لبنان في
عين العاصفة الإقليمية وفي قلب مرحلة
حساسة عنوانها المحكمة الدولية لاتزال
مخاطرها ماثلة للعيان، خصوصا ان الجهود
السورية ـ السعودية المشتركة لاحتواء أزمة
المحكمة والقرار الظني لم تتوصل الى نتائج
واضحة وحاسمة. فإذا صح ما نقل بشأن
استعداد سعودي لإجراء اتصالات دولية بشأن
المحكمة الدولية وتأمين مخارج للقرار
الظني، يبقى من غير المؤكد ان تدخلا
سعوديا سيحظى بتجاوب ودعم الموقف الدولي
الذي مازال يعلن أنه لا مساومة على
المحكمة ولا على حسابها، أو أن تدخلا كهذا
سيكون قادرا على التأثير على مسار المحكمة
وتحويره. وبانتظار ان تتضح نتائج الجهود
والوساطات، فإن الوضع الداخلي في لبنان
الذي صار تطوره متوقفا على تطور المحكمة
الدولية ويتحرك على إيقاعها، يقف مع
المحكمة أمام احتمالين:
الأول: عدم صدور القرار الظني في فترة
الأسابيع والأشهر المقبلة بخلاف كل
التوقعات السائدة التي ذهبت الى حد تحديد
موعده «بين سبتمبر وأكتوبر» ومضمونه
«اتهام حزب الله»، وعدم صدور القرار يمكن
ان يعني «تأجيل» القرار الظني لعدم ملاءمة
الظرف والتوقيت السياسي لإعلانه في هذه
المرحلة، ويمكن ان يكون نتيجة مباشرة
للمساعي السعودية التي لا يمكن ان تتحرك
إلا في نطاق البحث عن مخرج سياسي مادام
البحث عن مخرج قانوني ليس متاحا وفي يد
المحكمة وحدها، ولكن التأجيل الذي هو شكل
من أشكال المخارج السياسية ليس حلا
للمشكلة وليس الا تأجيلا لها. وهو ما رفضه
حزب الله بوضوح، لأن مجرد الدخول فيه يعكس
اعترافا ضمنيا بمبدأ الاتهام ويحصر
الاعتراض في التوقيت، فيما المطلوب إلغاء
هذا الاتهام من أساسه حتى لو كلف الأمر
إلغاء القرار الظني برمته وإلغاء المحكمة
أيضا لأنها تستخدم لأهداف ومشاريع
اسرائيلية.
ولكن ثمة وجه آخر لاحتمال عدم صدور القرار
الظني هو المتعلق بعدم اكتمال المعطيات
والأدلة التي تسمح بإصدار مثل هذا القرار
وتوجيه اتهامات صريحة مبنية على أدلة
دامغة ومقنعة، وبالتالي عدم إمكانية
الانتقال الى مرحلة المحاكمة تبعا لذلك،
ومع قرار ظني فارغ أو مفرغ من مضمونه.
وهذا الاحتمال يمكن ان ترتفع نسبته ابتداء
من الليلة في حال قدم حزب الله أدلة مضادة
وذات مصداقية يمكن ان تؤثر على مسار
المحكمة وان تفتحها على فرضيات وآفاق
جديدة.
الثاني: صدور القرار الظني متضمنا اتهاما
لحزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري
أيا كانت درجة هذا الاتهام، وسواء اقتصر
على اتهام عناصر في الحزب أم طال كوادر
قيادية، في هذه الحال سيكون رد حزب الله
سريعا وحاسما، و«لغة الحسم» لا تعني حكما
وبالضرورة ان 7 مايو جديدة تلوح في الأفق،
ذلك ان حزب الله ليس في حاجة الى الرد عن
طريق القوة العسكرية وهو مدرك من جهة لدقة
وخطورة تكرار تجربة 7 مايو مرة ثانية، ومن
جهة أخرى لتبدل معطيات كثيرة منذ سنتين
بدءا من الحضور السوري في وضع صار محسوبا
له وعليه وليس ضده، وصولا الى ميزان قوى
سياسي جديد في لبنان لم تعد فيه «أكثرية
وأقلية». حزب الله سيرد أولا بالوسائل
السياسية المتاحة وستكون الحكومة أولى
ضحايا هذا الرد. هذا ما يتوافق في النظرة
اليه طرفا النزاع المتمحور حول المحكمة:
ـ أوساط حزب الله تتحدث عن دور حاسم
للحكومة اللبنانية في الرد على «مشروع
الفتنة» ووأده في مهده بأن تجتمع فور صدور
القرار الظني وتعلن رفض هذا القرار
باعتباره مصدر خطر وتهديد للأمن
والاستقرار والوحدة الوطنية في لبنان، مع
ما يترتب على هذا الموقف من وقف التمويل
اللبناني للمحكمة وسحب القضاة اللبنانيين
العاملين فيها، أي عمليا الغاء المحكمة
الدولية. فإذا كانت الحكومة، وتحديدا
رئاسة الحكومة قادرة على التعامل مع الوضع
المستجد بكل ما يستلزمه من قرارات صعبة
تكون قد تجاوزت القطوع والامتحان وتستمر،
واذا لم تكن كذلك طرحت مسألة التغيير
الحكومي مع كل ما تثيره من إعادة خلط
الأوراق وإعادة تركيز المعادلة السياسية،
ما يعني عمليا انتهاء مفاعيل ومرحلة اتفاق
الدوحة. |