أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

02/06/2010

 

فلسطين والحرية

محمد زكريا السقال 

 

قافلة الحرية التي أعدها ناشطون عالميون ، وكان للأتراك شرف تبنيها وقيادتها، من أجل كسر الحصار الذي تفرضه هذه الثكنة العنصرية الصهيونية على شعبنا ونسائنا وأطفالنا وشيوخنا في غزة، ليس هو الحدث العالمي الأول الذي يميط اللثام عن الوجه البشع للفاشية الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية ودورها البارز كشرطي مدجج بالسلاح وقوة التكنولوجيا العالمية لخدمة حلفائها وشركائها الرأسماليين، لتمزيق وطننا العربي وتصدير التخلف وحماية الإستبداد المتمثل بهذا النظام العربي الفاقد للصلاحية لشدة فساده وارتباطاته وعدم تمثيله لآمال شعبه ومواطنيه.
وبالقدر الذي كان مأساويا وتراجيديا المآل الذي انتهت اليه القافلة على يد قراصنة الصهيونية في خرق فاضح لكل الأعراف والقوانين الدولية وتحدي الإرادة العالمية من خلال قتلها وجرحها لكثير من الناشطين واعتقال الآخرين الذين توافدوا من كل أنحاء العالم للتضامن مع الشعب المحاصر منذ ما يربوا عن ثلاثة سنوات، إلا أنه ولا شك قدم القضية وعدالتها ومشروعية النضال في سبيلها مناخا عالميا، من خلال تفهم العالم للظلم والبؤس الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستة عقود. حيث يتعرض للتشريد واستيطان ارضه واقتلاع اشجاره والتضييق عليه بكل سبل الحياة. اليوم المجتمع العالمي ومنظماته ونخبه ومفكريه يعون وبشكل واضح الدور الذي تلعبه الصهيونية كدولة تمييز عنصري تتحدى بممارساتها الهمجية كل النظم والشرائع التي ابتدعها العالم خلال سياق مسيرته للحفاظ على السلم وصيانة حقوق الإنسان. كثيرون يدينون اليوم بشكل واضح هذا العسف الصهيوني والإبتزاز الذي يمارس والبلطجة والصلف الهمجي.
إلا انه ورغم اللوحة المشرقة مع رفرفه اعلام التضامن مع فلسطين بأيدي المتضامنين في كل دول العالم وتمزيق اعلام الصهاينة في المقابل، اليوم حيث تتعالى كلمات الإدانة لهذا الكيان وتتعالى بالمقابل اصوات التضامن والمساندة والندوات الكثيرة التي تدار عن الدور القمعي والفاشي للصهاينة وفضح ابتزازهم لدمائهم التي سفحت على يد النازيين، يكشف على أوسع نطاق الدور الذي يمارسونه كونه لا يقل بشاعة وهمجية عن جلاديهم. فهم يكررون نفس ما مورس عليهم ضد شعب احتلوا ارضه وشردوه وقضموا الكثير من الأراضي العربية وشلوا الكثير من المساحات باسم أمنهم.
نجد على الجانب العربي وتحديدا على مستوى النظام الرسمي العربي هذا التواطؤ المخزي والمخجل، هذا الدور المشبوه واقل ما يقال فيه انه دور داعم لقيام هذه الثكنة، ولماذا لا نقول أنه دور يفضح عن إيكال أمنه وسيادة صلفه ونهبه وفساده لهذه الثكنة العنصرية. هذا النظام الذي تتهيأ أمامه كل الظروف وكل المقومات لإنتزاع حقوقه وتحرير أرضه واعادة السيادة والكرامة لشعوبه يفرط بها ويستهين بكل مشاعر شعبه الذي يورثه الذل والهوان والإستكانة.
يوميا يقدم لنا العالم نموذجا لدول تجاوزت واقعها وطورت ادائها من خلال تحفيز طاقات شعبها وتفجير امكانيات ابداعه وانتاجه. كان الحديث يدور عن ايران وفنزويلا والكثير من دول امريكا اللاتينية، واليوم تركيا التي تقدم انموذجا يشغل العالم ويسلط الضوء عليه بشكل يومي بزخم هذا الدور الذي تلعبه وتتمثله على كل المستويات من خلال هذه الحكومة المنتخبة الواثقة من نفسها والمستندة على جماهير وقوى ودستور. تلعب دوراً مهماً في مواكبة العصر بالخطاب والانتاج واستعمال وسائل المعرفة والحداثة، دون تطير ودون خوف من النجاسة، لأن الطهارة بالعدالة وإنصاف الشعب وسيادة القانون والدستور واحترام الآخر واستعمال الشفافية وابداع المؤسسات واطلاق الحريات السياسية والاعلامية. بينما نحن وكما هي الأمراض المزمنة والسرطانات المتدرنه تنخر انظمتنا، وغياب كامل لدور مثقفينا ونخبنا
كثيرة هي الندوات والمؤتمرات عن الحرية والديمقراطية، ومستقبل فلسطين ودور الصهيونية، والقومية والأمة والعروبة والاشتراكية ودور اليسار والاصلاح الديني والسياسي، ولكن غالبا ما تسفر هذه النشاطات عن زبد وسفسطة، تتبخر فور انتهاء النشاط على أول منضدة يجلس اليها المثقف وينفث رماد سجائره والخوف على أشيائه يحيط به من الدور الغير مجدي والخوف من الكثير مما يحيطه ابتداء من لقمة العيش الممسوكة بيد غليظة الى الاعتقال والتنكيل بينما قوانا واحزابنا التاريخية غارقة بتمجيد تاريخها وذواتها.
بقدر ما يفصح هذا الكيان دون لبس عن دوره وهمجيته، بقدر ما هي واضحة سياسة هذا المركز العالمي ودعمه ليس ملتبسا بل صريحا ومشدداً عليه لهذا الكيان العدوان، وبقدر ما هي سافرة هذه المخططات الخارجية، واضح وصريح وعار هذا المأزق الهزيمة الذي يلفنا ويحيط بنا ويغلف حركتنا لدرجة الشلل، ويطرح أسئلته الجارحة علينا للخروج من هذه الأزمة والتي تتبدى تجلياتها بمقدمات تشكل من الضرورة والألحاحية لها، مؤشرات صحيحة وصحية، حيث لا يمكن الاعتراف بالأزمة وحدها للخروج منها بقدر ما يشكل الاعتراف بالهزيمة لمجمل الأفكار والأدوات والعلاقات والثقافة التي أدت إليها. لا يمكن شراء الأدوية بالعملات المنقرضة ولا يمكن للسراب ان يجلب ماء وحياة، لا يمكن لمؤتمرات مزمنة تعقد وتنعقد وتخرج وهي لا تنتج ثمن الحبر الذي استهلكته على جعجعاتها وثرثراتها ولا يمكن لأنصاف الحلول ان تعالج وتفكك هذا الواقع المسدود الآفاق، ولا يمكن التغزل بانجازات الغير أن يعطي حلولا لمشاكلنا وهمومنا، وعلينا ان نبادر لنتحرر من كل التابوهات والأفكار والأدوات التي هزمتنا، لنصنع الحرية لشعوبنا واوطاننا.

محمد زكريا السقال
برلين / 1 / 6 / 2010

المصدر:محمد زكريا السقال   - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري