بين الليل
والحياة حكاية وأسرار، فمع ابتلاع عتمة
الليل لآخر خيوط النور، يستيقظ الوجه
الآخر راقصاً على إيقاع الفقر ومال
الباحثين عن الترفيه والمتعة، فتروي
الساعات قصصاً عن سوق وتجارة منتعشة
لبضائع محلية وأخرى مستوردة عنوانها
العريض «عارضات للترفيه وزبائن للسياحة».
وعلى الرغم من أن الحديث عن عالم الليل
يدخل في متاهة الحريات الشخصية والترويج
السياحي، و توفير فرص العمل للآلاف من
العاملين بهذا المجال، إلا أن العتب يبقى
على ذلك القانون الذي يسمح لطفلة تحت السن
القانونية، أن تعتلي صهوة البيست راقصة
باحثة عن مستقبل في عالم الليل الصاخب!..
فلماذا قوانين الغرب الذي نتهمه بالفوضى
الأخلاقية تمنع دخول من كان دون السن
القانونية إلى أماكن الكبار، وفي بلدنا
تخترق القوانين بموافقة ولي الأمر؟!.
وقت مستقطع
خلال أيام وليال عديدة عشناها في عالم
الليل، نتجول بين ناد ليلي وآخر، ونسافر
في رحلة عنوانها الوجه الآخر للحياة،
وتذاكرها مجموعة من المعارف والأصدقاء،
استطعنا أن نميز في همسات الليل مابين ذلك
الأنين وتلك الصرخات التي تنزف فقراً،
وبين تلك الصيحات والقهقهات النابضة
بالمتعة.
وفي عتمة الليل وتحت عباءة الظلام،
استطعنا أيضاً أن نرى نشاطاً متميزاً
لأسواق النخاسة التي رأسمالها المال
ومادتها الجسد والمرأة الجميلة، أما
القانون فهو عابر السبيل، ويمكن أن يكون
دائماً الحاضر الغائب بامتياز
غياب واضح
على الرغم من التزام كافة المحلات الليلية
بالأنظمة والقوانين الصادرة عن الجهات
المعنية، باعتبارها الناظمة الوحيدة لهذا
العمل، إلا أن ما يحدث في الواقع شيء،
والقانون شيء آخر مختلف.
وقصتنا في رحلة الليل، بدأت من تلك
الأضواء والرسومات والصور المعلنة عن أقوى
البرامج الفنية العربية والأجنبية التي
استوقفتنا، كما تستوقف جميع الباحثين عن
لحظات الكيف بكل تفاصيلها في النوادي
الليلية المنتشرة في كل مكان، والتي تختلف
بنشاطها الليلي من حيث تشغيل الفتيات
القادمات من الخارج (أجنبيات من عدة
جنسيات)، وأخرى تعتمد على فتيات محليات،
ولكنها تشترك فيما بينها بالقوانين
الناظمة، وطبعاً قوانينها الخاصة التي
تجعل منها جزراً معزولة عن محيطها الخارجي.
فمع الدخول إلى هذه الأماكن تبدأ رحلة
البحث عن القانون، الذي يكون حضوره كما
يقولون: (عين مغمضة وعين نائمة )، بحيث
يكون التدخل مرهوناً بمشكلة ما، وغالباً
ما تكون بعيدة عن الضوابط المتعلقة بالعمل،
التي تكون بدورها مرتبطة بمفهوم الكبسات
الرقابية من النقابة أو الجهات الأخرى.
نواد تحت تسمية «عائلي»
ليس غريباً أن يكون هناك العديد من
اللافتات التي تغري الجميع بالأجواء
العائلية داخل النادي، في حين أنها تخبئ
الكثير من الحالات التي تشوه الصورة
الحقيقية لمفهوم هذه التسمية في لعبة
عنوانها العريض امتصاص خزينة الجيوب، ومن
ثم الانتقال إلى زبون .
أما آلية العمل هنا، فتختلف عن بقية
النوادي، فالفتيات الموجودات غير ملتزمات
بالعمل في المحل، بل هن عبارة عن ساهرات
يبحثن عن الترفيه وسماع المطرب أو المطربة،
ومن ثم يتسلقن البيست طرباً، وتبدأ حفلة
الرقص بكل أنواعها «دبكة ورقص فردي وسلو
والروك والشعبوطة»، بحيث ترمى الأفخاخ
والشباك لتلتقط كل واحدة منهن صيدها
الثمين؟!.
وهذا بحد ذاته التفاف على القانون، خاصة
بوجود بعض المسائل اللافتة، كدخول بعض
العائلات برفقة الصغار، وهنا تكمن المعضلة،
فهذه العائلات إما أن تكون مغتربة
ومتأقلمة مع هذه الأجواء، أو أنها اتخذت
من عائلاتها فخاً لاصطياد الزبائن، حيث
يكون رب العائلة حاضراً غائباً عن الطاولة
بشكل يتيح لرفيقة الدرب التواصل مع
الآخرين، وتبادل أرقام الهواتف، وإرسال
المسجات بحركات الوجه المختلفة والمعبرة
عن الإعجاب.
وبالمحصلة يمكن القول: إن هذه المحلات
عبارة عن ملتقى للم الشمل وعقد الاتفاقيات
والمزادات، التي لا تخرج من دائرة الترويج
السياحي، وهي بكل تأكيد تفلت من رقابة
القرار81 الناظم لعمل الملاهي الليلية
والفنانات.
دور خجول
من المتوقع أن يكون لنقابة الفنانين الدور
الأكبر في كل ما يتعلق بعمل النوادي
الليلية، باعتبارها الحاضنة لكل الأعمال
الفنية، ومن ضمنها برامج الفن الليلي،
ولكن الواقع يثبت أن وجود الكثير من
الجهات على ساحة العمل لا يتعدى التمثيل
الاسمي، فنقابة الفنانين يقتصر دورها على
معاملة ورقية، تتيح سحب بعض الليرات إلى
خزينة النقابة!.
هشام حاصباني، من نقابة الفنانين الذي
التقيناه منذ أشهر، عندما بدأنا البحث
والتقصي عن دور الجهات المسؤولة عن عالم
الليل والترفيه، أكد على أن دور النقابة
ينحصر في استقبال الطلبات، وتنظيم وتوثيق
عقود وملء الاستمارات، وإرسالها إلى
الجهات الأمنية المختصة، وفي حال الموافقة
على الاستمارة تقوم النقابة بإرسال
الاستمارة مع الموافقة الأمنية إلى إدارة
الهجرة والجوازات.
وحول الفنانات والعارضات الوافدات من
الخارج، أكد أنه استناداً لقانون وزارة
الداخلية، تقوم العارضة بإرسال جواز سفر
وبيان ولادة والتزام بالعمل كفنانة تقيم
لستة أشهر (مدة الإقامة )، وعند رغبتها
بالعودة مجدداً، عليها أن تتقدم بأوراق
جديدة بشرط مغادرتها خارج سورية لمدة ستة
أشهر. وأكد أن العارضة وفق تعليمات وزارة
الداخلية، لا تباشر العمل إلا بعد إجراء
فحص طبي شامل على تحاليل الإيدز والكبد
الإنتاني، ثم يتم توقيع العقد.
وأضاف: لا تمنح الإقامة من إدارة الهجرة
والجوازات إلا بتوثيق عقد شهري في النقابة،
وإجراء الفحص الطبي كل ثلاثة أشهر في
وزارة الصحة.
ولفت الحاصباني إلى أنه ضمن الستة أشهر،
إذا أخلت العارضة بالآداب العامة وتأخرت
في موعد الاستراحة الممنوحة لها خارج
الفندق (خمس ساعات ) يتم ترحيلها مباشرة،
حيث تقيم العارضات في فنادق مخصصة بقرار
الوزير، وضمن القرار تمنح العارضة خمس
ساعات يومياً خارج الفندق، على أن تقضيها
بالمحافظة نفسها، فقرار وزير الداخلية ينص
صراحة على استخدامها كراقصة في ملهى ليلي،
وقبل هذا القرار كانت الفنانات تدخل للبلد
تحت تسميات مختلفة (خياطة، خادمة)، وتقوم
بممارسة الدعارة.
وأشار الحاصباني إلى أن ترخيص الملاهي
والكازينوهات يشمل إقامة برامج سياحية،
وهذه المنشآت ترخص من وزراة السياحة،
لافتاً إلى أن بلداً دون منشآت سياحية غير
مقبول، بغض النظر عما يحدث داخل المنشأة (مستوى
الخدمة ونوعية البرامج الفنية المقدمة ).
وأكد أن العمالة الأجنبية والمحلية في هذا
المجال، تخضع للمعاملة والقوانين نفسها،
وحقوق الأجانب محصنة في حال أسيء
استخدامهم سواء من قبل أصحاب المحلات أو
من قبل سفرائهم.
وأشار إلى أنه ممنوع على العارضة القدوم
كسائحة دون الارتباط أو الالتزام بعقد
والحصول على الموافقة الأمنية، أما
السوريات من العاملات في الملاهي الليلية،
فيخضعن للقانون السوري، ودور النقابة
يقتصر أيضاً على توثيق عقودهن حيث إن
العقد موحد.
وأكد أنه من أجل ضبط التلاعب، يتم تحديد
العدد في المرابع والملاهي الليلية مابين
40 إلى 50 عارضة، ولا يسمح أكثر من ذلك في
أعداد العارضات، كما لا يجوز تنازل المحل
عن العارضة لمحل آخر إلا بموافقة الجهات
المختصة، وتقوم نقابة الفنانين بجولات
ميدانية مستمرة على الملاهي والمرابع
الليلية لضبط المخالفات والتجاوزات.
وحول الأجور، أشار إلى أن الأجر بين صاحب
الملهى والعارضة يخضع لمبدأ العقد شريعة
المتعاقدين، وتتقاضى النقابة 20% رسوماً
من قيمة الرسم الإجمالي البالغ 500 ليرة
سورية يومياً، وهذه الرسوم تذهب لوزارة
المالية ونقابة الفنانين.
لمـــــــــــــــاذا
ظاهرة ملحوظة الى حد وخاصة على بعض
الطرقات، حيث تثير انتباهنا تلك الأيدي
الناعمة، التي تبحث عن فرصة تتيح لها
تقديم خدماتها.
وطبعاً ما نطرحه هنا ليس بالأمر الخفي، بل
هو من القضايا المطروحة في الشارع،.فلماذا
؟!.. وما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك؟!.
وبصراحة، خلال تجوالنا و بحثنا عن معلومات
تفيد موضوعنا، كنا نتفاجأ بأن إبحارنا في
هذا العالم له ضريبة مرتفعة، حسب الهمسات
الصادرة من وراء الأبواب التي طرقناها،
والتي اجتمعت على مقولة واحدة نعتذر عن
التعاون.
إن محاولتنا لكشف أسرار الليل وخفاياه،
كانت من أجل إلقاء الضوء على بعض
المخالفات التي ترتكب، وخاصة تشغيل
الأطفال تحت أي تسمية، خاصة أنه في العديد
من الدول يمنع دخول الأطفال نهائياً إلى
هذه الأماكن حتى برفقة الأهل، فالقانون لا
يناقش أو يفسر، فهل نسمح لقراصنة الليل
بسلب براءة الأطفال أم يفرض القانون حضوره؟!.
حالات استثنائية
في مديرية الأمراض السارية (دائرة الايدز
)، تم التأكيد على مراقبة كافة الحالات
التي يمكن اكتشافها بين الفنانات
الاستعراضيات من جنسيات مختلفة، حيث تم
إجراء مسوحات في كافة المحلات، وأي حالة
تظهر ترحل فوراً.
وتشير الإحصائيات إلى اكتشاف 4 حالات في
عام 2010، حيث أثبتت الفحوصات إصابة 3
بنات وشاب بمرض نقص المناعة، وفي عام 2007
كانت هناك 7 حالات، أما المعدل السنوي فهو
ما بين (5-7حالات سنوياً).
قرار يبحث عن مضمون
المادة 18 من القرار (81)الصادر عن وزارة
الداخلية، تؤكد على منع تشغيل الأحداث
الذين لم يتموا الخامسة عشرة من عمرهم،
أما الحدث الذي أتم الخامسة عشرة ولم يتم
الثامنة عشرة من عمره، فلا تعطى له موافقة،
إلا إذا وافق وليه خطياً على السماح له
بالعمل، سواء أكان الحدث سورياً أم غير
سوري، ويقتصر عمل هؤلاء على الأعمال
الفنية التي تقدم على المسارح فقط، ويحظر
عليهم العمل في الملاهي و المرابع الليلية. |