أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

01/06/2010

 

لماذا يُعامل «التخدير» كابن غير شرعي لمهنة الطب؟!

 

 

كثرت في الآونة الأخيرة الشكاوى على أطباء التخدير وبدأ الجمهور وكأنه يستمع لأول مرة لهذا الاختصاص الطبي.

وطبيب التخدير لا نبالغ إن قلنا إنه من أكفأ أطباء الأسرة الطبية قاطبة بكل اختصاصاتها فهو المعول عليه بالإنعاش القلبي التنفسي وهو القادر على تأمين الطريق الوريدي أو الهوائي عندما يفشل غيره من الأطباء وهو القادر على تسكين الآلام الحادة والمزمنة أينما وجدت إلى جانب الكثير من المهام الأخرى. ‏

لكن هذا الاختصاص لم يحظ في بلادنا بالمكانة التي يستحق وقد هاجر معظم أطباء التخدير إلى الدول الأخرى بسبب تدني مستوى الأجور العائدة له في هذا البلد حيث انتشر أطباء التخدير السوريون في دول الخليج وأوروبا وأميركا، ومشكلة التخدير في سورية من المشكلات المزمنة والتي لم تستطع وزارة الصحة أن تجد حلاً لها وتكمن المسألة ليس بنقص التشريعات الناظمة لهذه المهنة بل بعدم تطبيقها، ففي الوقت الذي يفترض أن يتقاضى طبيب التخدير 30% من أجر العمل الجراحي فإنه لا يحصل إلا على أقل من 5% بسبب سيطرة المشافي الخاصة على أطباء التخدير وأخذها لأجورهم وضمها لأجور المشفى بحجج شتى منها أن طبيب التخدير يجب أن يدفع ثمن أدوية التخدير أو بدلا لجهاز التخدير..! ‏

دون مكانة ‏





إن تجرأ طبيب تخدير وطالب بحقه حسب القانون فالطرد هو مصيره ولن يتمكن من العودة للعمل بالقطاع الخاص مهما فعل وسيصبح عبرة لكل من تسول له نفسه المطالبة بأجره الذي يستحق، وبالرغم من كل الجهود التي بذلتها جمعية أطباء التخدير في سبيل تحسين هذا الواقع بالتعاون مع كل الجهات الوصائية والرقابية والمعنية فإن كل الجهود ذهبت سدى وخرج أصحاب المشافي الخاصة في كل مرة وهم أقوى من المرات السابقة. ‏

وتوجد مشكلة حقيقية بمشافينا العامة حيث إن عدد أطباء التخدير العاملين بالقطاع العام بكل مشافيه التابعة لوزارة الصحة والتعليم العالي والخدمات الطبية العسكرية أقل من 400 طبيب وعدد أطباء التخدير بشكل عام هو 650 طبيباً ويغطي هؤلاء نحو 500 مشفى حكومي وخاص، في حين أن المفترض أن يغطي كل غرفة عمليات طبيب تخدير. ‏

الدكتور محمد عيد علي- عضو مجلس إدارة جمعية التخدير السورية تحدث عن منغصات وشجون هذه المهنة المظلومة وقال بداية:



اختصاص التخدير كما نعرفه اليوم لا يزيد عمره على السبعين عاماً، وما كان من الممكن تطور الجراحات خاصة الدقيقة منها لولا تطور التخدير، ولقد قدم التخدير للفروع الطبية الأخرى أطباء أكفاء في العنايات الحرجة وطب الطوارئ والتنظير القصبي والتشريح والأدوية السريرية، إلا أنه على الرغم من كل ذلك لم يلق المكانة التي يستحق وبقي وكأنه الابن غير الشرعي لمهنة الطب، ولاقى الأطباء العاملون فيه شتى أصناف الظلم من زملائهم ومجتمعهم وتمت معاملتهم وكأنهم أطباء من الدرجة الثانية أو الثالثة، حيث يتقاضى أطباء التخدير أجوراً لا تصل إلى 5% من أجور زملائهم الجراحين رغم أنهم يعملون ساعات عمل تفوق تلك التي يعملها الجراحون ولا يكادون يعرفون طعم الراحة، ولئن كان الجراح مسؤولاً عن الناحية التي يعمل عليها فإن طبيب التخدير مسؤول عن كل شاردة وواردة تخص المريض من مراقبة لعلاماته الحيوية ووضعيته على الطاولة وحاجته من السوائل والدم وسلامة حياته وهو يبدأ عمله قبل الجراح وينتهي بعده ويدرس سنوات تعادل سنوات دراسة زميله الجراح إلا أنه يبقى أقل منه مكانة وأجراً ولا ينظر إليه بالمكانة التي يستحق. ‏

وفي السنوات الأخيرة عانى الأطباء في قطرنا من مشكلات عديدة أدت إلى عزوف الأطباء عن الدخول إلى هذا الاختصاص وهجرة المختصين إلى الدول الأخرى بسبب الفرق الهائل بالأجور بيننا وبين الدول المجاورة بالقياس إلى ساعات العمل، على الرغم من زيادة تسعيرة وزارة الصحة لأجور العمليات عام 2004 إلا أن أطباء التخدير لم يحصلوا منها إلا على خفي حنين. وبهدف الوقوف على أسباب هذه الظاهرة ومعرفة المشكلات التي يعاني منها أطباء التخدير في بلدنا قمنا بتصميم استبيان وتوزيعه على كل المحافظات السورية بالبريد الالكتروني والعادي وبالتوزيع المباشر وحصلنا على نتائج تنشر لأول مرة في تاريخ هذه المهنة في سورية. ‏

أرقام ونتائج ‏

يقول د علي: تم تصميم نوعين من الاستمارات، الأولى استمارة لكل محافظة لمعرفة أعداد المشافي في كل محافظة في القطاعين العام والخاص وعدد الغرف وأعداد الأطباء المقيمين والاختصاصيين... والثانية وزعت على كل أطباء التخدير. ‏

90 طبيباً أرسلوا الاستبيانات بعد املائها، وتبين ان هناك 24% يعملون في مشفى واحد و 34% يعملون في مشفيين و 26% يعملون في ثلاث مشافٍ و 10% يعملون بأكثر من مشفى، و19% يخدرون في غرفة عمليات واحدة فقط في حين 40% يخدرون في غرفتين في الوقت نفسه و 35% يخدرون بثلاث غرف في الوقت نفسه و 5% يخدرون بأكثر من ثلاث غرف بالوقت نفسه ويزداد عدد الغرف كلما كان الطبيب يعمل بالقطاع العام بسبب نقص أعداد أطباء التخدير..، و77% يأخذون أجورهم عن كل عملية أما البقية فتعمل بأجر شهري لدى المشفى أو لدى زملائهم المخدرين. ‏

أما بخصوص السؤال المتعلق بأجور العمليات الشائعة فكانت متوسطات هذه العمليات تخديرياً تتراوح بين 10% إلى 55% من تسعيرة وزارة الصحة. ‏

وحول السؤال المتعلق بعدد أيام الراحة الأسبوعية فكانت النتائج على الشكل الآتي: 38% ليس لديهم يوم راحة أسبوعية و 35% لديهم يوم راحة واحد أسبوعياً و 27% لديهم يومي راحة أسبوعية. ‏

وحول السؤال المتعلق بالنسب المئوية التي يقتطعها المشفى الخاص من صافي الأجور فكانت الإجابات على الشكل الآتي: ‏

42% من أطباء التخدير لا يدفعون للمشفى شيئاً في حين 58% يدفعون نسباً تتراوح بين 10%-30% حتى 50%-60% من أجرهم للمشفى الخاص و 18% يدفعون فوق 50%-60%. ‏

وحول السؤال المتعلق بمن يدفع أجر فني التخدير فكانت الإجابات على الشكل الآتي: 26% من أطباء التخدير يدفعون أجر فني التخدير من أجرهم في حين 74% من المشافي الخاصة تدفع هي أجور فنيي التخدير. ‏

وكانت إجابات السؤال المتعلق بمدى توفر فنيي التخدير لغرف العمليات على الشكل الآتي: 50% من غرف العمليات يوجد فني لكل غرفة عمليات و40% لايوجد فني لكل غرفة عمليات و8% من المشافي لايوجد أي فني تخدير في غرف العمليات ويعمل الطبيب وحده. ‏

وحول مدى رضى أطباء التخدير عن ممارستهم لمهنتهم في مشافيهم كانت النتيجة أن 67% غير راضين عن ممارستهم للمهنة في مشافيهم. ‏

وكانت نتائج أسئلة تتعلق بتجهيزات غرف العمليات وكانت الإجابات على الشكل الآتي: 90% من غرف العمليات تتوفر فيها أجهزة مراقبة تحتوي على ECG، NIBP، SPO2 وأجهزة التخدير 40% منها عمره أقل من 10سنوات و40% أكثر من عشر سنوات وأقل من عشرين سنة 20% عمرها أكثر من عشرين سنة وجميعها تحتوي على فلوميترات للأوكسجين والنايتروس ومبخر هالوتان و90% منها تحتوي جهاز تنفس آلياً و65% تحتوي على مبخر سيفوفلوران و70% على مبخر إيزوفلوران و70% تحتوي على فلوميتر للهواء الطبي. ‏

5% من أجنحة العمليات لاتحتوي على جهاز صدمة (مزيل رجفان) ‏

وحول من يقرر شراء الدواء طبيب التخدير أم إدارة المشفى اعتمادا على السعر وكان الجواب: 47% من المشافي تشتري بناء على طلب طبيب التخدير أما 53% من المشافي فتشتري اعتماداً على السعر دون استشارة طبيب التخدير. ‏

وغطت الأسئلة الأخيرة من الاستبيان معلومات تتعلق بالحياة المهنية والعلمية لأطباء التخدير وكانت الإجابات على الشكل الآتي: 40% فقط يتابعون مجلات التخدير والانترنت و20% يلقون محاضرات لزملائهم بالمشفى أو للمجتمع المحلي و56% يجمعون في عملهم مابين القطاعين العام والخاص و30% فقط يحصلون على إجازة سنوية و30% فقط ينتسبون للجمعية في حين 91% منهم لديه الرغبة بالتواصل مع الجمعية و60% منهم يحضرون مؤتمر الجمعية السنوي وقلة نادرة جداً تحضر المؤتمرات العربية والعالمية أو تلقي محاضرات علمية. ‏

أما فيما يخص الاستبيان الثاني فلم يصلنا سوى تحليل ثلاث محافظات هي: حمص- إدلب- درعا وبالرجوع إلى بيانات وزارة الصحة تبين أن عدد أطباء التخدير الحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة 858 طبيباً هم كل المسجلين ولم نستطع تحديد عدد أطباء التخدير المسافرين من هذا العدد. ‏

مناقشة وضع ‏

طبيب التخدير يشقى ليلا ونهارا ولايكاد يحصل على يوم راحة أسبوعية كما لاحظنا من تحليل الاستبيانات، ومع ذلك لايحصل على الأجور المستحقة له، ويتحمل التخدير بغرفتين في 40% من الحالات في الوقت نفسه وهناك 40% من الأطباء يخدرون بثلاث غرف وأكثر بالوقت نفسه ما يحمل الطبيب خطورة إضافية وشدات نفسية وما ينعكس سلبا على نفسيته ولاأدل على ذلك من أن 70% من أطباء التخدير الذين شملهم الاستبيان غير راضين عن عملهم ولقد انعكس نقص الدخل سلباً على متابعة التحصيل العلمي للأطباء المخدرين وحضورهم للمحاضرات ومعرفتهم للطب المسند بالدليل والبرهان، ما يحرم المرضى فرص الرعاية الصحية الجيدة وكذلك اندفع الكثير منهم للسفر خارج القطر وقل إقبال الأطباء الجدد على الدخول إلى الاختصاص وما زاد الطين بله لجوء بعض المشافي الخاصة وبعض أطباء التخدير إلى تشغيل زملائهم لديهم بأجر شهري، وعلى مبدأ المثل العربي السائد «من يهن يسهل الهوان عليه» أدت تنازلات المخدرين عن أجورهم إلى تمادي المشافي الخاصة عليهم فاقتطعت جزءاً من أجورهم يزيد على الـ 75% بالرغم من أن معظم الزملاء بالاستبيان لم يقدروا ذلك بشكل صحيح لجهلهم بأجورهم الحقيقية وكذلك قامت المشافي بإجبار بعض الأطباء على دفع أجر فني التخدير أو امتنعت عن توفير هذا الفني على الرغم من أهميته وهي التي تؤمن للجراحين كل مستلزمات العمل بما فيها ممرضو العمليات وتلجأ بعض المشافي إلى أخذ أثمان أدوية التخدير من أطباء التخدير، فإلى أي حال وصلنا؟ ‏

وإن كان من ميزات إيجابية نتجت معنا من هذه الدراسة فهي توفر أجهزة مراقبة وأجهزة تخدير تؤمن الحد الأدنى من الأمان للممارسة على الرغم من قدمها، وكل ذلك بفضل تعليمات وزارة الصحة التي قامت بها خلال سنتي 2003-2004 فإن كانت وزارة الصحة بمثل هذه الفعالية فهل تعجز عن إلزام المشافي بتسعيرتها وتمنع المضاربة بين المشافي وتعيد لأطباء التخدير كرامتهم التي يستحقون وكلنا أمل بحصول ذلك. ‏

توصيات ‏

في النهاية نرى أن حل المشكلة يتطلب: تشكيل جمعية قوية تدافع عن الأطباء المخدرين، والتزام جميع الأطباء المخدرين بآداب المهنة وتعليمات نقابة الأطباء وعدم المضاربات وأخذ أجور أقل من التسعيرة المحددة وعدم السماح للمشافي بتشغيل أي طبيب تخدير دون الحصول على وثيقة من جمعية التخدير تسمح له بذلك لكي تستطيع الجمعية منع ضعاف النفوس من الأطباء المخدرين بالعمل بدلا من زملائهم الذين قامت المشافي الخاصة بطردهم لرفضهم الاستغلال، ووضع محاسبين بأجور شهرية تحت مظلة النقابة يقومون بمحاسبة المشافي حسب تسعيرة وزارة الصحة ويحاسبون أطباء التخدير، واقتراح أن يقوم فرع الجمعية بمحاولة وضع هذا الأمر موضع التطبيق، ومتابعة وزارة الصحة لإصدار قرار تنظيمي يعدل التسعيرة ومحاولة فصل وحدات التخدير عن أجور المشافي والجراحين والسعي مع الجهات المسؤولة لدفع مشروع الضمان الصحي قدماً إلى الأمام لأنه الحل لكل ماسبق، وإقامة ندوات شهرية بالمحافظات لرفع سوية الاختصاص والإكثار من ورشات العمل. ‏

نقص التعريف بالمهنة ‏



ساهمت وسائل الاعلام بطريقة أو بأخرى بنقص التعريف بهذه المهنة، حيث حظيت الاختصاصات الأخرى بالتركيز الإعلامي أكثر بكثير مما حظي اختصاص التخدير ويكاد جل الجمهور من مثقفين وغيرهم يجهلون دور أطباء التخدير ومدى أهميتهم في العمل الجراحي وأكثر من ذلك يعتقد العديد من الناس أن دور طبيب التخدير يقتصر على إعطاء إبرة منومة ومن ثم يغادر غرفة العمليات في حين أن طبيب التخدير أول من يدخل غرفة العمليات وآخر من يغادرها وهو المسؤول الأول عن حياة المريض من حيث مراقبة علاماته الحيوية وسلامته ووضعيته على طاولة العمل الجراحي وتقدير مدى كفاية السوائل التي يأخذها ومدى الحاجة لنقل الدم إلى ماهنالك من أعمال ولو أدرك المرضى هذه الوظائف وأهميتها لبحثوا عن طبيب التخدير قبل أن يبحثوا عن الجراح. ‏



الحلول الممكنة ‏



حسب جمعية التخدير السورية ‏

1- تشكيل هيئة لأطباء التخدير على غرار أطباء المخبر تكون مسؤولة عن أطباء التخدير مهنياً ومادياً، حيث تقوم بمحاسبة المشافي ومن ثم تقوم بمحاسبة أطباء التخدير ومنع المضاربات فيما بينهم وتعمل على رفع سويتهم العلمية. ‏

2- استصدار التشريعات اللازمة والرادعة للمشافي الخاصة بحيث تسمح لطبيب التخدير ممارسة العمل لديها إذا كان هذا العمل بناء على طلب المريض أو الجراح، ومعاقبة أي مشفى يقوم بطرد أي طبيب تخدير لأنه طالب بحقه بإغلاق هذه المشفى. ‏

3- دعوة كافة الجهات الوصائية والرقابية للتعامل مع موضوع التخدير بجدية لأنه أصبح من المواضيع المقلقة والتي ستؤدي لتدني الخدمة الطبية ان لم يعالج بجدية. ‏

4- ملاحقة أي طبيب تخدير يقبل بالعمل بشروط متدنية أو يقوم بالمضاربة على زملائه وأخذ أجور متدنية.

المصدر:صحيفة تشرين السورية  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري