المنطقة «ستشهد حدثاً عظيماً»، كما صرح
الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قبل
أيام في زيارة رسمية إلى سوريا. غير أن
الملامح الأولى لما قد يحدث في المنطقة
قريباً لا يتعدى إحدى اثنتين: أن تضرب
إسرائيل إيران ضربة مباغتة قبل أن تصبح
هذه الأخيرة دولة نووية تهدد أمن المنطقة
وبالذات أمن إسرائيل، أو أن تضرب إيران
إسرائيل لتجرها إلى حرب شاملة في المنطقة،
بدلًا من أن تكون حرباً مركزة على إيران
فقط.
الاحتمال الثاني ضعيف جداً، ولو أنه لا
يستبعد، لكنه ضعيف لأن إيران لا تملك حتى
الآن قدرات هجومية ودفاعية وتكتيكية كافية
لمواجهة سلاح إسرائيل، التي بلا شك سوف
تدعم من الدول الغربية وعلى رأسها
الولايات المتحدة. ولا يستبعد، لأنها قد
تلجأ إلى هذا الخيار إذا أصبح العدوان
عليها حتمياً لا مفر منه.
وسيكون مبدأ (تغدى بعدوك قبل أن يتعشى بك)
هو السلاح الأخير لدى هذه الجمهورية التي
أصبحت تترقب الضربة لحظة بلحظة، وهي
متمسكة بمراوغتها وعنادها الذي عهدناه في
ما يتعلق بملفها النووي.
وقادة الجمهورية الإسلامية يعلمون جيداً ـ
رغم تصريحاتهم بأن لا أحد يقوى على ضرب
إيران ـ بأن عملية تحدث في منتصف الليل
سريعة ومتتابعة ومباغتة ـ كما حدث في
أفغانستان ـ لا يمكن استبعادها.
خاصة أن التصريحات الصحافية الصادرة من
إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في
الأيام الأخيرة تشبه إلى حد كبير طبول
الحرب التي سبقت ضرب العراق وأفغانستان.
وبالتالي، إذا كانت الصفعة قادمة لا محالة،
فلماذا ننتظرها ولا نبدأ نحن بها، ويحدث
بعد ذلك ما يحدث. على الأقل ستربك أي ضربة
إيرانية مباغتة لإسرائيل الداخل
الإسرائيلي، وستعم الفوضى في كل مكان قبل
أن تفكر بالتحرك.
ولكن كيف ستضرب إيران إسرائيل؟ إذا صحت
تصريحات قادتها، فإن إيران تملك قدرات
عسكرية وصاروخية تصل إلى عمق إسرائيل. وقد
أثبتت قدرات حزب الله في لبنان ـ التي
تحصل على سلاحها من إيران والتي لا تشكل
إلا نسبة زهيدة مما تملكه إيران هي نفسها
ـ بأن لدى إيران كميات هائلة ومتطورة من
الذخيرة تكفيها لحرب استنزافية طويلة
الأمد.
وحيث إن إسرائيل التي ترأسها حكومة حرب
يمينية ومتطرفة على رأسها نتنياهو،
وبتصريحات ليبرمان وزير خارجيتها لم تتوقف
عن تهديد ليس فقط إيران بل سوريا ولبنان.
بالتالي، ومن خلال التصريحات المتواصلة
لقادة حرب إسرائيل بضرورة ضرب سوريا، فإن
سوريا معنية بنفس التهديدات التي علت
وتيرتها في الأيام الأخيرة والموجهة ضد
إيران، وأي ضربة لإيران ستجر سوريا
وبالطبع مقاومة حزب الله معها. فلماذا لا
تكون ضربة احترازية إيرانية ـ سورية ـ
جنوب لبنانية مشتركة؟
كل شيء متوقع وممكن في ظل الظروف الراهنة
التي تعيشها المنطقة. فقد تعلمت إيران من
الأحداث التي شهدتها المنطقة في السنوات
العشرين الأخيرة ـ سواء في حيلة دفع
العراق لاحتلال الكويت أو في غزو
أفغانستان أو احتلال العراق أو هدم لبنان
ـ بأن انتظار الهجوم أخطر من البدء به.
فإذا كانت الضربة قادمة قادمة، والخسائر
متوقعة، والنتيجة محسومة، فلماذا لا يكون
لنا شرف البدء بها، حيث النتيجة في
النهاية واحدة؟
لقد كانت دعوات هيلاري كلينتون وزيرة
الخارجية الأميركية لسوريا منذ أيام
بالابتعاد عن إيران، أشبه ما يكون بتجهيز
أرضية تلك الضربة، وتحذيرها بعدم الاقتراب
من ساحة الحرب القادمة.
إلا أن زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا
إضافة إلى قرار البلدين إلغاء تأشيرات
الدخول فيما بينهما، ضربت بتعليمات البيت
الأبيض عرض الحائط. فسوريا تعلمت هي أيضاً
أن فصلها عن إيران أو ضرب إيران لن يكون
في النهاية في مصلحتها، وإن ضربت إيران
فإن الدور التالي سيكون حتماً عليها. وهي
لعبة مكشوفة.
فاحتلال العراق لم يكن في يوم من الأيام
قراراً فردياً لعائلة بوش. وإنما مخطط
غربي واضح الملامح بتمزيق المنطقة شر ممزق،
واحتلال منابعها النفطية ونقاطها
الاستراتيجية، وتحييدها من امتلاك السلاح
النووي الذي قد يهدد أمن إسرائيل. ومن هنا
تجيء زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا
لتأكيد دورها المهم في أي «حدث عظيم» قد
يهز الشرق الأوسط.
«الحدث العظيم» الذي تحدث عنه الرئيس
الإيراني قد يكون مدلوله أكبر من لفظه.
فالضربة يبدو أنها قادمة، ولا أحد يعرف
كيف ومتى ومن أين تحديداً ستبدأ، ولكنها
لن تكون محدودة على بلد معين هذه المرة،
كما حدث في ضرب العراق أو قبلها أفغانستان،
بل ستجر تياراتها المنطقة بأسرها فيها،
شاء من شاء وأبى من أبى، خاصة في ظل حكومة
إسرائيلية متطرفة ومغامرة وهشة لا تفهم
لغة الحوار وإنما الحرب والاغتيالات،
ونظام إيراني لا يعرف الهوادة.
وبالتأكيد ضرب إيران سيجر ليس فقط سوريا
وإنما لبنان وكافة حركات المقاومة
الإسلامية في المنطقة، ولا نعلم من أيضاً
من دول الجوار. فتركيا قد لا تجلس متفرجة
حتى ولو لم تدخل بثقلها في أي حرب قادمة،
ولكنها لا شك ستلعب دوراً أساسياً في
توجيه نتائجها.
فهي أيضاً ـ كونها دولة إسلامية ناهضة ـ
لن تسلم من قلب الأوراق من حولها، وقد
تجعلها بعد ذلك توافق على كافة الشروط
التي قد تفرض عليها. وما مخطط الانقلاب
الفاشل في تركيا سوى مقدمات... الوقت يمر،
والمنطقة تغلي، والنتائج نحن من سيتحملها
للأسف من خلال فواتير طويلة ومهلكة يجب
دفعها نقداً، تفوق ما دفعناه من قبل بعد
حرب العراق؛ (لا ننسى إضافة الفوائد
وضريبة القيمة المضافة!).... و..و.. و،،،، |