عاد وزير الخارجية التركي أحمد داود
أوغلو إلى بلاده بوعود سورية بـ«خطوات
ملموسة» في مجال الإصلاح، تاركا للنظام
السوري «مهلة أيام» للقيام بشيء ملموس «يقنع
السوريين قبل أن يقنعنا»، كما قالت مصادر
تركية رافقت أوغلو في زيارته «الماراثونية»
إلى سوريا أمس، حيث اجتمع والوفد المرافق
مع الرئيس السوري بشار الأسد لـ3 ساعات في
حضور وفد سوري رفيع تقدمه وزير الخارجية
السوري وليد المعلم، قبل أن يتحول
الاجتماع ثنائيا، ويمتد إلى 3 ساعات
إضافية بين الأسد وداود أوغلو الذي قال في
تصريحات أطلقها لدى وصوله إلى العاصمة
التركية إن لقاءه مع الأسد «يبعث على
الأمل». ورفضت المصادر التركية الخوض في
تفاصيل «الخطوات» التي ستتخذها تركيا فيما
لو لم يستجب النظام السوري، مفضلة انتظار
الأيام القليلة المقبلة.
ووصف دبلوماسيون أتراك رافقوا داود أوغلو
في زيارته إلى دمشق أجواء الاجتماعين
بأنها كانت «صريحة جدا» وأن «كل شيء وضع
على الطاولة». وأوضح هؤلاء ردا على سؤال
لـ«الشرق الأوسط» عن «الأجواء الودية»
التي قالت المصادر السورية إنها سادت
الاجتماع أن «النقاش حصل في جو جدي للغاية،
لكنه لم يتخط الآداب الدبلوماسية».
وقال مصدر رسمي تركي لـ«الشرق الأوسط» إن
الرسالة التركية التي نقلها داود أوغلو
كانت واضحة، ومفادها أنه «ليس أمام النظام
السوري من بدائل، يجب أن يتوقف سفك الدماء
فورا، ولا أحد يريد أن يرى غير ذلك».
وأضاف «الوقت يمر، والوقت ثمين جدا. وفي
بعض الأحيان - كما هي الحال الآن - الوقت
أهم من المضمون. مر وقت طويل أجرينا خلاله
الكثير من الاتصالات والمحادثات، وما زلنا
ننتظر حصول تقدم ما على الأرض في ما خص
الإصلاح، لكن كل ما رأيناه هو المزيد من
العنف». وفيما نقل المسؤولون الأتراك عن
المسؤولين السوريين الذين التقوهم نيتهم
القيام بخطوات مهمة على الأرض في هذا
المجال، قال الوزير التركي «ليس المهم أن
نقتنع نحن، أو أن يقتنع المجتمع الدولي.
الأهم هو أن يقتنع الشعب السوري بنواياكم
الإصلاحية ويرضى عنها». وأضاف «نحن نتحدث
إليكم كأصدقاء وجيران وليس كدولة غريبة،
ولدينا الحق بأن نقول ذلك».
وأشار الوزير التركي إلى أهمية حصول تقدم
سريع «ليس خلال شهر، وبالتأكيد ليس حتى
نهاية شهر رمضان، فإذا كان سيحصل شيء ما،
يجب أن يكون خلال أيام، ويجب أن نرى شيئا
على الأرض خلال هذه الفترة».
وفيما لم تصدر عن أوغلو أي تصريحات في
سوريا، نقلت وكالة «سانا» الرسمية عن
الرئيس السوري قوله إن «سوريا لن تتهاون
في ملاحقة المجموعات الإرهابية المسلحة من
أجل حماية استقرار الوطن وأمن المواطنين»،
وإن بلاده «مصممة أيضا على استكمال خطوات
الإصلاح الشامل التي تقوم بها وهي منفتحة
على أي مساعدة تقدمها الدول الشقيقة
والصديقة على هذا الصعيد»، بحسب ما قاله
بيان رسمي صدر يوم أمس عقب زيارة الوزير
التركي أحمد داود أوغلو، حيث وضعه الرئيس
الأسد في «صورة الأوضاع التي شهدتها بعض
المدن السورية نتيجة قيام المجموعات
الإرهابية المسلحة بقتل المدنيين وعناصر
حفظ النظام وترهيب السكان». وقال البيان
إن الحديث خلال اللقاء «تناول الأحداث
التي تشهدها سوريا»، حيث أكد الرئيس الأسد
أن «سوريا لن تتهاون في ملاحقة المجموعات
الإرهابية المسلحة من أجل حماية استقرار
الوطن وأمن المواطنين لكنها مصممة أيضا
على استكمال خطوات الإصلاح الشامل التي
تقوم بها، وهي منفتحة على أي مساعدة
تقدمها الدول الشقيقة والصديقة على هذا
الصعيد».
ونقل البيان السوري عن الوزير التركي قوله
«إنه لا ينقل أي رسالة من أي أحد، وإن
تركيا حريصة على أمن واستقرار سوريا،
مشددا على أن المراحل التي قطعتها العلاقة
الاستراتيجية بين البلدين جعلت قيادتي
البلدين تشعران بأن أي أمر يحصل في أي
منهما هو بمثابة شأن داخلي لدى الآخر،
فكما تعتبر تركيا ما يجري في سوريا شأنا
داخليا تركيا فإن سوريا أيضا لديها
الاعتبارات نفسها في أي حدث تتعرض له
تركيا». وأضاف البيان أن الوزير داود
أوغلو شدد على أن «سوريا بقيادة الرئيس
الأسد ستصبح نموذجا في العالم العربي بعد
استكمال الإصلاحات التي أقرتها القيادة
السورية»، وأن «استقرار سوريا أساسي
لاستقرار المنطقة».
وقال البيان إن اللقاء حضره «وليد المعلم
وزير الخارجية والمغتربين، والدكتورة
بثينة شعبان المستشارة السياسية
والإعلامية في رئاسة الجمهورية، وعبد
الفتاح عمورة معاون وزير الخارجية
والمغتربين والوفد المرافق للوزير داود
أوغلو».
ولدى وصوله إلى أنقرة، عقد أوغلو مؤتمرا
صحافيا قال فيه إن اجتماعه مع الأسد يبعث
على الأمل، متوقعا خطوات مهمة على طريق
الإصلاح خلال أيام. أوغلو الذي رفض الدخول
في التفاصيل، أشار إلى أن «المهم ألا
يتواجه الشعب مع الجيش السوري، وألا تحصل
أحداث كما حصل في حماه».
وقال وزير الخارجية التركي ردا على سؤال
عن الرسالة التي حملته إياها وزيرة
الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال
محادثتهما الهاتفية الأخيرة «نحن أوصلنا
رسائل تركية فقط، واستفدنا أيضا من آراء
الجانب السوري الذي تحدث عما يجري هناك».
ولفت إلى أن السوريين هم من يحددون
مستقبلهم، مشيرا إلى أن الأيام المقبلة
ستكون حرجة ودقيقة من أجل التوصل إلى
تسوية سلمية، مؤكدا أن تأمين السلام
الداخلي والأمان هو الذي يحدد مستقبل
سوريا.
ودعا الوزير التركي إلى وقف إطلاق النار
وعدم إراقة الدماء، مشيرا إلى أنه نقل
رسالة خطية إلى الرئيس السوري من رئيس
الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وأخرى
شفوية من رئيس الجمهورية عبد الله غل.
وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان
قال يوم السبت الماضي إن أحمد داود أوغلو
سيزور سوريا المجاورة يوم الثلاثاء «لتسليم
رسالة حازمة من تركيا» تتعلق بالأحداث
الجارية في سوريا. وهو ما ردت عليه
المستشارة السياسية والإعلامية لرئاسة
الجمهورية بثينة شعبان بالقول إن داود
أوغلو سيسمع «كلاما أكثر حزما» حول موقف
بلاده من الأحداث الجارية في سوريا، رافضة
التدخل في شؤون سوريا الداخلية من أي قوى
إقليمية أو دولية كانت.
وجاءت زيارة الوزير التركي إلى دمشق وسط
أجواء مشحونة، مع تصاعد الضغط الدولي
والعربي على نظام الرئيس بشار الأسد على
خلفية القمع الدموي للاحتجاجات التي
تشهدها البلاد منذ خمسة أشهر وراح ضحيتها
ما لا يقل 2000 شهيد. من المدنيين. ويشار
إلى أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري
كلينتون قد شددت على أوغلو «دعم موقف
واشنطن المطالب بعودة القوات السورية إلى
ثكناتها فورا والإفراج عن السجناء».
وكانت مصادر دبلوماسية قالت لوسائل
الإعلام عشية وصول داوود أوغلو إلى دمشق
إن زيارته تهدف إلى تسليم الرئيس السوري
بشار الأسد «رسالة رسمية ولسماع شرح من
القيادة السورية عن الأوضاع العامة في
البلاد».
وكان فريد هوف، المبعوث الأميركي للشرق
الأوسط، أجرى محادثات مع مسؤولين تركيين
بأنقرة، وقد انضم رئيس الوزراء التركي إلى
هذه المحادثات بعيدا عن وسائل الإعلام.
وذكرت مصادر مطلعة على المحادثات أن زيارة
هوف ركزت على زيارة داود أوغلو لدمشق
والرسائل التي سيحملها إلى الأسد. وأضافت
المصادر أن هوف أراد أن يعلم رد الفعل
التركي إذا ما فشلت محادثات أوغلو في
التوصل إلى نتيجة ملموسة. وقال المسؤولون
الأتراك لهوف «الوضع في سوريا معقد للغاية.
هناك خطوات إيجابية ثانوية لكنها غير
مرضية»، مشيرين إلى إنهاء حالة الطوارئ
التي استمرت في البلاد على مدار عقود.
ونقلت صحيفة «حريات» التركية عن مصادر
رسمية أن الرسالة الثانية لداود أوغلو هي
دعوة نظام الأسد للإعلان عن موعد محدد
لعقد انتخابات حرة تشارك فيها كل الأحزاب
السياسية الراغبة في الترشح للانتخابات
البرلمانية، بالإضافة إلى تشديده على
ضرورة إطلاق سراح كل السجناء السياسيين
والقيام بخطوات إصلاحية إضافية. وقالت
الصحيفة إن قمة الأمن التي عقدها رئيس
الوزراء يوم الاثنين «استعرضت كل التحركات
المتوقعة التي يمكن أن تتخذها تركيا إذا
ما قرر نظام الأسد المضي في قمع
المتظاهرين وفرض العنف. وأشارت المصادر
إلى أن كل الخيارات - الاقتصادية
والسياسية والمتعلقة بالأمن - تمت دراستها»،
مشيرة إلى أنه جرت «مناقشة تعليق بعض
المشروعات المشتركة والآثار المترتبة على
ذلك خلال الاجتماع»، موضحة أن مشاركة رئيس
الأركان الجنرال أوزال في الاجتماع «أكدت
على البعد العسكري للموقف في سوريا، فعلى
الرغم من عدم قدرة المجتمع الدولي على
إظهار رد موحد تجاه سوريا في الأمم
المتحدة، فإن العنف المتنامي وحمام الدم
يمكن أن يزيد من حجم الدعاوى المطالبة
بالتدخل العسكري في سوريا. وقال مسؤولون
أتراك إن كل الخيارات بما فيها إقامة
منطقة عازلة في الجانب السوري من الحدود
تمت مناقشتها على المستوى التقني». |