التقنين
قادمٌ كحلٍّ لابدَّ منه.. «شدّوا الأحزمة»
لن نبدأ هذا التحقيق بتلك الصورة النمطية
عن أزمة المياه في دمشق وريفها. فالواقع
المائي المتدهور بات من الأمور المسلَّم
بها، حتى عند المعنيين في هذا المجال.
والبعض يعترف بأننا سنقع، عاجلاً أم
آجلاً، على تخوم العوز المائي؛ ذلك أنَّ
الكثير من أحياء دمشق وريفها يصارع من أجل
الحصول على الماء، في حين اقتصر عمل
المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي
على الاعتراف بالمشكلة، ووضع حلول إسعافية
من الممكن أن تنقذ صيف دمشق وريفها هذا
العام فقط، أما بعد ذلك، فهذا ما لا يعلمه
إلا الله تعالى.
وفي الوقت الذي تعاني فيه مناطق (جرمانا،
وصحنايا، وعرطوز، وغيرها) من قلة المياه،
ضاقت أدراج المسؤولين بالمشاريع الوقتية
إن صحَّ التعبير. فالخطط على المدى البعيد
يبدو أنها غير متاحة الآن بيد أصحاب
القرار، ولا حلَّ سوى اتباع سياسة التقنين
علَّها تجدي نفعاً.
¶ عرطوز وجاراتها: نريد حلاً..
ربما فقد كثير من أهالي جديدة عرطوز الأمل
في أن يحصلوا على المياه، وإن كانت على
فترات متواترة في الأسبوع الواحد. فالبعض
من الأهالي أكدوا أنَّ المياه لا تصل إلى
منازلهم إلا مرة واحدة في الأسبوع. لذا
فهم يعتمدون على تجار صهاريج المياه
المستفيدين من هذه الأزمة. فكيف سيكون
الوضع بالنسبة إلى ذوي الدخل المحدود؟!...
من المؤكد أنَّ عبء شراء المياه، لأكثر من
ثلاث مرات في الأسبوع -على حدّ قول بعض
السكان- بات هماً إضافياً.
وليست عرطوز وحدها من تعاني شحّ المياه؛
ففي صحنايا ربما الوضع أسوأ بكثير،
فالمياه لا تزور منازلهم إلا كل عشرة
أيام، على الرغم من أنَّ مدير مؤسسة
المياه للشرب والصرف الصحي الدكتور موفق
خلوف أكّد وصول المياه إلى مناطق الريف من
خمس إلى ست ساعات يومياً؛ مشيراً إلى أنَّ
المصادر المائية المتوافرة في ريف دمشق
تسهم في إعطاء كلّ منطقة حقّها من المياه.
يُذكر أنَّ موسم الهطول هذا العام يختلف
عن السنوات السابقة، فالهطول المطري جاء
مبكراً.
¶ الراتب للمياه أيضاً!!
مشهدٌ آخر من مشاهد الأزمة المائية في ريف
دمشق؛ ذلك أنَّ الكثيرين من سكان مناطق
مثل جرمانا، وصحنايا وقطنا.. يدفعون مبالغ
طائلة من أجل تعبئة خزان المياه المنزلي.
مهند الموظف في الجامعة والساكن في جديدة
الفضل يدفع شهرياً ما لا يقلّ عن 4000
آلاف ل.س، وراتبه الشهري عشرة آلاف فقط..
إنها معادلة صعبة؛ أن يخصّص المرء في
بلدنا جزءاً كبيراً من الراتب من أجل
الحصول على الماء.
¶ لا مياه «ولا من يحزنون»!..
لم ينكر خلوف وجود نقص في المياه هذا
العام، وأنَّ «نبع الفيجة العام الماضي
كان أفضل بكثير من العام 2010؛ لأنَّ
الهطولات المطرية لم تكن كافية إلى حدّ
كبير. فالذي يغذّي نبع الفيجة أكثر هو
الهطولات المطرية المترافقة مع الهطولات
الثلجية، ومن غير ذلك نحن أمام أزمة نقص
المياه»، مضيفاً: «من الضروري أن نتبع
مبدأ التقنين، بحيث نعطي المدينة خلال خمس
إلى تسع ساعات حاجتها من المياه. أما افي
لريف فالوضع مختلف والتقنين حسب الحاجة.
ومن المقرر أن نعطي الريف خلال خمس إلى ست
ساعات حاجته من المياه، وهناك مناطق أخرى
قد لا تصلها المياه إلا أياماً معدودة.
والحلول المتوافرة حالياً لتثبيت الفجوة
الحاصلة».
¶ انتظروا صيف 2010
الدكتور معن داود (رئيس قسم إدارة الموارد
المائية في الهيئة العامة للبحوث العلمية)
أشار إلى وجود أزمة في نقص المياه في دمشق
وريفها، مشيراً إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات
اللازمة، ومن ضمنها تزويد المناطق في دمشق
وريفها بشكل منظم، والحدّ من استخدام
المياه الصالحة للشرب في الزراعات، وغيرها
من الإجراءات التي تجعل الأزمة في حدّها
الأدنى في العام 2010. غير أنَّ داود لم
يخف وجود أزمة بالنسبة إلى ريف دمشق
بقوله: «حتى لو اتبعنا هذه الإجراءات،
فكلّ ذلك بحاجة إلى وقت. والوضع المائي في
دمشق وريفها حرج جداً، والتعامل غير
السليم مع الأزمة سيؤدي إلى وضع أكثر
حرجاً مما نحن فيه الآن. ويجب أن نقيم
الوضع وأن نعالج المشكلة بالاعتماد على
الأرقام والوقائع.. ودون ذلك سنقع في
كارثة».
مشكلة مزمنة
التزايد السكاني في سورية، وانحسار الرقعة
الزراعية، والاستخدام العشوائي لمياه
الشرب، وقلة التعاون بين الجهات المعنية
لحلّ الأزمة.. يؤدي إلى ضريبة يدفعها
المواطن. فمن حقّ كلّ مواطن أن ينعم
بالماء، أياً كانت أسباب الجهات المعنية.
فالواقع موجود، والمسؤولون عن إدارة
المياه يعترفون بأنها ليست مشكلة وليدة
اللحظة، ونحن نعاني من كارثة مائية منذ
سنوات. والغريب في الأمر الخطط الموضوعة؛
فمعظمها غير مدروس على المدى البعيد.
والتقنين الذي تتبعه المؤسسة العامة لمياه
الشرب والصرف الصحي يعتبر حلاً وقتياً
لأزمة قد تتحوّل إلى كارثة دائمة. وغالباً
ما تعتمد الجهات المسؤولة مبدأ الحلول
الوسط علّها تفيد. ولكن إلى متى،
ولماذا؟.. هل نفتقد إلى الدراسات، وهل
نفتقد إلى التقييم السليم؟.. دمشق وريفها
يعانيان أزمة مائية، والحلّ هو التقنين،
والبحث عن مصادر مائية جديدة. وربما علينا
أن نتساءل: ماذا لو لم نستطع إيجاد هذه
المصادر؟..
¶ لابدَّ من التقنين ..
تباينت الآراء حول جدوى التخلص من الأزمة
عن طريق اتباع التقنين المائي، الذي بدا
حلاً وحيداً بالنسبة إلى الجهات المعنية.
وباعتراف خلوف «لا بديل عن التقنين،
والمؤسسة تحاول البحث عن مصادر جديدة
سليمة 100 %. والعمل على طريقة إدارة
التزويد غير ناجعة في الوقت الحالي.
والبحث عن حلول لإدارة المياه قيد
التنفيذ».
اتفق الدكتور رياض الشايب (الخبير في شؤون
المياه) مع خلوف في أنَّ التقنين المبرمج
سيسهم في حلّ جزء من المشكلة، مضيفاً: «في
حال اتبعت المؤسسة العامة لمياه الشرب
منهجية في التقنين لن نكون في أزمة حتى
العام 2025. ولكن التزايد السكاني له
الأثر الأكبر في الأزمة المائية. وبالتالي
علينا أن نضع خططاً مدروسة على المدى
الطويل. والتقنين بدأ فعلياً منذ منتصف
أيار؛ ذلك أنَّ المياه تنقطع أقل من 18
ساعة».
وأضاف الشايب: «ما يسهم في تفاقم الأزمة
المائية هو محدودية المصادر المائية،
والزراعات البديلة التي بدأت منذ وقت
قصير، وتركز الصناعة والتجارة في دمشق
(وبالتالي الاعتماد على دمشق وريفها في
المشاريع الصناعية وانحسار الرقعة
الزراعية)، وزحف التطور العمراني في اتجاه
الرقعة الزراعية. وبالفعل دون تقنين لا
يمكن أن نتجاوز الأزمة».
¶ الآبار.. واقع آخر
الآبار مشكلة تضاف إلى ثلة المشاكل الأخرى
في الأزمة المائية، لاسيما وأنَّ أكثر من
50 ألف بئر غير مرخصة، والمرخصة منها لا
يتجاوز عددها 10 آلاف بئر، وجميعها يستنزف
مياه الشرب.
وفي معرض حديثه عن ترخيص الآبار، أشار
داود إلى أنَّ المشكلة ليست في أحقية
ترخيص هذه الآبار أو عدم الترخيص، بل في
أنَّ أيّ بئر يحفر يستنزف المياه الجوفية.
وحتى لو حفرنا 100 ألف بئر، فالمشكلة
موجودة على أرض الواقع. في حين ألقى خلوف
مشكلة الآبار على وزارة الري، لا سيما
وأنَّ الآبار تستنزف المياه بشكل كبير.
¶ تحديات وحلول..
أشار الشايب إلى وجود تحديات كبيرة أمام
المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي،
منها ارتفاع الفواقد المائية في شبكات
الإمداد التي توصل المياه إلى المنازل،
والتعدي على شبكة المياه من خلال السرقة،
وارتفاع معدل النمو السكاني. وكل هذه
التحديات يجب أن يكون ضمن أولويات معالجة
المشكلة أو الأزمة المائية.
أما عن الحلول، فتكمن في إيجاد مصادر
جديدة تحسن من الواقع المائي. والتقنين في
حدّ ذاته يجب أن يتمّ عن طريق الموازنة
بين المتاح ومواجهة الطلب. وعاجلاً أم
آجلاً نحن في حاجة إلى جرّ مياه نهر
الفرات، وإقامة المشاريع الصناعية حيث
تتوافر المياه، ووقف الزراعات الصيفية،
والانتقال في الزراعات إلى حيث مناطق
الوفرة المائية من مدخل الفرات من منبج
حتى مخرجه في البوكمال، ومحاولة العمل على
مشروع تحلية البحر، غير أنه مشروع مكلف
للغاية بحاجة إلى وقت طويل.
بالأرقام ..
أرقام وإحصاءات بحسب المؤسسة العامة لمياه
الشرب والصرف الصحي:
¶ كمية الهطول في العام 2010: 520 مم.
¶ غزارة نبع الفيجة: 4000 آلاف متر مكعب
في الثانية.
أرقام وإحصاءات بحسب الخبراء في شؤون
المياه
¶ يقدَّر العجز المائي في دمشق بـ46 ألف
متر مكعب يومياً، والمؤسسة تزوّد المدينة
بالمياه مدة سبع ساعات يومياً.
¶ الهدر في الشبكة المائية يُقدَّر بـ20 %
¶ في ريف دمشق الاحتياجات المائية تقدَّر
بـ356 ألف متر مكعب يومياً، على أساس معدل
استهلاك الفرد (150 لتراً في اليوم) وعدد
سكان ريف دمشق (مليونان وأربعمئة ألف
نسمة)، المتوافر من هذه المياه نحو 248،5
ألف متر مكعب يومياً، وبالتالي العجز في
ريف دمشق 107،4 ألف متر مكعب يومياً،
ونسبة الهدر في الشبكة 40%، ومردّها إلى
التسريب والسرقة من الوصلات.
¶ الاحتياج الكلي لدمشق وريفها من المياه
791 ألف متر مكعب يومياً، يتوافر منها
637590 ألف متر مكعب يومياً. وبالتالي
يُقدَّر العجز في تغطية الاحتياجات
المائية بـ153،4 ألف متر مكعب يومياً.
¶ 92 % من السكان مؤمنة مياه الشرب
الصالحة لهم، وفي بعض المناطق تتسرب مياه
الصرف الصحي إليها.
¶ كميات المياه في عدرا 370 ألف متر مكعب
يومياً
¶ نبع الفيجة غزارته 2.5 متر مكعب في
الثانية، يعطي 220 ألف متر مكعب يومياً.
¶ نبع بردى يعطي 95 ألف متر مكعب يومياً
¶ ذكر بعض الخبراء أنَّ دمشق في العام
2040 ستكون في حاجة إلى نبع فيجة آخر كي
يغطي حاجتها من المياه.
|