حوّلت الفنادق الكثيرة المتوزعة على
أطراف ساحة المرجة بدمشق هذه الساحة من
ذكرى مشرفة تعيد لنا ذكرى شهداء السادس من
أيار الذين أعدمهم جمال باشا السفاح على
أعمدتها، حتى تخضبت دماؤهم بأرض المرجة
إلى محطات للفساد الأخلاقي، حتى وصلت سمعة
هذه المنطقة السيئة إلى المغتربين
السوريين في الخارج وبعض العرب أيضاً،
وبات من المحرج فعلاً أن تطأ أقدام النساء
خاصة أرض المرجة.
قصة قديمة:
تعود قصة السمعة غير الطيبة لمنطقة المرجة
إلى انتشار فنادق من فئة النجمة والنجمتين
في تلك المنطقة، تستقبل الزبائن بأسعار
زهيدة جداً، لكنها تعوض أرباح الإقامة
القليلة باستقطاب فتيات أجنبيات أو عربيات
وعرضهن على الزوار مقابل نسبة معينة، ورغم
أن الظاهرة لم تعد منتشرة مثل السابق إلا
أن السمعة السيئة الصيت مازال تلاحق هذه
المنطقة.
تقول الشابة زويا قدور الموظفة في مكتب
محاماة بمنطقة المرجة: أتعرض لمواقف بشعة
كثيراً حينما أطلب من سائق تكسي إيصالي
إلى منطقة المرجة، فبعض السائقين يغمزون
طوال الطريق، ويلمحون لأمور كثيرة
لاعتقادهم أن كل فتاة تعمل في منطقة
المرجة يرتبط عملها بالدعارة حصراً، ولم
أركب سيارة التكسي مرة إلا وشعرت بالحرج
من نظرات السائقين في حال كان طريقي لساحة
المرجة.
الشاب عمران الملحم: يرى أن الناس أصبحوا
أكثر تفهماً للوضع في منطقة المرجة والتي
ذاع الصيت اللا أخلاقي فيها فترة طويلة،
ويرى بأن الجهات الرقابية وتموضع وزارة
الداخلية في ذات المنطقة ساهم إلى حد كبير
في ضبط وضع الفنادق وتغيير النظرة السلبية
تجاه المنطقة.
سر المهنة:
يقول موظف في أحد فنادق المرجة: ربما جرى
ظلم المنطقة بسبب بعض الفنادق والناس
الذين أساؤوا السمعة، لكن فنادق المرجة
ليست كما يعتقد الكثيرون والحقيقة أنها
تستقبل زبائن من المنطقة الشرقية وزبائن
عرب وإيرانيين، وهم يشعرون بالراحة في هذه
الفنادق مع أنهم يمتلكون المال للنزول
بأفخم الفنادق إلا أن مديري فنادق المرجة
يفهمون على الزبائن ويسعدونهم بطريقتهم
الخاصة بما يجعلهم يفضلون فنادق المرجة
على غيرها، ولدى سؤاله عن طرق إسعاد
الزبائن قال: (هذا سر المهنة).
ويجد السياح الأجانب، خصوصاً أصحاب الدخول
المحدودة والذين يأتون بشكل إفرادي إلى
دمشق، الراحة في هذه الفنادق نظراً لأجور
الإقامة المحددة والمنخفضة ودرجتها
السياحية المحددة بين نجمة ونجمتين.
ويقول صاحب فندق آخر يدعى (أبو خالد): (يشعر
الداخل إلى هذه الفنادق بمجدها الذي ولّى
منذ فترة بعيدة حيث يمكن مشاهدة قطع أثاث
تعود إلى عقود مضت أو صور لشخصيات أقامت
في هذه الفنادق أيام عزها، يُضاف إلى ذلك
الحميمية التي يستقبلك بها القائمون على
هذه الفنادق والتي تشعر معها وكأنك في
بيتك أو بين أسرتك والتي عادة ما تفتقدها
في الفنادق الفخمة).
وأضاف: (نختار العاملين في فنادقنا من
الذين يتحلون بالسمعة الحسنة والسلوك
القويم والنزاهة نظراً لحساسية العمل في
هذه المهنة وفي هذه الفنادق بالذات، فيلجأ
بعضهم إلى توظيف العمال من المعارف
والأصدقاء والأقارب.
إهمال:
وكذلك فإن الأهمية التاريخية لساحة المرجة
لم تشفع لها عند الجهات المسؤولة،
فالأبنية الأثرية التي كانت شاهداً على
أهم الأحداث التاريخية لم يصمد سوى بعضها،
مثل (بناء السراي) وهو بحالة يرثى لها،
كما أنَّ محافظة دمشق لم تُعِد ترميم
الأسواق القديمة المحيطة بالساحة، مثل (سوق
التبن، وسوق العتيق، وسوق الخيل).
كذلك أُغلقت معظم دور السينما التي كانت
تغصُّ بها الساحة؛ مثل (سينما الإصلاح
خانة، وسينما الكوزموغراف، وسينما غازي).
أما ساعة المرجة الشهيرة، فلا أحد يعرف
مصيرها بعد أن غادرت العمود. |