بين مقاعد الحديقة الفرنسية في المزة
وعلى أرصفة المتحلق الجنوبي ينام ويعيش
الطفل (ب، ع) البالغ من العمر 12 عاماً
بعد أن طرده والده من المنزل، ليجد في
حقول الصبار القريبة مكانا لقضاء الحاجة
على حين لم يعرف جسده ماء الاستحمام منذ
فترة من الزمن.
لا يجد الطفل (ب) جواباً عن السؤال حول
سبب طرده من المنزل، ولكنه يعرف أن عليه
تأمين 500 ليرة كل يوم ليعطيها لوالده
ولذلك يعمل الطفل بائعا لربطات الخبز على
المتحلق الجنوبي منذ الصباح وحتى المساء.
التواصل معه يشكل مشكلة كبيرة فإجاباته
المتقطعة حول أي موضوع يطرح عليه يعطي
لمحة عما يعانيه خلال النهار وخلال الليل،
وأما حلم الدراسة التي وصل فيها إلى الصف
السادس فيبدو أنه تلاشى كما أحلام كثيرة
تراوده ومنها لعب البلياردو وأكبر من ذلك
الحلم، النوم في سرير دافئ بدلا من حجارة
الرصيف الباردة وأخشاب مقاعد الحديقة
الصلبة، ووجبة طعام حقيقية بدلا من
سندويشات الفلافل.
الطفل (ب) هو واحد من أبطال قصص مأساوية
للعديد من باعة الخبز على المتحلق الجنوبي
والذين يعملون لساعات طويلة خلال اليوم
متحدين الظروف الجوية وخطورة قطع المتحلق
المكتظ بالسيارات المسرعة، حتى يصلوا إلى
الطرف الثاني منه لبيع ربطة خبز بربح لا
يزيد على خمس ليرات للربطة الواحدة لتصل
محصلة اليوم للبائع الواحد إلى ما بين 300
وحتى 500 ليرة أو أكثر لتصل إلى 900 ليرة.
يعمل الطفل (ب) لدى أحد باعة الخبز في
المنطقة ويدعى أبو علاء ويشارك هو وثلاثة
من العاملين غلة النهار وفق ما يقول أبو
علاء ليصل الوارد اليومي للواحد منهم إلى
نحو 400 ليرة يوميا، ويتمنى أبو علاء أن
يجد مكاناً يؤوي فيه الطفل بدلاً من نومه
في الشارع، ويتمنى أبو علاء أن يستطيع
إيواء الطفل في منزله ولكن ضيق مساحة
المنزل وكثرة عدد أفراد أسرته يمنعه من
ذلك.
أرامل يبعن الخبز لإعالة أطفالهن
بعيداً عن بسطة الطفل (ب) تقف أم عمر
لتبيع الخبز للسيارات العابرة منذ الصباح
الباكر وحتى السادسة مساءً لتحصل في
النهاية على مبلغ يتراوح بين 200 حتى 400
ليرة تنفقها على أولادها الثلاثة بعد أن
ترملت منذ عدة سنوات ووجدت في بيع الخبز
لقمة شريفة تقيت منها أولادها وتنفق على
مستلزمات المدارس.
مع بداية العام الدراسي وجدت أم عمر صعوبة
كبيرة في تأمين مستلزمات أولادها في الصف
السابع والثامن الإعدادي والثالث
الابتدائي، وربما ما يخفف قليلاً من
أزمتها هو سكنها في بيت أهل زوجها المتوفى
لتوفر ما ستدفعه أجرة منزل وتنفقه على
الأولاد ومصاريفهم.
وفي الوقت الذي يصل فيه عدد العاملين في
بيع الخبز بالمنطقة إلى أكثر من 30 شخصاً
فإن أم عمر واحدة من كثير من النساء
العاملات في المنطقة وترى أن الفقر
والحالة المادية السيئة هما اللذان دفعاها
للعمل في هذه المهنة، مضيفة: إن العمل
بائعة للخبز وأكل لقمة شريفة ومال حلال
أفضل ألف مرة من أن تنحرف المرأة المحتاجة
وتعمل في مهنة سيئة.
وتصف أم عمر حال النساء العاملات في
المنطقة بتساؤل تقول فيه: أيعقل أن تعمل
في هذه المهنة الصعبة امرأة لا تعاني من
أوضاع صعبة، وتصف أم عمر حال العمل في بيع
الخبز بأنه يوم عسل ويوم بصل ويصل معدل
البيع اليومي للفرد الواحد إلى ما بين 50
حتى 70 ربطة وقد تصل إلى 100 للبائع
الواحد في بعض الأحيان لمن يعملون لوقت
طويل تحت أشعة الشمس.
وتقسم فترة عمل الباعة بين صباحية ومسائية
لتقل أعدادهم بشكل واضح في النهار وتزيد
بشكل كبير في الليل وخاصة النساء والأطفال
وحتى الفتيات الصغيرات.
ويرى أبو علاء (بائع خبز) أن العدد الأكبر
من الباعة يكون في المساء بعد الساعة
الخامسة مساء حيث يعمل الأطفال بعد انتهاء
دوام المدارس، وإضافة إلى الحاجة يرد أبو
علاء سبب عمل الباعة إلى تلبية رغبة
المشترين في الحصول على الخبز بسرعة وعدم
التوقف أمام الفرن للحصول عليه، مضيفاً:
إن كوات البيع مفتوحة ويمكن للمشتري أن
يذهب ويشتري منها ولكن الكثير من المارة
بالسيارات يفضلون عدم التوقف وركن
سياراتهم والحصول على الخبز من الباعة
بفارق سعر بسيط لا يزيد على خمس ليرات
سورية هو مربح البائع.
مخاطر وملاحقة البلدية
إضافة إلى ملاحقة شرطة البلدية للباعة
ومصادرة ربطات الخبز التي يبيعونها والتي
تشكل مصدر رزقهم فإن خطر عبور الشارع إلى
الطرف الآخر منه يعتبر واحداً من أكبر
المخاطر التي يتعرضون لها، هم وسائقو
السيارات، إذ كثيراً ما تحصل حوادث سير
يكون المشاركون بها باعة خبز وسائقين
متهورين، وخاصة عندما يبعد أقرب جسر
للمشاة أكثر من 500 متر عن مكان تجمع
الباعة قرب الفرن وحاجة الكثير منهم وخاصة
من يبيعون على الطرف الآخر من المتحلق إلى
العبور بشكل متكرر لإيصال الخبز إلى مكان
بيعه، وربما أكبر دليل على خطورة الموقف
هو العبور المتكرر لرجل كبير في السن يحمل
كمية كبيرة من الخبز من طرف إلى آخر
مخاطراً بين السيارات المسرعة إذ رصدته
«الوطن» وقد عبر الطريق خمس مرات خلال ربع
ساعة لإيصال الخبز.
يؤكد أبو علاء وكل من التقتهم «الوطن» من
باعة الخبز أن لا ذنب للباعة في حوادث
المرور التي تحصل في المنطقة ويردون السبب
إلى تهور السائقين وسرعتهم الزائدة
والتجاوز الخطير للمركبات.
ويعطي أبو علاء مثالين عن حوادث حصلت في
الآونة الأخيرة حين حاولت سيارة تجاوز
سيارة أخرى بسرعة كبيرة فاصطدمت بالمنصف
وطارت إلى الطرف الثاني منه والحادث
الثاني اقتلعت فيه سيارة مسرعة شجرة نخيل
من المنصف. |