إسرائيل قلقة...والدبلوماسية
الإسرائيلية في حالة اهتياج...أجهزة الأمن
والاستخبارات يجترون خيبتهم: لماذا فشلنا
في توقع ما يحدث مرة أخرى...خبراء نظرية
الأمن الإسرائيلية في حيص وبيص ، ماذا إذا
حصل ما لا تحمد عقباه...تكفي نظرة سريعة
على صحف تل أبيب العبرية ، حتى تلم لمس
اليد حجم هذا التوتر والقلق والانزعاج.
لم تبق دولة مؤثرة في العالم ، إلا واتصل
نتنياهو بقادتها...هو غاضب على الولايات
المتحدة والاتحاد الأوروبي: أنتم لا
تعرفون مصالحكم...عليكم أن تتدخلوا لإنقاذ
نظام الرئيس حسني مبارك...إلى الجحيم
بالديمقراطية وحقوق الانسان والتداول
السلمي على السلطة...هل تريدون خميني آخر
في القاهرة...هل تريدون حلفاً إيرانياً -
مصرياً - سورياً ممتدا إلى غزة والنبطية....نتنياهو
حانق على العالم ، وقلق على مستقبل رجل
قال عنه وباراك وبيريز أنه "ذخر استراتيجي
لإسرائيل".
لا شيء يأتي من مصر هذه الأيام ، "يسر قلب"
الإسرائيليين...خبرّ واحدّ فقط أبقى "نافذة
الأمل والرجاء" مفتوحة في تل أبيب: تعيين
اللواء الوزير عمر سليمان نائباً للرئيس...هم
يعرفونه جيداً...لا أحد في إسرائيل لا
يعرفه أو لم يلتقيه...بالنسبة لهم ، هو
رمز استمرارية النظام...هو "المباركية" من
دون حسني مبارك....كل الآمال معقودة على
استلام الرجل للراية من بعد رحيل "الذخر
الاستراتيجي".
مبارك بالنسبة لهم ، وكذا سليمان ، هو
السلام الممتد لثلاثين عاماً ، منذ كامب
ديفيد إلى يومنا هذا...هو التنسيق الأمني
في مواجهة غزة وحماس والأنفاق وتهريب
السلاح ، هو أكثر من 200 كيلومتر من
الحدود المضبوطة...هو الرصاص الحي على
المهاجرين الأفارقة ، يطلق على ظهورهم وهم
يغادرون الأراضي المصرية ، ولا يطلق على
صدورهم وهم يدخلون إسرائيل ، أو وهم
يهمّون باختراق الحدود المصرية السودانية
، أنت لا تقتل إن تسللت خلسة إلى الأراضي
المصرية ، أنت تقتل إن أنت تسلل خارجاً
منها وإلى إسرائيل بالذات...لم نسمع عن
إفريقي واحد قتل وهو يدخل مصر أو يغادرها
إلى ليبيا ، بيد أننا نسمع يومياً (تقريبا)
عن أفارقة يقتلون برصاص مصري ، على الخط
الحدودي بين مصر وإسرائيل.
مبارك بالنسبة لهم ، وكذا سليمان ، هو
الغاز الرخيص الذي يتدفق من دون عوائق
وبأبخس الأثمان ، ودون انتظار لمعرفة
أسعار البورصة العالمية ، إلى عروق
الصناعة ومنشآت توليد الطاقة وأفران الطبخ
في كل بيت إسرائيلي...مبارك بالنسبة لهم ،
هو القنوات المفتوحة و"الأنابيب المفتوحة"
في كل الظروف ومختلف الأحوال ، حتى في
ذروة انسكاب الرصاص المصهور على الأطفال
والشيوخ في غزة ، وإغلاق كل البوابات
والمعابر والأنفاق وشرايين الحياة مع
القطاع المنكوب بجواره.
"المباركية" مجسدة في شخص مبارك ، أو
نائبه لا فرق...هي رأس الحربة في يد
الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ، وهل
ثمة استراتيجية أمريكية خاصة في هذا
المنطقة غير الاستراتيجية الإسرائيلية؟..."المباركية"
هي الحرب الشعواء على إيران وحلفائها..هي
الإصرار المتعنت على "عزل" سوريا
و"شيطنتها" ، هي التضامن مع سمير جعجع في
مواجهة حسن نصر الله ، ومع محمد دحلان في
مواجهة خالد مشعل...هكذا كانت السياسة
المصرية طوال السنوات الماضية ، وهكذا وضع
حسني مبارك في أضيق الخنادق وأكثر مدعاة
للقلق والشجب والاستنكار.
لذلك كله ، كان من الطبيعي أن تشاطر
إسرائيل البعض ، قلقهم حيال مصير نظام
مبارك ، لكنها بخلافهم ، لا تكتفي بإبداء
القلق وحده ، بل تتحرك على مختلف الصعد
والجبهات ، لحشد التأييد له في معركته ضد
شعبه ، وتمكينه من الصمود في حربه على
شبّان مصر وشاباتها ، تغذّيه بالمدد
السياسي والمعنوي ، وثمة من يقول بطائرات
من أدوات وأسلحة محاربة "الشغب" و"الإرهاب"
، حطت في مطار القاهرة فيما الجموع محتشدة
في ميدان التحرير.
لم يهدأ روع الإسرائيليين إلا بعد اتصال
هاتفي مع "النائب" عمر سليمان ، اطمأنت
خلاله إسرائيل على سلامة النظام واستمراره
، من دون أن تنسى إبلاغه بأن يسرع في
إيلاء "أنفاق غزة" الاهتمام الذي تستحق ،
فهي تنشط بمعدلات أعلى من المعتاد ، وتشهد
تدفقا للبضائع من كل نوع بصورة غير مسبوقة
وفقاً للتقارير الإسرائيلية ، كما لم تغفل
تل أبيب عن تذكير سليمان بأن دبابات مصرية
اجتازت الخطوط الحمراء التي رسمتها ملاحق
معاهدة السلام ، وأن تل أبيب إذ تغض الطرف
عنها مؤقتاً تقديراً للموقف والوضع
الاستثنائي ، إلا أنها لن تبقي أعينها
مغمضة طوال الوقت.
وأخيراً...ها نحن نكتشف "الحقيقة الأولى"
مرة أخرى ، وللمرة المليون ، حيثما تكون
إسرائيل لا نكون...حينما تقلق إسرائيل
نشعر بالطمأنينة...نرتاح حين تنزعج...نكره
من تحب ونحب من تكره...إنها "لعبة الحصيلة
الصفرية" ، كل ربح لها خسارة صافية لنا ،
وكل خسارة لنا هو ربح صاف لها ، وحيثما
تكون إسرائيل لا نكون ، تلك ألف باء
التحالفات وبناء السياسات ، وبخلاف ذلك لا
معنى له خارج إطار التخاذل والتواطؤ
والتفريط. |