة الراعي محق في تخوفه من وصول الاخوان المسلمين الى السلطة «لكنه غير محق في تخوفه على المسيحيين»، قائلاً: «أنا متفاجئ بكلام البطريرك وبنظرته الى المجتمع السوري، اذ لا يمكن مقارنة البنية الطائفية في لبنان ببنية المجتمع السوري».
ولفت حسين الى أن «الشروط الطائفية التاريخية المتوافرة في لبنان لا تنطبق على سورية، وهذه المسألة مرهونة بأداء السلطة»، وقال: «إذا أراد النظام تخريب تركيبة المجتمع السوري، لا أدري ماذا يمكن أن يحدث. وفي رأيي أن هذه المخاوف التي أشار اليها البطريرك ليست واقعية، والمسيحيون في سورية ليسوا جماعة صغرى أو أقلية دينية، ولا يمكن مقاربة الاحداث في سورية انطلاقاً من الصيغة العددية، والبطريرك يماثل بين البنية المجتمعية السورية والبنية المجتمعية اللبنانية».

المصدر:صحيفة الراي العام الكويتية  -    أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري