تعد
ظاهرة عمل الأطفال من أبرز المشاكل التي
يعاني منها المجتمع السوري، وتزداد هذه
المشكلة تعقيدا مع مرور الزمن لعدم وجود
إحصاءات رسمية دقيقة لها.
وتشير صحيفة "الوطن" السورية إلى وجود
أسباب متعددة لهذه الظاهرة أبرزها الظروف
الاقتصادية والاجتماعية كالفقر والبطالة
والدعارة والأمية والطلاق و"الكثير من
الأسباب التي ساعدت على تكرار المشهد كل
يوم في الشوارع والأسواق وعلى الإشارات
المرورية".
وتضيف "طرقنا وشوارعنا لن تبخل بالكثير من
الأطفال يحملون علب البسكويت والمحارم أو
قطعاً قماشية متهافتين وراء السيارات
لتنظيفها أو ممن يتوجهون مباشرة طلبا
لقطعة نقود أو ممن يجلسون أو حتى يناموا
فوق الجسور وعلى الأرصفة يبسطون أمامهم
بساطا صغيرا".
ويقضي عمر (15 عاماً) طيلة يومه يبيع
الدخان في بسطة على الرصيف المجاور لوكالة
الأنباء السورية في دمشق مقابل راتب يومي
لا يتعدى 300 ليرة سورية (حوالي 6 دولار)
يعطيهم لقريبه الذي يقطن معه في دمشق
ويستردهم في نهاية الشهر ليأخذهم إلى
أسرته المكونة من ستة أبناء مع والديهم
يقطنون في قرية بإحدى المحافظات البعيدة.
ويقول عمر لموقع "دي برس" إنه يعمل لدى
شخص ينعته بـ"المعلم": "يأتي في بداية
اليوم يعطيني علب التبغ المراد بيعها
ويأتي في نهاية اليوم ليأخذ 'الغلة' التي
تتراوح بين أربعة ألاف وستة ألاف ليرة
سورية (حوالي 120 دولار)".
وتشير صحيفة "الثورة" عدم وجود أرقام
دقيقة حول حجم عمالة الأطفال في سوريا.
وتضيف "لا بد من الاعتراف بعدم امكانية
التوصل الى أرقام دقيقة ومعلومات شاملة
حول حجم المشكلة في سورية نظراً للصعوبات
والمشاكل المرتبطة بتنفيذ المسوحات
والاستقصاءات الخاصة بالأطفال العاملين
ووجود الكثير منهم يعملون بصورة سرية وغير
قانونية".
وكانت وزارة الإعلام السورية قامت عام
2006 بالتعاون مع منظمة اليونيسيف بتصوير
فيلم وثائقي بعنوان "حجر أسود" يرصد ظاهرة
عمل الأطفال ويبحث عن أسباب نشوئها.
ويقول مازن نفاع مدير الإعلام التنموي في
وزارة الإعلام "أردنا كإعلاميين إلقاء
الضوء على واقع الطفولة في سوريا، فقمنا
على هذا الأساس بتصوير فيلم وثائقي يرصد
ظاهرة عمل الأطفال بتمويل من منظمة
اليونيسيف في إطار خطة تعاون سنوية
بيننا".
ويؤكد نفاع أن الفيلم يطرح أفكارا جيدة عن
واقع عمل الأطفال في سوريا، من خلال إلقاء
الضوء على بعض المناطق العشوائية التي
تعتبر تربة خصبة لنشوء هذه الظاهرة، غير
أنه يفسر عدم عرض الفيلم حتى في سوريا
بوجود بعض المشاكل الفنية.
وتوصل استطلاع أجراه موقع "دي برس" إلى أن
عمالة الأطفال في سوريا تأخذ ثلاثة أشكال،
الأول عبارة عن "عصابات عمالة" تتألف من
معلم وأطفال يعملون تحت إمرته وتربطهم
ببعض المصلحة المادية فقط والشكل الثاني
فردي والثالث عائلي يرتبط أفراده بالمصلحة
وصلة القرابة.
ونقل الموقع عن الأخصائية النفسية
الدكتورة رندا رزق الله قولها "تؤثر
العمالة على نفسية الطفل كحالات العدوانية
للمجتمع والإنغماس في مجتمع الكبار بما
يتضمن من ضغوطات وصعوبات اجتماعية ونفسية
ومادية تضع الطفل في قلق نفسي غير مهيأ له
مسبقاً ويضاف إلى القلق الذي يرافق مراحل
النمو التي يمر بها الطفل كمرحلة المراهقة
أو مرحلة ما قبل البلوغ 'الكمون".
ويقول الروائي خالد خليفة (كاتب سيناريو
فيلم "حجر أسود") "الفيلم ببساطة يتحدث عن
واقع يومي لأربعة أطفال مهمشين يسكنون في
منطقة الحجر الأسود ويشكلون نموذجا لآلاف
الأطفال الذين يقطنون في مناطق السكن
العشوائي في سوريا، هؤلاء الأطفال بلا
مستقبل بلا تعليم وهم بالمحصلة مشاريع ناس
منحرفين".
ويشير خليفة إلى أن عددا كبيرا من هؤلاء
الأطفال ينامون في الشوارع على الأرصفة
وتحت الجسور، مؤكدا أن الحكومة السورية لم
تضع حتى الآن برنامج واضح لحل هذه المشكلة
التي بات من الصعب السيطرة عليها.
ويعمل بلال (11 عاما) في بسطة تتضمن بعض
المواد الغذائية (علكة وبسكويت) في سوق
الحميدية، ويقول إنه يبدأ عمله بعد انتهاء
دوام المدرسة وفي بعض الأيام لا يذهب إلى
المدرسة.
ويضيف لصحيفة "الوطن": "أتمنى لو أستطيع
متابعة دراستي في المدرسة، لكن ظروفي لا
تسمح لي بإكمال دراستي وسأتابع تعليمي إن
استطعت".
وتقول الباحثة الاجتماعية هدى عجاج "هناك
شريحة كبيرة من الأطفال مازالوا بعيدين عن
حقوقهم من الناحية العملية، وخاصة في مجال
عمالة الأطفال التي تنعكس سلبا بشكل مباشر
على حياتهم ومستقبلهم مع غياب تنفيذ
التشريعات القانونية المتعلقة بحماية
الطفل ومتطلباته فهذه التشريعات بقيت
قاصرة على إيجاد الحلول العملية والملموسة
لتحسين واقع الطفولة واقتصر تركيز
القرارات والتدابير على الشكل الدعائي
أكثر من الفعلي، وعدم وجود مشاركة فعلية
من جميع الجهات الرسمية والأهلية".
وتؤكد عجاج أن لعمالة الأطفال نتائج سلبية
على نموهم الانفعالي والعاطفي ونموهم
الجسدي والمعرفي أيضا، مشيرة إلى أن عمالة
الأطفال موجودة بكثرة في العالم الثالث
ومن أخطر الظواهر التي تحتاج لإيجاد حل.
وغالبا ما يتعرض هؤلاء الأطفال لأشكال
مختلفة من العنف والاغتصاب ويتم توظيفهم
في التسول، وهناك من يقوم بتشييد مؤسسات
إجرامية على أكتافهم تؤدي لعديد من
النتائج الكارثية التي تشكل مدخلا
للانحراف بالمجتمع.
ويقول نضال الدبس مخرج فيلم "حجر
أسود":"تجربة الفيلم بدأت مصادفة، حيث
قررنا في البداية القيام بروبورتاج عن عمل
الأطفال في سوريا، لكن خلال فترة البحث عن
النماذج التي سنقدمها في الفيلم تعرفنا
على مجموعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 12
و14 عام ووجدنا أنهم قادرون على طرح
مشاكلهم بطريقة درامية أقرب إلى الواقع".
ويعتقد الدبس أن أهمية الفيلم تأتي من
كونه يرصد واقع عدد كبير من الأطفال الذين
يعيشون في ظروف سيئة جدا، وهم معرضون
لجميع أنواع الانحراف والعنف النفسي
والجسدي، مشيرا إلى أن ذلك لم يسلبهم
رغبتهم أن يعيشوا حياتهم الطبيعية
ويتحملوا مسؤولياتهم في إعالة أسرهم.
وحول النقد الذي وجه للفيلم بأنه حاد
وقاسي يقول الدبس "برأيي أن القسوة تكمن
في الواقع لأننا أمام بؤرة لإنتاج أشخاص
منحرفين مستقبلا، كما أن الفيلم لم يذهب
إلى الحد الأقصى في طرح المشكلة لأنه
يتحدث عن أطفال لديهم أمل ويعيشون حياة
طبيعية على خلاف آلاف الأطفال الذين لا
يملكون أي أمل في الحياة". |