|
"طاقة أبو الحرّ"، فتحة في جدار حجري،
تحولت إلى محكمة قراراتها لا تقبل الطعن
متخصّصة بقضايا الشرف وتمييز ابن الحلال
عن ابن الحرام، يقصدها كثيرون بصمت
ولأسباب مختلفة، بعيداً عن صخب المحاكم
العصريّة وسلطاتها القضائيّة، بينما
يتّخذها آخرون هزءاً وتسلية، ومن التسالي
ما قتل!
هذه "الطاقة" هي جزء من مقام "الشيخ أبو
الحر" الذي يشمل أيضاً عين ماء وشجرة توت
معمرة، ويقع في قرية "عيون" التي تبعد 3
كم عن صلخد و33 كم جنوب مدينة السويداء.
مقام من الداخل والطاقة من الخارج
يتكون المقام من ثلاث غرف مبنية من الحجر
الأسود وملبسة بالرخام، إحداها تضم ضريح
صاحب المقام وفيها بعض لوحات آيات قرآنية،
واخرى تغطي جدرانها صور لشخصيات دينية
ولوحات تجسد أحداثاً تاريخية، اما الغرفة
الوسطى فلها باب يفضي إلى الخارج.
وفي الجهة المقابلة ثلاث درجات تمكنك من
الوصول إلى الطاقة المبنية في الحائط على
شاكلة مستطيل كبير نسبياً، من الجهة
الثانية التي تطل على الطريق تبدو الطاقة
بأبعاد مغايرة تماماً، فتظهر كنافذة صغيرة
ارتفاعها 38 سم بعرض 22 سم وعمق 15 سم،
وجدرانها مبنية من الحجر الأسود يعلوها
لوح رخامي كتبت عليه آية قرآنية.
تاريخ المقام والطاقة
مختار قرية عيون معضاد الشومري تحدّث إلى
سيريانيوز حول تاريخ المكان فقال "كانت
الطاقة قديماً محكمة بناها كما يعتقد صاحب
المقام "الشيخ أبو الحر"، وكان ولياً
صالحاً يقصده الناس للقضاء بينهم، فإذا
شكّوا أن أحدهم ابن حرام توجّهوا به إلى
هذا الولي فيأمره بالمرور من الطاقة، فإن
تمكن من ذلك يُبرّأ وإن لم يستطع تثبت
عليه التهمة".
وأضاف: "ليس لدينا تاريخ محدد لبنائها،
لكن بالتأكيد عمرها يزيد عن 400 سنة،
وعندما سكن أجدادنا في جبل العرب اعتقدوا
بحقيقتها واعتمدوا عليها، ونحن بدورنا
توارثناها عنهم".
وتابع "تعد هذه النافذة معجزة إلهية لأن
الناس قد يشهدون زوراً وبعضهم يقسم يميناً
كاذباً، ولا يمكن اكتشاف الحقيقة إلا من
خلال هذه المحكمة لأنها عادلة لا ترتشي
ولا تقبل التوسّط بينها وبين المتهم كما
هو الحال في محاكمنا، ولذا هي أصدق من
المحاكم العصرية والتحاليل الطبية"!
ووصف لنا المختار بعض حالات لم تستطع
النفاذ عبر الطاقة رآها بأم عينه: "في
قريتنا امرأة عمرها 58 سنة لم تفلح
بالخروج من الطاقة رغم محاولاتها المتكررة
حتى في طفولتها، ولذا كان أهالي القرية
يخففون عنها بالقول: أنتِ لا ذنب لك، أمك
هي المذنبة. كذلك فشلت طفلة عمرها 3 سنوات
من المرور منها على الرغم من صغرها،
واعترفت أمها بخطيئتها".
والمرور من الطاقة فن
الشيخ محمد الشومري (86) سنة من أهالي
القرية لم ينفِ أن يكون للطاقة سر لكشف
حقيقة الناس، لكنه في نفس الوقت قال "إن
للمرور من الطاقة فن، لذا من يجهل طريقة
المرور قد يفشل، والطريقة هي أن يلج الشخص
الطاقة بوضعية جانبية ويمرر يده وكتفه
فرأسه في البداية ثمّ بقية الجسم، وأذكر
أن لحّاماً وزنه 105 كغ وآخر 110 استطاعا
المرور منها بسهولة لأنهما اتبعا هذه
الطريقة".
وأضاف الشومري "تقع شجرة التوت غرب المقام
ولم يستطع خبراء الزراعة تحديد عمرها، لكن
من المؤكد أنه يزيد عن 400 سنة، أما نبع
الماء فيقع جنوب المقام، ويقال أن الشيخ
أبو الحر كان يشرب من النبع ويأكل من
الشجرة فاكتسبا قدسية منه. وتصل جذور
الشجرة إلى مسافة 50 متراً، وأنتجت مئات
الأطنان من الحطب، أما ماء النبع فيشفي من
الأمراض الجلدية بغسل المكان المصاب به،
وأنا شخصياً أصبت بالحصبة في صغري وعندما
غسلت جسمي منه شفيت تماماً".
وتابع "هناك حوادث كثيرة برهنت على قداسة
هذا المكان، منها إقدام شخص معروف في
القرية على أخذ أحجار من المقام
واستخدامها في بناء سطح منزله الحجري
فتهدّم السطح في نفس اليوم كما سقط ابنه
عن السطح وكسرت رجله، وحصل أيضاً أنّ شخصاً
آخر سرق نقوداً من المقام فشُلّ جسمه".
وعن زوار المقام قال "يقصده أناس كثيرون
من باقي المحافظات ومن لبنان إما
ليتباركوا بصاحب المقام، أو لاختبار
أنفسهم بالمرور من الطاقة، أو ليغتسلوا
بماء النبع ليشفوا من الأمراض، لافتاً إلى
أن معظم الأشخاص الذين يزورونه يؤمنون
بحقيقته".
أحد أهالي القرية رفض الكشف عن اسمه قال "هناك
الكثير من السيدات ظُلمن بسبب هذه الخرافة،
إحداهنّ كانت متزوجة ومع هذا اتهمت بالزنا
وبعد أن وضعت مولودها أخذه والده إلى
الطاقة ولم يستطع تمريره من خلالها حسب
قوله، ولذا طلّق زوجته وادعى أن الطفل ليس
ابنه!".
وأضاف "مادام مجتمعنا ذكوريّاً فالشباب
سواء استطاعوا المرور من الطاقة أم لم
يستطيعوا فلا مشكلة لديهم، أما الإناث فهم
الضحية دائماً. مثلاً، ثمّة شابة في العقد
الثالث من عمرها معروفة بسمعتها الطيبة
وأخلاقها العالية ومع ذلك لم يجرؤ أحد من
شبّان القرية على خطبتها لأنّه يشاع بأنها
فشلت في المرور من هذه الطاقة في صغرها!".
وتناقضت أقوال من التقيناهم بين مؤيدة
ومعارضة. (ص، ش) من صلخد قال "يبلغ عرض
منكبي ثلاثة أضعاف عرض الطاقة ومع ذلك
نجحت بالمرور منها".
أما (م، ش) ويبلغ عمره 65 فقال: "لا
أستطيع المرور من الطاقة حالياً لكنني
مررت منها عشرات المرات في مرحلتي الطفولة
والشباب، فهل كنت ابن حلال والآن أصبحت
ابن حرام؟! فهذا ما يدل على أن لا حقيقة
لهذه الطاقة".
بدورها، قالت خريجة جامعية (سميرة، ف) "إن
للمقام والطاقة سر يعجز الإنسان عن تفسيره،
واستنتجت ذلك من تجربتي الشخصية، فقد حلمت
يوماً بأنني أزور مقاماً لأحد الأولياء
الصالحين وشاهدت نفسي أعبر من خلال نافذة
في جداره دون سابق معرفة به، وعندما وصفت
في اليقظة هذا المكان أمام أحد أقاربي قال
لي إنه مقام أبو الحرّ، ولذا قمت بعد عدة
أيام بزيارته لأفاجأ بأنه نفس المكان الذي
رأيته في الحلم".
الكنة وحماتها بانتظار الحكم
وحالفنا الحظ بوجود شاب مع والدته وزوجته
وطفله ابن السبعة أشهر قادمين من إحدى قرى
محافظة السويداء ليختبروا أنفسهم.
وبدأ المسلسل حين ارتسمت معالم الخوف على
وجوههم، وفي الحالة الطبيعية لا تتفق
الحماة مع الكنة فكيف في هذا الموقف الحرج.
وتردد الشاب في الدخول لذا قرر أن يدخل
طفله أولاً، فأسرعت زوجته لتستقبله من
الجهة الخارجية وبالفعل خرج بسهولة،
فتلقّت الكنّة التهنئة والتبريكات.
أما الحماة فقد تكدر وجهها وبدا عليها
الارتباك عندما بدأ ابنها محاولة الخروج،
وهو شاب في العقد الرابع من العمر، طويل
وضخم البنية ووزنه نحو 80 كغ، وباءت جميع
محاولاته بالفشل رغم تشجيع الموجودين له،
ومساعدة البعض له في الجهة الأخرى.
وبرّر الشاب عدم خروجه من الطاقة بضخامة
جثته وضيق الطاقة ربّما للتخفيف عن والدته،
ثم غادروا المقام بفوز الكنة على حماتها
فوزاً لن تنساه!
هل للظاهرة تفسير علميّ..؟
وتحدّث إلينا عميد كلية التربية بالسويداء
الدكتور غسان أبو فخر فقال "هذه الظاهرة
استثنائية أو ماورائية ولا تخضع لقوانين
العلم، إنما تخضع للاعتقاد فقط، فشخص ما
قد يصدقها وشخص آخر قد لا يصدقها على
الإطلاق، وفي علم النفس هناك ما يسمى
بالإيحاء حيث يحوِّر الناس الوقائع بما
يتلاءم مع معتقداتهم".
وأضاف "ربما كان لهذه الظاهرة حقيقة في
الماضي لتعزيز الإيمان بقدرة بعض الأولياء،
لكن يجب ألا تكرّس مثل هذه الظواهر على
الإطلاق وألا تدخل نطاق حياتنا بشكل دائم".
بدوره الدكتور أديب عقيل مدرس في جامعة
دمشق اختصاص علم اجتماع، قال "هذه الظاهرة
تنتشر في المجتمعات المتخلفة التي يحكمها
العرف الاجتماعي والعقلية الدينية
المتعصبة وتحكمها الغيبيات والمجتمعات
الجاهلة، لكن المجتمع التقني والمهني الذي
يقوم على أساس العلم والعقل يرفض هذه
الظواهر".
وأضاف عقيل "هذه الظواهر لا تنتشر في
المجتمعات العلمية المتقدمة ، لكنها تنتشر
في المجتمعات الفقيرة والجاهلة التي تؤمن
بالسحر والشعوذة العقل والمنطق لا يقبل
هذه الشعوذات والخرافات غير القابلة
للتطبيق وللواقع".
أما المحامي (ن، ر) ففسّر إخفاق بعض
الأشخاص من المرور عبر الفتحة المذكورة
بأنه ناجم عن عامل الرّهاب والخوف، حيث
يرتبك الشخص وتتسرع دقات قلبه وترتخي بعض
العضلات وبالتالي لا يستطيع المرور.
مضيفاً أن "الحكم على الشخص من خلال
الطاقة جائر ولا يجوز أن نأخذ به إذا لم
يستند إلى التحاليل الطبية". |