أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

27/08/2010

 

الشهود الزور والمرحلة الجديدة

وليد شقير

 

يُكثر العديد من رموز المعارضة اللبنانية وحلفاء «حزب الله» من التهديد بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية في لبنان، في معرض هجومهم على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وعلى القرار الاتهامي المحتمل صدوره عنها، بحيث يخيّرون الفريق الآخر بين بقاء الحكومة وبين التخلي عن المحكمة مثلما سبق أن رفعوا الصوت طارحين الخيار بين المحكمة والاستقرار فإذا بقيت الأولى تعرض الاستقرار للاهتزاز.

لكن، مثلما يربط هؤلاء بين موضوع التغيير الحكومي وبين مطلبهم التخلي عن المحكمة فإنهم يتغافلون عن ان التوافقات الإقليمية تربط بين الحكومة والمحكمة لكن من ضمن معادلة مناقضة تماماً: استحالة إلغاء المحكمة توجب بقاء حكومة الوحدة الوطنية لأنها واحدة من صمامات الأمان لحفظ الاستقرار في التعاطي مع ما يمكن ان يصدر في القرار الاتهامي للمدعي العام في المحكمة.

وهذه المعادلة هي النتيجة الواضحة والأساسية التي توصل إليها التفاهم السعودي – السوري، معطوفاً على الاتفاق على محاولة تأخير القرار الظني بجهود تبذل مع عواصم القرار، مع إدراك صعوبة تحقيق ذلك. ولعلّ حرص الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على التأكيد ان لا نية لدى الحزب لإسقاط الحكومة هو تعبير عن التزامه هذا التفاهم الذي أدركه من دمشق قبل 3 أسابيع، خصوصاً أن إسقاطها بالاستقالة متعذر إذا لم ينضم إليه أحد الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية ميشال سليمان، أو الوزراء المحسوبين على رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط. والأول والثاني ملتزمان التفاهم السعودي – السوري الى اقصى الحدود، هذا فضلاً عن أن رئيس البرلمان نبيه بري (3 وزراء) تحوّل الى رمز للمطالبة بالتفاهم السعودي – السوري ويعتبر حصوله وتمتينه مطلباً دائماً.

ولم يأت التوافق السعودي – السوري حول المحكمة والحكومة عن عبث. ففضلاً عن قناعة الجانب السوري بأنه لا يجوز الطلب من الحكومة اللبنانية وتحديداً رئيسها سعد الحريري إلغاء المحكمة، فإن استسهال البعض طرح هذا المطلب شبيه بإصراره على الحؤول دون قيام المحكمة واقتناعه بأنها لن تتأسس في العام 2007 الى حد الجزم والاطمئنان الذي كانت نتيجته خيبة الأمل، وتقابله حقائق تدرك الدول المعنية وفي طليعتها السعودية وسورية أنه يصعب تغييرها. فالمحكمة باتت كياناً قائماً بذاته وباتت أشبه بالقطار الذي غادر المحطة ولم يعد ممكناً إيقافه إلا حين يتوقف هو في المحطة المقررة له أن يتوقف فيها ليعود فينطلق مجدداً... كما ان افتعال أزمة حكومية، من اجل الإتيان بحكومة بغير رئاسة الحريري، لتطلب من مجلس الأمن وقف المحكمة، أو لتحول دون دفع لبنان حصته من تمويلها أو لمنع أجهزة الدولة من التعامل مع المحكمة هي آمال تفتقد الواقعية. فأي دولة معنية في مجلس الأمن لن تقبل عودة أي حكومة عن قرار إنشاء المحكمة. وحكومة من هذا النوع تتطلب نفوذاً لـ «حزب الله» وحلفائه فيها، ينزع عنها صفة الوحدة الوطنية، التي يحتاج الحزب الى غطائها حتى إشعار آخر لئلا تتخذ الدول الأوروبية موقفاً أقرب الى تهميش لبنان في هذه الحال ما يزيد الطين بلة، لأنه يقود المجتمع الدولي الى غسل يديه بالكامل من الوضع اللبناني، في وقت ما زال يحتاج الى مظلته. وحتى إذا افترض البعض أن «حزب الله» قادر على التعايش مع وضع كهذا، فإن دمشق ليست في هذا الوارد في ظل تفاهمها مع الرياض وانفتاحها على الدول الغربية.

وفي وقت تحوّل الحديث عن تغيير حكومي وإسقاط المحكمة وعن تهديد الاستقرار الى ضغط إعلامي وتهويل بلا أفق، يبقى إصرار المعارضة على محاكمة الشهود الزور إضافة الى قرائن السيد نصرالله التي اتهم إسرائيل بموجبها. وإذا كان المدعي العام في المحكمة يتولى التدقيق في هذه القرائن في انتظار المزيد الذي وعد به الأمين العام لـ «حزب الله»، فإن قضية الشهود الزور تطرح أسئلة كثيرة حول جدواها وفائدتها إذا كان هدفها اتهام المتحمسين للمحكمة بالوقوف وراء بعضهم، وبعضهم الآخر موجود في سورية وإثارة قضيته مع دمشق تعيد توتير العلاقة بينها وبين الفرقاء الذين تصالحوا معها وفي طليعتهم الحريري. فهل ان دمشق ستكون مرتاحة الى العودة الى اتهام الحريري وحلفائه من جهة واتهامها هي من جهة ثانية بالوقوف وراء بعض هؤلاء الشهود؟ وهل يتناسب كل ذلك مع المرحلة الجديدة التي دخلتها العلاقة اللبنانية – السورية، والعلاقة السعودية – السورية؟

المصدر:صحيفة الحياة السعودية    - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري