أخبار الوطن الرئيسية

18/08/2011

 

القرار الإتهامي: هكذا اغتيل الحريري بأكثر من طني متفجرات

 

 

بعد نحو 2361 يوماً على اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، خرج الى العلن قرار اتهامي قدّم «رسما تشبيهياً» لهذه الجريمة «المؤامرة» التي وقعت في 14 فبراير 2005 كاشفاً في 45 صفحة واكثر من تسعة آلاف كلمة (بالانكليزية) الى العلن أجزاء واسعة من القرار الذي كان صادق عليه قاضي الاجراءات التمهيدية في 28 يونيو الماضي وتسلّمه لبنان في 30 من الشهر نفسه.
القرار، الذي عرض حيثيات اتهام الاربعة من «حزب الله» وهم سليم جميل عيّاش، مصطفى أمين بدر الدين وحسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا، قُدّم بلغة قانونية، عكست الطابع السياسي لاغتيال الحريري، وعرضت سياقاً لجريمة 14 فبراير، التي ارتُكبت بـ «انتحاري» مجهول فجّر نفسه باكثر من طنين من المنتفجرات، على مستوى الاعداد والتنفيذ و«الاتفاق الجنائي على المؤامرة» التي نُسجت خيوطها «على الاقل» بين نوفمبر 2004 ويناير 2005؟ مرتكزاً على أرضية يشكّل «عصَبها المعلن» خريطة اتصالات ظهّرت حركة المنفذين، وبعضهم جرى الاقرار بانهم ما زالوا غير معروفين، وتواصُلهم مع بعضهم البعض وخط رصدهم لتحركات الرئيس الحريري ولاسيما في قريطم (حيث محل اقامته في بيروت) او في فقرا (منزله الصيفي).
وقد حرص المدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار على الاشارة في متن القرار الى انه استند الى «أدلة ظرفية» تقوم على الاستنتاج والاستدلال المنطقيين، معتبراً ان هذا النوع من الادلة «يعول عليها في معظم الأحيان أكثر من التعويل على الأدلة المباشرة، التي يمكن أن تتعرض لفقدان الذاكرة المباشرة أو لالتباس الأمر على الشاهد العيان»، مذكّراً بانه «في القانون هناك مبدأ مسلّم به يفيد أن الأدلة الظرفية مماثلة للأدلة المباشرة من حيث الوزن والقيمة الثبوتية، وبأن الأدلة الظرفية يمكن أن تكون أقوى من الأدلة المباشرة».
القرار الاتهامي الذي نُشر والذي اكد بلمار ان الستار لم يُرفع عن وقائعه الكاملة «الا في قاعة المحكمة حيث تُعقد محاكمة مفتوحة وعلنية وعادلة وشفافة تصدر حكماً نهائياً»، بدا تمهيداً فعلياً لبدء قطار المحاكمات الغيابية ولا سيما في ضوء ابلاغ لبنان الى المحكمة في 9 الجاري جواب «بحثنا عنهم ولم نجدهم» وذلك في اشارة الى مذكرات التوقيف بحق بدر الدين وعياش وعنيسي وصبرا الذين لفت ان نص القرار سماهم وللمّرة الاولى (في الفقرة 59) بانهم «مناصرون لـ (حزب الله)، وهو منظمة سياسية وعسكرية في لبنان تورّط جناحه العسكري في الماضي بعمليات ارهابية».
القرار الذي «صودفت» تلاوته في بيروت مع «انقطاع» موقع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على الانترنت، رأى قاضي الاجراءات التمهيدية القاضي دانيال فرانسين «أنّ المدّعي العام قدّم فيه أدلة كافية بصورة أوليّة للانتقال الى مرحلة المحاكمة، غير أنّ ذلك لا يعني أنّ المتهمين مسؤولون، بل يبيّن فقط توافر مواد كافية لمحاكمتهم. وعلى المدّعي العام أن يثبت، في أثناء المحاكمة، أنّ المتهمين مسؤولون «بدون أدنى شكّ معقول». وقد اُبقي على أجزاء صغيرة من قرار الاتهام وعلى أجزاء من مرفقيه كما من قرار تصديقه (من فرانسين) سريّة» نظرا لارتباطها بمسائل يمكن أن تؤثر في تحقيقات المدّعي العام الجارية، وكذلك في خصوصية وأمن المتضرّرين والشهود». وتم التعبير عن هذه السرية اما بمحو ارقام الهواتف الخلوية مثلاً التي تتشكّل منها الشبكات التي تواصلت مع بعضها لتنفيذ الجريمة والاعداد لها، او باظهار مقاطع من القرار بالأسود.
القرار، الذي نُشر مع بدء العد العكسي لصدور قرارات اتهام جديدة في الملفات المترابطة باغتيال الحريري والمتعلقة بمحاولتي اغتيال الوزير السابق الياس المر والنائب مروان حماده وجورج حاوي، وترقُّب صدور مذكرات توقيف جديدة تشمل لبنانيين وغير لبنانيين في جريمة 14 فبراير، رأى فرانسين انه «يلبي شرطَيْ التعليل والدقة اللذين يفرضهما الاجتهاد القضائي الدولي، والنظام، والقواعد (قواعد الاجراءات والاثبات)»، وقد تم تدعيم الادعاءات المرتبطة بالوقائع والتهم الواردة فيه بأدلة مرفقة «تُعرف بالمواد المؤيدة وتقع في ما يزيد على 20000 صفحة»، بما فيها افادات الشهود، والأدلة الوثائقية، والأدلة الالكترونية (مثل تسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات بيانات الاتصالات الهاتفية).
وبدأ القرار بتعريف السير الذاتية للمتهَمين الاربعة وكان البارز بينها سيرة بدر الدين وجاء فيها:
«أ- ولد مصطفى أمين بدر الدين (المعروف أيضا بالأسماء مصطفى يوسف بدر الدين، وسامي عيسى، والياس فؤاد صعب) بتاريخ 6 أبريل 1961، في الغبيري، في بيروت، بلبنان. وهو ابن أمين بدر الدين (الأب) وفاطمة جزيني (الأم). ومحل اقامته غير معروف بالتحديد، ولكن اسمه ربط ببناية خليل الراعي، الكائنة في شارع عبد الله الحاج في الغبيري، بجنوب بيروت، وببناية الجنان، الكائنة في شارع العضيمي، في حارة حريك، ببيروت. وهو لبناني، رقم سجله 341 /الغبيري.
وأدين بدر الدين، الملقب بـ «الياس فؤاد صعب»، في الكويت، بتهمة ارتكاب سلسلة من الأعمال الارهابية في 12 ديسمبر 1983، من بينها قيام انتحاريين باقتحام السفارتين الفرنسية والأميركية بشاحنات محملة بالمواد المتفجرة. وحكم عليه بالاعدام الا أنه فر من السجن عند غزو العراق للكويت في العام 1990.
ب - ولد سليم جميل عياش 4 بتاريخ 10 نوفمبر 1963، في حاروف، بلبنان. وهو ابن جميل دخيل عياش (الأب) ومحاسن عيسى سلامة (الأم). وسبق له أن أقام في أماكن منها: بناية طباجة، الكائنة في شارع الجاموس، بالحدث، في جنوب بيروت، وفي مجمع آل عياش في حاروف، بالنبطية، في جنوب لبنان. وهو لبناني، رقم سجله 197 /حاروف، ورقم وثيقة سفره لأداء فريضة الحج 059386، ورقمه في الضمان الاجتماعي 690790 / 63.
ج - ولد حسين حسن عنيسي (المعروف أيضا باسم حسين حسن عيسى) بتاريخ11 فبراير 1974، في بيروت، بلبنان. وهو ابن حسن عنيسي (المعروف أيضا باسم حسن عيسى) وفاطمة درويش. وقد أقام في بناية أحمد عباس، الكائنة في شارع في الحدث، بجنوب بيروت. وهو لبناني، رقم، Lycée des Arts) ) الجاموس، قرب ليسيه دي زار سجله 7/ شحور.
د. ولد أسد حسن صبرا 6 بتاريخ 15 أكتوبر 1976، في بيروت، بلبنان. وهو ابن حسن طحان صبرا (الأب) وليلى صالح (الأم). وقد أقام في الشقة 2، الطابق الرابع، بناية رقم 28، شارع 58، في الحدث 3، بجنوب بيروت، ويسمى الشارع أيضا شارع سانت تيريز، في الحدث، بجنوب بيروت. وهو لبناني، رقم سجله 1339 /زقاق البلاط».
وأضاف القرار: «اشترك المتهمون الأربعة مع آخرين في مؤامرة بهدف ارتكاب عمل ارهابي لاغتيال رفيق الحريري، ويمكن ايجاز دور كل واحد منهم كما يلي: اضطلع بدر الدين بدور المشرف العام على العملية، وتولّى عياش تنسيق مجموعة الاغتيال المسؤولة عن التنفيذ الفعلي للاعتداء، وقد أعدّا وسلّما شريط الفيديو الذي أُعلنت فيه المسؤولية زوراً (من ابو عدس)، بهدف توجيه التحقيق الى أشخاص لا علاقة لهم بالاعتداء، وذلك حمايةً للمتآمرين من الملاحقة القضائية. وكمساهمين في المؤامرة، اضطلع المتهمون الأربعة بأدوار مهمة في الاعتداء الذي وقع في 14 فبراير 2005، وعليه، تقع المسؤولية الجنائية عن نتائج ذلك الاعتداء على عاتق الأربعة جميعا». وتم اتهام الاربعة بـ «مؤامرة هدفها ارتكاب عمل ارهابي»، واتهم بدر الدين وعياش، بـ «ارتكاب عمل ارهابي باستعمال أداة متفجرة»، فيما كانت تهمة صبرا وعنيسي «التدخل في جريمة ارتكاب عمل ارهابي باستعمال أداة متفجرة».
ورسم القرار ما حصل يوم 14 فبراير كالآتي: «في صباح 14 فبراير 2005، غادر رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، منزله في قصر قريطم، ببيروت، لحضور جلسة لمجلس النواب. وكعادته، تنقّل في موكب له. واتخذ أعضاء مجموعة اغتيال مؤلفة من عيّاش وأشخاص آخرين مواقعهم في أماكن عدة يستطيعون منها تعقّب ومراقبة موكب الحريري. وكانوا قد راقبوا الحريري في عدة أيام قبل وقوع الاعتداء تحضيرا له. وقبل الساعة 11:00 من ذلك اليوم، وصل الحريري الىمجلس النوّاب. وقبيل الساعة 12:00، غادر الحريري مجلس النوّاب وذهب الى مقهى «بلاس دو ليتوال» (Café Place de lصetoile) القريب وبقي فيه 45 دقيقة تقريبًا، قبل مغادرته عائدًا الى منزله. وحوالى الساعة 12:49، صعد الحريري الى سيارته يرافقه النائب باسل فليحان، وانطلق الموكب من ساحة النجمة. وبدأ الحريري وجهازه الأمني رحلة العودة الى قصر قريطم في موكب مؤلف من ست سيارات، سالكين طريقاً بحرية مرورا بشارع ميناء الحصن. وفي الساعة 12:52، اتجه فان ميتسوبيشي كانتر ببطءٍ نحو فندق السان جورج الكائن في شارع ميناء الحصن. وقبل مرور الموكب بدقيقتين تقريبًا، تحرّك فان الميتسوبيشي كانتر الى موضعه النهائي في شارع ميناء الحصن. وفي الساعة 12:55، عند مرور موكب الحريري مقابل فندق السان جورج، فجّر انتحاري ذكر كمية هائلة من المتفجرات المخبأة في الجزء المخصص للحمولة في فان الميتسوبيشي كانتر، فقُتل الحريري و21 شخصًا آخر وأُصيب 231 شخصًا آخر».
وأضاف: «وبُعيد الانفجار، أجرى عنيسي وصبرا، وهما يعملان معًا، اتّصالات هاتفية بمكتبي وكالة رويترز للأنباء وقناة الجزيرة في بيروت. ثم اتّصل صبرا بقناة الجزيرة مرة أخرى ليعلمها بمكان شريط الفيديو الذي وُضع على شجرة في ساحة الاسكوا في بيروت. وعُثر على الشريط والرسالة المرفقة به. وفي شريط الفيديو الذي بُث فيما بعد على شاشة التلفزيون، أعلن رجل، يدعى أحمد أبو عدس، زورا أنه الانتحاري الذي نفذ العملية باسم جماعة أصولية وهمية مشيرًا اليها باسم «جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام». ونتيجة للتحقيقات التي أجريت بعد الاعتداء، جُمعت كمية كبيرة من الأدلة، بما فيها افادات الشهود، والأدلة الوثائقية، والأدلة الالكترونية (مثل تسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات بيانات الاتصالات الهاتفية). وأدّت هذه الأدلة الى تحديد هوية بعض الأشخاص المسؤولين عن الاعتداء على الحريري. وعلى سبيل المثال، أظهر تحليل سجلات بيانات الاتصالات وجود عددٍ من شبكات الهواتف الخلوية المترابطة والمتورطة في عملية اغتيال الحريري. وتتكوّن كل شبكة من مجموعة من الهواتف، التي سُجّلت عادةً بأسماء مستعارة، والتي كانت نسبة الاتصال بينها مرتفعة».
وبحسب القرار (من المواد 19 الى 24)، «أظهر تحليل سجلات الاتصالات وجود عدد من شبكات الهواتف الخلوية المترابطة والمتورطة في عملية اغتيال الحريري. وتتكون كل شبكة من مجموعة من الهواتف، التي سجلت عادةً بأسماء مستعارة، والتي كانت نسبة الاتصال بينها مرتفعة».
اضاف: «تقسم الشبكات المذكورة الى نوعين، يمكن وصفهما بانهما اما:
أ - «شبكات سرية»، لا يتصل أعضاؤها الا ببعضهم بعضا.
ب - أو شبكات مفتوحة، يتصل أعضاؤها أحيانا بآخرين من خارج مجموعتهم.
وتوصل التحقيق الى تحديد خمس شبكات سرية ومفتوحة رمزت بالألوان التالية:
أ - الشبكة الحمراء: شبكة سرية استخدمتها مجموعة الاغتيال وتتألّف من هواتف (اتسمت منها بكثافة الاتصال) وكانت هذه الهواتف الثمانية مستعملة من 4 يناير 2005 حتى توقف استعمالها كليا قبل دقيقتين من وقوع الاعتداء في 14 فبراير 2005 (وهنا نشر أرقام هواتف الشبكة الحمراء وأسماؤها المختصرة ممحوة).
ب - الشبكة الخضراء: مجموعة مؤلفة من هواتف شكّلت شبكة سرية من 13 أكتوبر 2004 حتى توقف استعمالها كليا في 14 فبراير 2005، قبل نحو ساعة واحدة من وقوع الاعتداء. وقد استعمل من هواتف الشبكة الخضراء للاشراف على الاعتداء وتنسيقه. وكانت هواتف الشبكة الخضراء تشكّل في السابق جزءًا من مجموعة مكونة من هاتفًا.
ج - الهواتف الزرقاء: شبكة مفتوحة مؤلفة من (...) هاتفًا استعملت بين شهر سبتمبر 2004 وشهر سبتمبر 2005. والهواتف الزرقاء استعملتها مجموعة الاغتيال لأغراض منها التحضير للاعتداء ومراقبة الحريري.
د - الهواتف الصفراء: شبكة مفتوحة مؤلفة من (...) هاتفًا شغلت للمرة الأولى ما بين العام 1999 والعام 2003، واستعملت حتى 7 من 2005. ثم استعيض بمرور الوقت عن معظم الهواتف الصفراء باستعمال الهواتف الزرقاء.
هـ - الهواتف الأرجوانية: شبكة مفتوحة مؤلفة من (...) هواتف استعملت استعمالاً عاديا، وقد شغلت للمرة الأولى قبل العام 2003 واستعملت حتى 15 أو 16 فبراير 2005. واستعملت الهواتف الأرجوانية لتنسيق (...) عملية الاعلان زورا عن المسؤولية عن الاعتداء».
تابع: « وكان بعض مستعملي هواتف الشبكات يحملون ويستعملون عدة هواتف من مختلف الشبكات. ويظهر تحليل سجلات الاتصالات وجود حالات عديدة كان فيها هاتف من هواتف الشبكة الحمراء عاملاً كما هواتف أخرى، منها هاتف من الشبكة الخضراء وهواتف زرقاء، وذلك في المكان ذاته،والتاريخ ذاته، والفترة ذاتها. ومن المعقول الاستنتاج من تلك الحالات أن شخصا واحدا يستعمل عدة هواتف معا عندما يلاحظ، على مدى فترة طويلة، أن أنماط الاستعمال لكل هاتف لا تتغير أبدا تغيرا لا يمكن تعليله، وأن هذه الهواتف مسجلة في أبراج الاتصالات الخلوية تسجيلاً يشير الى وجودها معا على مساحات جغرافية شاسعة، وأن هذه الهواتف لا تتصل ببعضها البعض. وهذا يسمى «اقتران مكاني».
واردف: «اضافةً الى ذلك، أظهر تحليل سجلات الاتصالات وجود اقتران مكاني بين هواتف من هواتف الشبكات وبين هواتف خلوية شخصية (...) وعندما يتبين أن هواتف الشبكات، المسجل الاشتراك فيها بأسماء مستعارة، مقترنة مكانيا بهواتف خلوية شخصية، يمكن عندئذ، من خلال نسبة الهاتف الخلوي الشخصي الى مستخدمه، التعرف في نهاية المطاف بواسطة الاقتران المكاني على هوية شخص بوصفه مستخدم هاتف من هواتف الشبكات».
وأكد القرار ان «مستخدمي الشبكة الحمراء، الذين يضمون أشخاص في حوزة كل منهم هاتف أزرق مقترن مكانيا بهاتف آخر، شكلوا مجموعة اغتيال الحريري. وقاد عياش مجموعة الاغتيال المكونة من أعضاء وأما الأعضاء الآخرون فهويتهم مجهولة في الوقت الحاضر. وقامت مجموعة الاغتيال بالمراقبة وتنفيذ الاعتداء الفعلي».
وقال القرار: «كشف التحقيق عن أدلة تثبت أن عياش وأعضاء آخرين من مجموعة الاغتيال قد راقبوا رفيق الحريري في عدة أيام قبل وقوع الاعتداء. ومن المعقول الاستنتاج، بناءً على مقارنة تحركات رفيق الحريري بالتحركات المتلازمة للهواتف الزرقاء وهواتف الشبكة الحمراء، أن المراقبة في تلك الفترات كانت تحضيرا للاغتيال. وبايجاز، فان هذا التوازي بين تحركات الحريري وبين تحركات الهواتف الزرقاء وهواتف الشبكة الحمراء لا يمكن تفسيرها على أنها مجرد صدفة». واضاف: «في20 يوما على الأقل من 11 نوفمبر 2004 حتى 14 فبراير 2005، قام عياش وأعضاء آخرون من مجموعة الاغتيال، عبر اتصالات بواسطة هواتفهم الزرقاء وهواتفهم من الشبكة الحمراء، بأعمال تحضيرية للاعتداء، بما فيها الرصد والمراقبة، وذلك لمعرفة الطرق التي يسلكها موكب الحريري وتحركات هذا الموكب وموضع سيارته فيه. وجرت المراقبة في فترة لا تقل عن 15 يوما، وخاصةً في 11 نوفمبر 2004، وحتى فبراير 2005، وبذلك، تمكّن عياش ومجموعة الاغتيال من تحديد أنسب يوم، وموقع، وطريقة لتنفيذ الاعتداء الذي قاموا به في 14 فبراير 2005».
اضاف: «تظهر الوقائع الموجزة أعلاه أنّ مؤامرة قد نشأت في وقت ما في فترة تمتد على الأقل من 11 نوفمبر 2004 حتى 16 يناير 2005. وفي هذه المؤامرة، اتفق على ارتكاب عمل ارهابي وسيلته أداة متفجرة بهدف اغتيال الحريري، والذين اتفقوا على ذلك هم بدر الدين، وعياش، وعنيسي، وصبرا، وآخرون لا يزالون مجهولي الهوية، بمن فيهم مجموعة الاغتيال وحامل الهاتف الأرجواني.
أ- بدأت المؤامرة في وقت ما في فترة تمتد على الأقل من 11 نوفمبر 2004 حتى 16يناير 2005، ونفذت في 14فبراير 2005، وذلك للأسباب التالية: في 11 نوفمبر 2004، نفّذ متآمران مجهولا الهوية يستخدمان هواتف زرقاء أول عملية مراقبة للحريري يتم اكتشافها، وبحلول 16 يناير 2005، كانت الشبكة الحمراء قد ُأنشئت واختفى أبو عدس، ونفذت المؤامرة في 14 فبراير 2005 بالاعتداء على الحريري. وكان من أوائل المتآمرين بدر الدين، بصفته المشرف، وعياش بصفته منسق مجموعة الاغتيال، وآخرون من أعضاء مجموعة الاغتيال.وانضم عنيسي وصبرا والشخص مجهول الهوية حامل الهاتف الأرجواني الى المؤامرة وذلك، كحد أقصى في الفترة من 22 ديسمبر 2004 حتى 16 كانون يناير 2005 وُأنيطت بهم مهمة التحضير للاعلان عن المسؤولية زورا. ويبدأ هذا الاطار الزمني في 22 ديسمبر 2004، لأسباب عدة منها أنّ الهاتفين الأرجوانيين العائدين الى عنيسي وصبرا كانا عاملين في هذه الفترة في محيط مسجد جامعة بيروت العربية حيث كان أبو عدس يؤدي الصلاة. وقد اتفق هؤلاء على العمل كمتدخلين يؤدون مهام دعم لعملية الاغتيال هي: البحث عن شخص ملائم، تبين في ما بعد أنه أبو عدس، لاستخدامه في اعلان المسؤولية زورا عن الاعتداء على الحريري في شريط فيديو، وتسليم شريط الفيديو، مرفقًا برسالة، للبثّ بعد عملية الاغتيال».
وتابع: «المتهمون الأربعة مناصرون لحزب الله وهو منظّمة سياسية وعسكرية في لبنان.
أ - وفي الماضي، تورط الجناح العسكري لحزب الله في عمليات ارهابية. والأشخاص الذين دربهم الجناح العسكري لديهم القدرة على تنفيذ اعتداء ارهابي بغض النظر عما اذا كان هذا الاعتداء لحسابه أم لا.
ب- تربط صلات قربى بالزواج بين بدر الدين وعياش وتشمل هذه الصلات بالمصاهرة المدعو عماد مغنية. وعماد مغنية كان عضوا مؤسسا لحزب الله ومسؤولاً عن جناحه العسكري من العام 1983 حتى اغتياله في دمشق في 12 فبراير 2008. وكان مطلوبا على المستوى الدولي بتهمة ارتكاب جرائم ارهابية.
ج - استنادا الى خبرتهما وتدريبهما وانتسابهما الى حزب الله، فان من المعقول الاستنتاج أنه كان لدى بدر الدين وعياش القدرة على تنفيذ اعتداء 14 فبراير 2005.
واردف: «ومن المعقول الاستنتاج أنّ هدف المؤامرة، الذي اتفق عليه عن علم جميع المتآمرين، هو ارتكاب عمل ارهابي بتفجير كمية كبيرة من المواد المتفجرة في مكان عام لاغتيال الحريري. وكان للمتآمرين هدفان آخران هما:
أ - اعلان المسؤولية زورا باسم جماعة أصولية وهمية هي «جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام» بهدف توجيه التحقيق في اتجاه أشخاص غير معنيين لحماية المتآمرين من الملاحقة القضائية،
ب. وبذلك، زيادة حالة الذعر شدة من خلال بثّ الشعور بعدم الاستقرار وبالخوف في أذهان الناس من وقوع اعتداءات أخرى من دون تمييز في أماكن عامة. ويتبين من استعمال الهواتف أنّ المتآمرين، بمن فيهم عياش وآخرون من أعضاء مجموعة الاغتيال وكذلك مجموعة اعلان المسؤولية زورا، كانوا قد اتخذوا من جنوب بيروت مركزا لهم بهدف ايجاد مسار وهمي بعيدا عن بيروت، اختار المتآمرون طرابلس مكانا للقيام ببعض الأعمال التي يمكن اقتفاء أثرها، ومنها مثلاً:
أ - في 4 يناير 2005 شغلت للمرة الأولى هواتف الشبكة الحمراء، بما فيها الهاتف الذي استخدمه عياش، بحيث يمكن اقتفاء أثرها الى طرابلس.
ج - في 25 يناير 2005، جرى شراء أداة حمل المواد المتفجرة التي استخدمت في العمل الارهابي، أي (فان الميتسوبيشي كانتر)، بحيث يمكن اقتفاء أثرها الى طرابلس.
د - في 2 فبراير 2005، ُأضيفت وحدات الى حساب هواتف الشبكة الحمرا في طرابلس، بحيث يمكن اقتفاء أثرها الى طرابلس.
وتوقّع المتآمرون أنّ المسار الوهمي ومعه اعلان أبو عدس المسؤولية زورا عن الاعتداء قد يحملان السلطات على التحقيق مع آخرين في طرابلس وأن يؤدي ذلك الى حماية المتآمرين من الملاحقة القضائية بتوجيه الانتباه بعيدا من بيروت».


تجرّع بيروت «الكأس المرّة» خطوة - خطوة أفقد «الزلزال» دوّيه... المدمّر

بيروت ـ من وسام أبو حرفوش
أحدث نشر أجزاء من القرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري «دوياً مكتوماً» في بيروت التي كانت تجرعت هذه «الكأس المرة» على طريقة «الخطوة ـ خطوة»، الامر الذي افقد «زلزال» اتهام «حزب الله» باغتيال الحريري وقعه المدمر، وجعل دويه العميق برسم المستقبل الذي يزداد غموضاً في البلاد.
ولم تكن المعطيات التي افرج عنها الجزء المنشور من القرار الاتهامي مفاجئة، رغم الطابع المثير للوقائع التي تضمنها في رسمه لمختلف جوانب «بازل» جريمة فبراير العام 2005، تخطيطاً ومراقبة وتنفيذاً في نطاق «المؤامرة» لشطب الحريري، اضافة الى الادوار الدقيقة للمتهمين الاربعة ولـ «شركائهم» المحتملين.
وجاء «الصمت المدوي» الذي احدثه هذا التطور في ذروة مواجهة سياسية بـ «مكبرات الصوت» بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، بزعامة سعد الحريري، وكأن الصراع المتدحرج على وهج القرار الاتهامي يقترب حتى يلامس «التوتر العالي» المرشح لمزيد من الحماوة في الايام المقبلة.
فعشية افراج المحكمة الدولية عن اجزاء من القرار الاتهامي كان «حزب الله» اطلق العنان لهجوم «دفاعي» عبر ذهابه، على لسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم، الى حد وصف «تيار المستقبل» بالميليشيا، وهو الامر الذي رد عليه تيار الحريري بقسوة، منبهاً الحزب بان «الموجود في الحفرة لا يستمر في الحفر».
ولم تقتصر هذه الاندفاعة الحامية في المساجلات بين طرفي الصراع على هذا الحد بل اخذت طابعاً اقليمياً مع الموقف الايراني من المحكمة الدولية واتهامها بـ «التسيس»، ما دفع الحريري الى الرد وبـ «نبرة حادة» على طهران التي المح الى استضافتها المتهمين الاربعة واخفائهم.
وعلى وقع الصراخ السياسي اطل الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله معلناً ان ما نشر من القرار الاتهامي كان متوقعاً و«أكد المؤكد» لجهة ما جرى تسريبه عن المحكمة «الاميركية ـ الاسرائيلية»، مواصلاً الهجوم الذي كان بدأه قبل اشهر طويلاً على صدقية المحكمة وحياديتها ونزاهة العاملين فيها.
ويعتقد «حزب الله»، الذي يواظب على مخاطبة جمهوره لابقائه على شكوكه حيال المحكمة الدولية والقرار الاتهامي، انه نجح الى حد بعيد في الحفاظ على هذا «الخط الدفاعي» عندما اشاع انطباعاً في ساحته بان المحكمة تريد رأس المقاومة وتحقيق ما عجزت عنه اسرائيل عسكرياً في حربها على لبنان.
غير ان الاعتقاد الواسع في بيروت هو ان مأزق «حزب الله» يزداد يوماً بعد يوم مع «الادلة» التي تملكها المحكمة الدولية، والتي تحاط بالسرية الى حين بدء المحاكمات، وتالياً فان الحزب سيكون امام خلاصة حتمية هي انه متهم باغتيال الحريري وبجرائم اخرى مماثلة، ما سيضعه في مواجهة عميقة ومأسوية مع غالبية اللبنانيين.

المصدر: صحيفة الراي العام الكويتية -     أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري