أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

15/06/2010

 

تداعيات مشروع سوريا الكبري في إطار الحرب العالمية الثانية

 

 

لم تزل الصراعات علي عرش سوريا قائمة وسط تدخلات فرنسية وبريطانية حثيثة كما تذهب الباحثة:
ساعد الأمير عبد الله علي تدخله في شؤون فلسطين، الخضوع المشترك بين الاردن وفلسطين للانتداب البريطاني، ووجود نوع من التداخل الاداري بينهما، حيث كان المندوب السامي البريطاني في فلسطين هو نفسه المندوب السامي في شرق الاردن، مما سهل اقحام الأمير نفسه في امر فلسطين، ذلك لان الدولة المنتدبة علي فلسطين هي نفسها الدولة المحركة للأمير عبدالله ولسياساته، علي عكس الوضع في باقي اجزاء (سوريا الكبري) أي سورية ولبنان.بدأ الأمير عبد الله اقتحامه العملي لساحة السياسة الفلسطينية، في الثلاثينيات بعد ان استطاع توطيد حكمه في شرق الاردن، واصبح مركزه قويا. وكان في ذلك الوقت يوازي بين تدخله في سوريا وتدخله في فلسطين، لكي يستطيع احراز اكبر النتائج لصالح مشروع (سوريا الكبري). وكان ذلك قبل ان يصطدم بالمعارضة السورية للمشورع، تلك المعارضة التي جعلت من فلسطين طريقا مستقلا، يضطر الأمير إلي سلوكه كلما وضعت هذه المعارضة العثرات في طريق الوحدةالسورية.

فكرة التقسيم
لقد حاول الأمير عبد الله كسب مؤيدين لسياسته داخل فلسطين، كما فعل في سوريا، فلم يحصل الا علي تأييد (حزب الدفاع) الذي يتزعمه راغب النشاشيبي، ولكن هذا التأييد لم يكن يشكل أي وزن مقابل عواطف الأكثرية الفلسطينية، المعادية للأمير، التي عبر عنها الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس ورئيس المجلس الاسلامي الأعلي وأقوي السياسيين العرب في فلسطين، والعقبة الكؤود أمام احلام
يبدو انه تراجع عن فكرة التقسيم في هذا الاقتراح، إلا انه لم يتراجع عن رغبته في ضم فلسطين إلي الاردن، وتراجعه عن تأييد فكرة التقسيم كان من خلال التصريحات فحسب، ولم يكن هو الأمر الواقع، فهو يريد فلسطين، سواء أعطاها له التقسيم أو غيره. ولكن خاب امله، بعد ان رأت بريطانيا صعوبة تنفيذ التقسيم، في تلك الفترة واغلق هذا الباب، بشكل مؤقت، مما اضطر الأمير إلي ان يطالب بفلسطين، ولكن ضمن اطار الوحدة السورية الكبري، وهو ما جاء علي لسان رئيس وزرائه، توفيق ابو الهدي، حيث طلب من الحكومة البريطانية ان تتحد فلسطين، وسوريا، والاردن، في دولة واحدة، لكي يستطيع الاردن (الوقوف علي قدميه).
هكذا، لم تنجح اولي محاولات لاستخدام فلسطين في تنفيذ اولي مراحل مخطط (سوريا الكبري)، والفوز بجزء منها ليدعم مطالبته بباقي اجزاء (سوريا الكبري). ونتيجة لذلك غير الأمير وجهته، مرة اخري، إلي سوريا ولبنان، ليواصل السعي فيهما، إلي ان تظهر بادرة امل جديدة في موضوع تقسيم فلسطين.
وتشير الباحثة الي أن الشخصية السورية عبدالرحيم الشهبندر حاول اقناع البريطانيين بترشيح بعدالله لعرش سوريا وتوحيدها مع شرق الأردن:
خامساً: إشاعة ارتقاء الأمير عبد الله عرش سوريا عام 1939 اتجه الأمير عبد الله، في عام 1939 إلي سوريا محاولا تركيز جهوده الدعائية لمشروع (سوريا الكبري)، داخل سوريا نفسها، فارسل إلي اعوانه من سياسيي سوريا، يدعوهم إلي ان يستغلوا ضغط الحركة الوطنية علي سلطات الانتداب، ويطالبوا بحل وسط للاوضاع في سوريا، وهو اعلان الأمير عبد الله ملكا علي البلاد. كما انه اتصل بالقبائل السورية المتاخمة لشرق الاردن ووعدهم بمشروعات زراعية تدر عليهم الخير، اذا انضموا اليه وأيدوه. كان عبد الرحمن شهبندر أبرز السوريين الذين استجابوا لدعوة الأمير عبد الله وعملوا علي الدعاية له داخل سوريا، في تلك الفترة فقد سافر شهبندر وفوزي الكبري، في ذلك العام إلي عمان، واعلنا لدي مغادرتهما تأييد ترشيح الأمير عبد الله لعرش سوريا. كما ان شهبندر قدم الكثير من المساعدة إلي الأمير عبد الله من خلال علاقاته مع بعض البريطانيين، فكان يحاول اقناعهم بضرورة توحيد سوريا وشرق الاردن، تحت حكم عبد الله.

اتفاق انكليزي ــ فرنسي
بعد انتشار نبأ هذه الزيارة، وزيادة تحركات الأمير عبد الله وأعوانه، سرت اشاعة قوية، في حزيران (يوينو) 1939 تقول ان ارتقاء الأمير عبد الله عرش سوريا، بات شيئا مؤكدا. واصبحت هذه الاشاعة هي المادة الاولي للاحاديث السياسية، والمراسلات الدبلوماسية العربية، كما تداولتها بعض الصحف العربية والاجنبية بكثير من الاهتمام، والترقب لما سوف تسفر عنه الاحداث، في مسألة تنصيب عبد الله علي عرش سوريا، حتي ان صحف القدس اليهودية اكدت ان هذا الأمر في طريقه إلي التنفيذ، وان هناك اتفاقا بين انكلترا وفرنسا علي ضم سوريا، وشرق الاردن معا، تحت حكم الأمير عبد الله، وان عبد الرحمن شهبندر سيعين رئيسا للوزارة في الدولة المرجوة.
ساد اعتقاد في الاوساط السياسية بان بريطانيا وفرنسا تريدان اصلاح الوضع في سوريا، بإنشاء عرش يتولاه الأمير عبد الله، وتناقلت وكالات الانباء ذلك مؤكدة ان تعيين عبد الله ملكاً علي سوريا، قد يذاع في بيان مشترك تصدره الحكومتان البريطانية والفرنسية.
كان لانتشار هذه الانباء أكبر الاثر في العربية السعودية التي لا يروقها ان يتولي أمير هاشمي عرش سوريا الموحدة فراجت نتيجة لذلك اشاعة اخري، في الدوائر الشرقية في لندن، تقول ان الملك عبد العزيز بن سعود ارسل مذكرة شديدة اللهجة إلي الحكومة البريطانية، اشار فيها إلي ان تنصيب الأمير عبد الله علي عرش سوريا يصدع التوازن القائم في البلدان العربية، لأنه يطوق الحجاز من جهاته الشمالية، والشرقية، والغربية، بثلاثة بلدان، تنبسط منها رقابة الاسرة الهاشمية. كما طلب ابن سعود من الحكومة البريطانية، اما ان تؤكد له ان العرش السوري لن يقدم إلي الأمير عبد الله، واما ان تترك له حرية العمل في منع ذلك.القضية السورية هي أساس اللقاء بين الوزير الفرنسي والأمير فيصل في جدة، كما تقول الباحثة:
وفي محاولة من فرنسا للتعرف علي موقف السعودية من مسألة ترشيح الأمير عبد الله إلي عرش سوريا، قام الوزير الفرنسي المفوض في جدة بزيارة إلي الأمير فيصل بن سعود (نجل الملك عبد العزيز، ووزير خارجية السعودية). وقد سأل الوزير في حديثه مع الأمير فيصل عن رد فعل السعودية، اذا تحقق فعلا تنصيب الأمير عبد الله علي عرش سوريا؟ وكان الرد السعودي معروفا وهو ان السعودية لن تقبل ذلك، وترفضه تماما لانعدام العلاقات الطيبة بين الملك ابن سعود والامير عبد الله، كما ان لدي ابن سعود اعتقادا راسخا بان الهاشميين لم ينسوا ان الحجاز كان ملكا لهم، ويتوقون إلي الاستيلاء عليه ثانية، وقد يؤدي وجود عبد الله علي عرش سوريا إلي ازدياد قوة الهاشميين ممما يجعل استيلاءهم علي الحجاز أمرا سهلا. وواضح ان فرنسا كانت تريد توسيع الهوة بين الهاشميين وآل سعود، وايكال أمر افشال مشروع عبد الله (سوريا الكبري)، إلي آل سعود، دون ان يلوث الفرنسيون ايديهم بدماء المشروع وتضرب فرنسا عصفورين بحجز واحد، اذ بقدر ما يبد آل سعود عن البريطانيين، يقتربون من الفرنسيين.

إشاعات وحقائق
بعد ان تلقي الوزير الفرنسي الرد السعودي، سافر إلي مصر، وعندما عاد إلي جدة، تقابل مع الأمير فيصل، مرة اخري. وكان الشأن السوري هو اساس هذا اللقاء فأكد الوزير الفرنسي بان شبح تنصيب الأمير عبد الله علي عرش سوريا قد زال، مما أدي إلي ارتياح المسؤولين السعوديين. ويبدو ان هذا الترشيح كان مناورة وتهديداً خفياً من بريطانيا وفرنسا للسعودية، علي اثر اظهار ميولها نحو دول (المحور).
وعلي الرغم من ان هذه الاشاعة اكدت ان فرنسا تشارك انكلترا الرغبة في تنصيب الأمير عبد الله علي عرش سوريا، فان فرنسا كانت تميل أكثر إلي السعوديين، فعندما فكر المفوض السامي الفرنسي في دمشق (بيو) في ان النظام الملكي ممكن ان يكون هو الحل الأمثل لمشاكل فرنسا مع سوريا، وانه سيجعل الاوضاع فيها أكثر استقرارا، لم يطرح علي احد ان يكون الأمير عبد الله هو ملك سوريا، ولكنه عرض الأمر علي فؤاد حمزة (الوزير السعودي)، فسأله اذا كان الملك ابن سعود يرغب في عرش سوريا، لأحد ابنائه؟ لقد لقي (بيو) استحسانا من فؤاد حمزة الذي اطلع الملك ابن سعود علي هذه الفكرة، ووافق عليها الملك، ورحب بها.
وبالفعل، سعي الملك ابن سعود، بشكل جدي إلي تولية ابنه فيصل عرش سوريا، خاصة بعد القلق الذي احدثته اشاعة قرب ارتقاء الأمير عبد الله هذا العرش، فاستعان الملك ابن سعود، في ذلك بفؤاد حمزة الذي كان يميل إلي السياسة الفرنسية، وكان علي علاقة وثيقة بالقائم بإعمال فرنسا في جدة المسيو ميغريه كما ان فؤاد حمزة استطاع ان يثير اطماع الأمير فيصل حول سوريا وعرشها، ويقنعه بضرورة التودد إلي المسيو ميغريه، حتي يستطيع الانير التأثير في حكومته لتعطي عرش سوريا لفيصل بن سعود.
وتقول الباحثة ان نتائج الحرب العالمية الثانية انعكست علي الوضع في سوريا وعلاقاتها مع باريس ولندن:
يبدو ان ذلك العام شهد صراعا شديدا علي عرش سوريا لم يبق في نطاق الاشاعات، والمحاولات الفاشلة، كما لم يقتصر الصراع علي الهاشميين والسعوديين فحسب، بل ان الملك فاروق دخل أيضاً في دائرة التنافس علي ذلك العرش، خاصة بعد تبنيه فكرة الخلافة الاسلامية، في بداية هذا العام، مما جعل اسمه يتردد في قائمة المرشحين لعرش سوريا. لكن دخول فاروق في هذه الدائرة لم يأت الا كرد فعل لحدة المنافسة بين الملك ابن سعود والامير عبد الله ومنافسة الملك ابن سعود لم تأت الا كرد فعل لما اشيع عن قرب تنصيب انكلترا وفرنسا للأمير عبد الله علي عرش سوريا. ولذلك فان الأمير عبد الله هو صاحب الفعل الاكبر أثرا، والاكثر اثارة، في ما يتعلق بعرش سوريا، وبدا منذ ذلك الوقت، يرسم الخطط التي من المملكن ان توصله إلي هذا العرش، وارتبطت سياسات عبد الله الخارجية، ارتباطاً وثيقاً، بهذا الامر، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، فكانت سوريا هي الركيزة الاساسية التي قامت عليها السياسة الاردنية، في الفترة اللاحقة، خاصة بعد قيام الحرب العالمية الثانية التي انعكست نتائجها علي الوضع في سوريا، وعلي طبيعة لعلاقاتها بين دول المشرق العربي منجهة وبريطانيا وفرنسا من جهة اخري.مشروع سوريا الكبري من الحرب العالميةالثانية حتي مباحثات الوحدة العربية دخل مشروع (سوريا الكبري)، عند قيام الحرب العالمية الثانية (خريف عام 1939) مرحلة تاريخية جديدة، ارتبطت بظروف الحرب والتزاماتها وتطورات أحداثها. كما ان الأمير عبد الله وضع طموحه بداية من هذاالوقت، في اطار اوسع، فبعد ان كان يدعو إلي عرش سوريا فحسب، ويتوجه بعض الوقت إلي فلسطين، اصبح ينادي بعرش كل الدول المكونة لــ (سوريا الكبري)، في وقت واحد، واخذ شكل المشروع يبدو وكأنه خطوة نحو الوحدة العربية، وخاصة ان سياسات البلدان العربية قد اخذت شكل التوجه العربي الوحدوي منذئذ ولسنوات لاحقة.

.. وفقاً لنصيحة تشرشل
اولا: مشروع (سوريا الكبري)، وقيام الحرب العالمية الثانية
حاول الأمير عبد الله استغلال قيام الحرب، وحاجة بريطانيا إلي استقرار مستعمراتها العربية، وتأمين بريطانيا في مواجهة قوات المحور، فقام بالتودد إلي بريطانيا، وعرض عليها تنفيذ مشروع (سوريا الكبري)، كوسيلة لتهدئة القضية الفلسطينية واستقرار المنطقة العربية. ولكي تتأكد بريطانيا من ولائه لها وتساعده علي تنفيذ ما يريد، كان لا بد من مساعدته الفعلية لها. لذلك فانه لم يتردد في اعلان الوقوف إلي جانبها في الحرب، ووضع كل امكانياته تحت تصرفها.
علي الرغم من ان الحكومة البريطانية ردت علي اعلان الأمير عبد الله بانها لن تحتاج إلي مساعدته، لأن الحرب ستقتصر علي اوروبا تحديدا، ولن تمتد إلي الشرق، فان الأمير أصر علي وقوفه إلي جانب بريطانيا، واعلن الحرب علي المانيا، في السادس عشر من ايلول (سبتمبر) 1939 واصبح شرق الاردن في حالة تأهب واستعداد، للقيام بالتزاماته نحو بريطانيا، فكان بذلك أكثر البلدان العربية التي ترتبط مع بريطانيا برابطة الانتداب، تلبية لمتطلبات التحالف معها. يمكن تفسير ذلك بأن الأمير عبدالله كان علي يقين تام بان بريطانيا سوف تنفذ وعودها السابقة له، مما جعله يكتب إلي وزير المستعمرات في تشرين الاول (اكتوبر) 1939، ليطلب منه ان يبلغ تشرشل بان وعوده السابقة للأمير ما تزال عالقة في ذهن، وانه ملتزم بالعمل وفقا لنصيحة تشرشل، وما يزال ينتظر نتيجة هذه الوعود. لقد ذكر الأمير عبدالله في حديث له مع رئيس التشريفات العامة في البلاط الملكي، ناصر الدين النشاشيبي بعد انتهاء الحرب، انه تحالف مع الانكليز في هذه الحرب، لكي يتجنب شرورهم ، فقال: (.. كنت أخشي ان يلجأوا إلي معاهدتهم معي، بقصد منعي من اجراء أي تقارب أو اتحاد مع سوريا).
بقلم  نجلاء سعيد مكاوي

المصدر:صحيفة الزمان العراقية   - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري