أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

24/12/2010

 

صدور "القرار الاتهامي"... يُنهي المسعى السعودي

سركيس نعوم

 

تكوّنت خلال الاشهر الاخيرة وفي ظل الصراع المحتدم بين فريقي 8 آذار و14 آذار على "المحكمة الدولية" وامور اخرى انطباعات عدة لدى عدد من الاوساط الشعبية ذات الانتماءات السياسية المتنوعة بل المتناقضة احياناً عن مواجهة "حزب الله" هذه المحكمة، وعن دوافع موقفه السلبي منها، وموقفه الفعلي منها لدى تأسيسها، ثم بعد بدء التسريبات "المبرمجة" عن القرار الاتهامي المرتقب صدوره عنها وعن موعد هذا الصدور، وموقف كل من "الحليفين" الاساسيين للحزب اي الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا بشار الاسد من المحكمة، وعن مدى الاختلاف او التوافق او التقارب بينهما، واخيراً عن مرحلة ما بعد صدور القرار الاتهامي.
ابرز الانطباعات يمكن تلخيصها بالآتي:
1- اعترض "حزب الله" سياسياً ورسمياً في مجلس الوزراء على انشاء "المحكمة الدولية". لكنه لاحقاً قبلها في اول اجتماع لـ"هيئة الحوار الوطني" ثم قبل "الاخذ والرد" حولها سواء في جلسات مجلس الوزراء بعد انتهاء مقاطعته اياها او في مجالس اخرى. وبرر البعض موقفه التجاوبي بشعوره ان اصابع الاتهام ليست موجهة اليه بل الى سوريا وإن تكن حليفة له. وهذا امر يزعجه. لكنها تستطيع ان تتدبر مواجهة هذا الامر. وهو جاهز لمساعدتها في ذلك اذا قضت الحاجة.
2- عاد "حزب الله" عن قبوله المحكمة الدولية عندما لمس انه سيكون المتهم الوحيد او بالاحرى الرئيسي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم يُصدر المدعي العام في المحكمة الدولية قراره الاتهامي. ولم يعد موعد الصدور بعيداً. نتيجة لذلك قرر الدفاع عن نفسه وبكل الوسائل مستعيناً بحليفيه الاقليميين دائماً وواضعاً اياهما او احدهما امام اكثر من امر واقع اذا وجد مصلحة له في ذلك.
3- اثارت الحملة التصاعدية على "المحكمة الدولية" والتي بدأها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله قبل اشهر في خطبه الموجهة الى جمهوره والى سائر جماهير لبنان عبر التلفزيون تساؤلات عن احتمال وجود ارتباك لدى القيادة الحزبية، وربما عن عدم قدرة على اتخاذ قرار نهائي بالتحرك العملاني السياسي او غير السياسي "للتخلص" من المحكمة لاسباب تتعلق ببعض التباين في المواقف النهائية بينه وبين حليفيه الاقليميين او احدهما. فهو اوحى اكثر من مرة الى المؤيدين وغير المؤيدين ان الحسم حاصل حتماً وقريباً. كما انه أوحى مرات اخرى بالهدوء وربما بشيء من التراجع او بالاحرى التريث في نظر البعض.
ماذا يقول "حزب الله" في كل ذلك؟
يعلق قيادي كبير فيه على الانطباعات المذكورة اعلاه واخرى كثيرة غيرها بالآتي:
1- كان "حزب الله" ضد "المحكمة الدولية" منذ البداية بسبب خوفه من نجاح اميركا في استخدامها بغية تنفيذ مخططاتها ضده وضد لبنان وحلفائه الاقليميين. وليس صحيحاً انه لم يتحرك ضدها الا دفاعاً عن نفسه بعد تأكده من تسريبات اعلامية ومن مصادر خاصة موثوق بها ان الاتهامات ستوجه الى افراد منه. وليس صحيحاً انه "طنَّش" ولم يقاومها عندما كانت التهمة موجهة الى سوريا. واقتراح قيادة "الحزب" فور وقع الجريمة على عائلة الشهيد الحريري محكمة عربية انما كان هدفه تجاوز الخوف المذكور رغم معرفتها بالوضع العربي عموماً الذي تبقى معالجته ممكنة رغم تعاسته. طبعاً لم يُقبل الاقتراح لاسباب قد لا تكون على صلة بالعائلة. بعد ذلك مشى الحزب بـ"المحكمة الدولية" لأنه خاف من تحوّل "الفوران" المذهبي فتنة او حرباً هو لا يريدها على الاطلاق. وانطلاقاً من ذلك بدأ البحث والأخذ والرد.
2- كان قبول "حزب الله" بـ"المحكمة الدولية" مبدئياً وهذا ما حصل في الحكومة وفي هيئة الحوار الوطني. وعنى ذلك ضرورة مناقشة كل تفاصيلها في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب وفقاً لاحكام الدستور والقوانين. بدأت المناقشة مع الوزير (السابق) بهيج طبارة وحدد لها الرئيس فؤاد السنيورة ثلاثة ايام للانتهاء بالموافقة وإن مع استعداد لقبول تعديلات طفيفة. في نهاية اليوم الاول "حشر" السنيورة الجميع بعد استشهاد النائب والصحافي جبران تويني فوضع المحكمة على جدول الاعمال وأصر على اقرارها، فانسحب وزراء "حزب الله" و"امل" الشيعيين ووزير رئيس الجمهورية الارثوذكسي.
3- ما حصل بعد ذلك معروف ينبئ بأن موقف "حزب الله" من "المحكمة الدولية" لم يتغير. حصل الاعتصام في بيروت لمدة 17 شهراً. ثم عملية 7 ايار 2005. ثم انجلت الامور في عاصمة قطر الدوحة. لكن الخلاف على المحكمة استمر. وازداد لاحقاً بعد تسريبات مجلة "ديرشبيغل" 2008.
4- عندما عقد السيد حسن نصر الله مؤتمره الصحافي الاول (التصعيدي) كان البحث بين "حزب الله" وسوريا جارياً. قال قياديون فيها لقيادته ان السعودية ستتحرك لايجاد حل لمشكلة المحكمة وان سوريا تعوّل على ذلك لانه جدي في نظرها. سأل الحزب عن حدود التحرك فكان الجواب: ارجاء صدور القرار الاتهامي. استفسرنا اكثر: الى متى؟ فكان الجواب: الى اجل غير مسمى. منذ ذلك التاريخ صارت "الظهورات" التلفزيونية لـ"السيد" ترمي الى تهدئة الجو وتوفير قرائن تمكن المسعى السعودي من النجاح. لكنها لم تكن قط تراجعية.
5- بعد تكاثر التسريبات عن القرار الاتهامي وتفاصيله وقرب موعد صدوره، تأكد "حزب الله" ان صدوره صار قريباً وان ما يؤخره مسائل تقنية وليس اي شيء آخر. فتعقدت اللهجة واتخذت طابعاً تهديدياً وخصوصاً بعدما اجمعت على ان الموعد هو اواخر الشهر الجاري.
6- لا يعني ذلك في نظر الحزب ان المسعى السعودي فشل، فهو مستمر. لكن الاسئلة التي تُطرح كثيرة. في اي حال سيبقى الحزب ملتزماً اياه ومنتظراً انتهاءه. لكن اذا صدر القرار الاتهامي قبل تمخضه عن نتيجة سيتخلى الحزب عن الوساطة ويفعل ما يراه في مصلحته. ومن هنا قول السيد نصر الله "تلفزيونياً" للناس اذذاك لكل حادث حديث. ولهذا القول سببان. الاول، رفض إعطاء الخصوم فرصة للاستعداد لمواجهة خطوات معروفة سلفاً. والثاني، الحرص على البحث في الآليات التي تعتزم "المحكمة" استهدافها لتنفيذ مضمون قرارها الاتهامي وفي الوقت نفسه في وسائل مواجهتها.
هل هذه الردود مقنعة؟
انها منطقية. يجيب المحايدون. لكن الحكم النهائي في كل ذلك يبقى للمستقبل القريب ربما بكل تطوراته.

المصدر:النهار اللبنانية  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري