أوحت مؤشرات كثيرة بتوقف المبادرة
السورية ـ السعودية لحل الازمة اللبنانية
المتعلقة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان،
عند النقطة التي وصلت اليها قبل الوعكة
الصحية التي ألمّت بالملك السعودي عبد
الله بن عبد العزيز واستدعت نقله الى
نيويورك للعلاج، وذلك بعد التدخل الواضح
لمساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون
الشرق الأدنى جيفري فيلتمان لتعطيل
المبادرة والتخريب على الافكار التي كان
يجري تداولها لإيجاد تسوية.
آخر المؤشرات كلام الرئيس السوري بشار
الاسد من باريس امس الأول، الذي أكد فيه «ان
السوري والسعودي والفرنسي يساعدون لكن
الحل لبناني»، ما يعني العودة الى نقطة
الصفر التي انطلقت منها الازمة المتعلقة
بالقرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس
الشهيد رفيق الحريري وبملف شهود الزور،
والتي شكل المؤتمر الصحافي الشهير للامين
العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في
شهر آب الماضي بداية المخرج الممكن
للأزمة، حين قدم فيه معطيات وقرائن ظرفية
عن احتمال تورط العدو الاسرائيلي
بالجريمة، وطالب الجهات اللبنانية الامنية
والقضائية والسياسية كما المحكمة الدولية،
بأن تأخذ في الاعتبار هذه المعطيات وأن
تدقق فيها، لكنها ذهبت أدراج الرياح بعد
إرسالها الى المدعي العام في المحكمة
الدولية القاضي دانيال بيلمار من قبل
القضاء اللبناني، مع استمرار التسريبات
العربية والغربية الاعلامية والسياسية عن
تورط عناصر من «حزب الله» في الجريمة
ومواصلة فرق التحقيق الدولي بحثها عن
معطيات وأدلة مهما كانت لتركيبها على
عناصر من الحزب، كما حصل مع «زيارة»
العيادة النسائية قبل مدة.
وجاءت قرائن الاتصالات التي اخترقها العدو
الاسرائيلي لتفتح آفاقا أوسع أمام
التحقيق، لكن ايضا جرى إهمالها، ثم جاء
تنبيه السيد حسن نصر الله الاخير في خطاب
تخريج طلاب التعبئة التربوية من ضرورة
إيجاد المخرج اللبناني قبل صدور القرار
حتى لا يفقد لبنان زمام المبادرة بعد
صدوره، وصولا الى المؤتمر الصحافي الاخير
لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد
رعد وعضو المجلس الدستوري السابق سليم
جريصاتي، الذي أظهرا فيه الأبعاد غير
الدستورية لكل مراحل إنشاء المحكمة
الدولية وطالبا بإجراءات لبنانية ما تعيد
تصويب الامور، لكن ظهر أن اليد الطولى في
القضية ما زالت هي اليد الاميركية، وانه
مهما فعل «حزب الله» أو سواه فلا مخرج إلا
بتوجيه الاتهام باتجاه المقاومة... ويبقى
للبحث صلة!
هنا جاء كلام الرئيس الاسد وقبله السفير
السعودي في بيروت علي عواض العسيري
لـ«السفير» ليقول للبنانيين ابحثوا
بأنفسكم عن الحل، لكن ثمة من يعتقد في
بيروت أن الاميركي يفرمل أي اندفاعة
لبنانية للحل لأنه يريد أن يكون الطرف
الثاني الذي يتولى إيجاد مخارج التسوية
اللبنانية، ويريد أن يكون الطرف الاول هو
السوري حصراً، والتسوية اللبنانية ترتبط
بتسويات اخرى في المنطقة يريدها الاميركي
لراحة اسرائيل لبنانياً وفلسطينياً ويسعى
للتفاهم حولها مع السوري بينما الطرف
السوري لا يساوم على قضايا العرب الاساسية،
لا سيما قضية المقاومة في لبنان وفلسطين.
فكيف يكون المخرج اذاً؟
ربما يأتي هنا الدور الفرنسي المساعد على
إيجاد نوع من التواصل السوري - الاميركي
غير المباشر، لكن أحد أقطاب المعارضة يؤكد
ان سوريا ترفض بشدة التورط من تحت الطاولة
بأي تسوية لا مع الاميركي ولا مع سواه،
وتصر مع المعارضة على ان المطلوب مبادرات
لبنانية رسمية ومن الحكومة اولا لإيجاد
المخارج للازمة، وأن دمشق ما زالت على
موقفها منذ سنوات والقائل برفض التدخل
التفصيلي في الشأن اللبناني وعلى المساعدة
في حماية وحدة لبنان واستقراره. وكما هناك
قوى إقليمية ودولية تعطل الحل اللبناني،
هناك قوى إقليمية ودولية يهمها الاستقرار
اللبناني وبإمكانها لعب دورها في لجم
التعطيل الاميركي.
ويضيف القطب المعارض: لماذا لا يتدخل
السعودي مباشرة مع الاميركي لمنع التعطيل
والبحث عن المخارج؟ ولماذا لا يبادر وزير
العدل اللبناني ابراهيم نجار الى إعداد رد
علمي وقانوني على ما قدمه النائب محمد رعد
مؤخرا حول عدم دستورية المحكمة؟ واذا كانت
هذه الحكومة غير مسؤولة عما قامت به حكومة
فؤاد السنيورة البتراء، أفلا تستطيع ان
تبادر الى تصحيح الاخطاء وإنقاذ البلاد
والعباد؟ وفي المحصلة أين مصلحة لبنان في
استقالة الحكومة عن القيام بمسؤولياتها
على كل الصعد؟
لذلك يدعو القطب المعارض الى عدم المراهنة
على دور خارجي لا سيما أميركياً، للحل،
ويشدد على دور الحكومة اللبنانية في إيجاد
المخارج للأزمة، والبداية هي بتصحيح
المسار الخاطئ للمحكمة الدولية، وعدم الرد
بالشتائم والكلام السياسي على الكلام
القانوني العلمي والدستوري. فيما يلمح
مسؤول آخر في المعارضة الى أن الحل ان لم
يأت لبنانياً فقد يتورط البلد في مشكلات
سياسية كبيرة، لا يعلم أحد مداها
ونتائجها! |