أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

02/08/2010

 

مراجعة أخرى لـدرس وطنــــي

افتتاحية جريدة الوحدة

 

لا يختلف اثنان في هذا البلد، على أن السنوات الأخيرة كانت قاسية بكل معنى الكلمة، نظراً لما شهدته الحياة السياسية من عمليات تعطيل، والحراك السياسي من قمع، وما تعرضت له الكوادر السياسية ونشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني من ملاحقات واعتقالات، في ظل أوضاع اقتصادية ومعاشية متردية .

ورغم أن التشدد الأمني طال الجميع، فإن المناطق الكردية بقيت تشكل الخاصرة الرخوة، التي وجدت فيها السياسة الشوفينية ساحة لاختبار قدراتها على إرهاب الناس، وتبرير ديمومة الأحكام العرفية واستمرار حالة الطوارئ، والبحث عن الذرائع اللازمة لعسكرة تلك المناطق، التي تدفع بالنهاية فاتورة رفضها لتلك السياسة، مثلما تدفع الحركة الوطنية الكردية فيها ضريبة المشاركة في الحراك الديمقراطي الذي نشط بعد عام 2000 وثمن الانضمام إلى إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي السلمي عام 2007 ، بعد أن يئست من الحلول ..
ورغم أن هذه الحقيقة باتت معروفة، فإن من المؤسف أن هناك من لا يزال تنطلي عليه مزاعم السلطة التي تجد، في التشكيك بالولاء الوطني الكردي واتهام الكرد بالانفصالية، وسيلة للنيل من الوحدة الوطنية واستعداء الرأي العام الوطني السوري ضد الكرد، وتجاهل قضيتهم، والاستعانة، من أجل ذلك، بشعارات مسلوخة عن الواقع، وبأطروحات تهدف لتحقيق مكاسب حـــزبية وشخصية، ســـاهمت السلطة أصلاً في ترويجها وتسويقها في مرحلة سياسية باتت معروفة للجميع، عندمـا كانت هذه السلطة تسعى من خلال علاقاتها مع أطراف إقليمية كردية، لتحويل أنظار الداخل الكردي إلى الخارج الكردستاني، في محاولة للتعتيم، في حينه، على القضية الكردية السورية، وإنكار وجود الشعب الكردي في سوريا، والتنكر لحقوقه المشروعة، واستثمار أي تعاون، بالمقابل مع ذلك الخارج، في اتهام الكرد بالولاء له على حساب الولاء الوطني السوري... بمعنى آخر، فإن بعض تلك الشعارات، رغم عدالتها، ألحقت الضرر بالقضية الكردية، لأنها لم تكن محسوبة النتائج، ولأنها كانت تنم عن قصور معرفي بالربط الجدلي بين الواقع والسياسة، الأمر الذي دفع بالعديد من النخب الثقافية السورية للاصطفاف إلى جانب السلطة في تجاهلها لعدالة هذه القضية، وتبريك سياسة التمييز القومي، التي طالت كل ما يتعلق بالشأن الكردي، وأساءت للجهود الرامية لتكريس وطنية القضية الكردية، كقضية سورية تعني الجميع، مثلما أساءت لأواصر العيش المشترك مع المكونات الأخرى، وشكلت عبأً ثقيلاً على كاهل المواطن الكردي العادي، وحمّلت المجتمع الكردي تبعات سياسية واقتصادية ثقيلة، وحرمت الحركة الكردية من أصدقاء كثيرين، لا يزال بالإمكان تبديد الأوهام التي زرعتها السياسة الشوفينية في عقولهم، والعمل بكل الوسائل على إبراز الحقيقة الكردية، وفضح أهداف الحملة الشرسة التي يتعرض لها شعبنا الكردي بأشكال مختلفة، ابتداء من تكريس المشاريع العنصرية، والإبقاء على تطبيقاتها المقيتة، إلى استصدار القوانين والمراسيم التي استهدفت تجريد المواطنين الكرد من جنسيتهم، والفلاحين من أراضيهم، وحرمان الآخرين منهم من فرص العيش الكريم، وذلك لعرقلة تطور المجتمع الكردي، وإجبار أفراده على الهجرة، وغير ذلك من الإجراءات، التي ترمي بهم في متاهات الفقر، وتتركهم فريسة للبطالة، وتنتج الفساد والانحرافات ومشاعر الاغتراب والاحتقان والتطرف بين صفوفهم.
ومع اعترافنا، بأن مثل تلك السياسة قد تنجح إلى حين في خلق حالة من الخوف والترهيب، لكنها مع الزمن سوف تكون لها تداعيات لا مصلحة لأحد في النتائج التي يمكن أن تنجم عنها .
فمن الناحية السياسية، يجب التساؤل عن هوية الجهة التي تستفيد من الإبقاء على مئات الآلاف من المواطنين الكرد المجرّدين من الجنسية، وما ترتّب على هذا الإجراء اللا إنساني من افتقار هؤلاء الضحايا لمشاعر الانتماء لوطنهم، الذي يفترض أن يفرض عليهم واجب الدفاع عنه، وصيانة استقلاله وبناء اقتصاده ورسم مستقبله .....ولمصلحة من هذا التزايد المتسارع لطوابير العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات الذين تضيق أمامهم فرص ومجالات العمل الشريف، وكذلك ما ذنب عمال البناء والمهندسين والمحامين وغيرهم من ضحايا المرسوم 49 لعام 2008 ، الذي شمل شرائح ومناطق كثيرة، لكن تمّ تفصيله على مقاس المواطن الكردي، حيث يسمح له، بموجب هذا المرسوم، بيع ما يملك، دون أن يتاح له امتلاك ما يريد، والذي بات سيفاً مسلطاً على رقاب الناس، خاصة في محافظة الحسكة المبتلية بسياسة التمييز بسبب الوجود الكردي، والتي تعامل كمحافظة القنيطرة، على إنها حدودية بالكامل، وذلك للدلالة على وضع استثنائي تعيشه هذه المحافظة المعطاءة والبائسة بنفس الوقت، والتي تشرّد ثلث سكانها حالياً في ريف دمشق ودرعا، بعد هجرة قسرية مريرة، حاملين معهم معاناتهم ومشاعرهم الجريحة بفعل التمييز والقهر والحرمان والإهمال الحكومي المتعمد، وما يمكن أن يحمله لهم واقعهم الجديد من مخاطر الانحرافات بكل إشكالها نتيجة البطالة والحرمان من التعليم، إضافة إلى الأزمات الاجتماعية، ونقص الخدمات الضرورية .
ومع قناعتنا بأن لا مصلحة وطنية في اضطهاد مواطن لمجرد أنه كردي، وبأن الخاسر الأكبر هو الوطن الذي لن يتقدم إلا بتكاتف وتعاون جميع أبنائه، وبالاحترام والاعتراف المتبادل بين مكوناته، فإن الكرد لا يزالون ينتظرون الإنصاف، وأن تصريحات السيد الرئيس بشار الأسد لوكالة جيهان الرسمية التركية بأنهم: (جزء من الشعب السوري، وبأنهم ليسوا سوّاحاً أو مقيمين مؤقتين... ) لاقت صدى ايجابياً في الوسطين السياسي والشعبي الكردي، ولكنها تحتاج إلى ترجمة عملية لأن شعبنا أرهقته سياسة الاضطهاد القومي، ودفعته المشاريع العنصرية نحو الانعزالية، وحان له أن يستعيد ثقته بالشراكة والوحدة الوطنية، مثلما حان لحركته السياسية أيضاً مراجعة ذاتها، واستعادة ثقافتها الوطنية، وإنجاز وحدة أطرافها في إطار نضالي عصري وفعال، يمثل إرادة شعبنا، ويتبنى خطاباً سياسياً يلامس الواقع، ويتلمس معاناة جماهيرنا الكردية، ويربط بين نضالها الوطني والقومي، ويتلاءم مع المتغيرات والتطورات المحلية والإقليمية والدولية، ويحترم عقول الناس، ويؤمن بالحوار الديمقراطي المسؤول، ويواجه خطاب التوتّر الذي يثير العواطف القومية المجردة، مثلما يواجه حملات الاتهام التي ترمي إلى إحباط الحركة وخلق حالة من اليأس بين صفوفها، ويعمل على تسهيل مهمة الانخراط في النضال الديمقراطي العام في البلاد، ويسعى إلى إقناع مختلف القوى الوطنية في البلاد، داخل السلطة وخارجها، بأن القضية الكردية هي قضية وطنية بحق، وأن لهذه القوى مصلحة حقيقية في تبنّيها والدفاع عن عدالتها، وبأن قدرنا جميعاً أن نكون شركاء في وطن ضحّينا معا في سبيله، وبأننا بالنهاية سوريون على اختلاف انتماءاتنا القومية والدينية والسياسية، وان هذا الوطن لا يحق فيه لأية فئة احتكار قيادته، أو الانتقاص من سيادته، والتلاعب بحدوده، وتهديد مستقبله ووحدة أبنائه.

جريدة الوحدة(yekiti) العدد204

المصدر:حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سورية   - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري