«أثبتت
التجارب العملية أفضلية إدارة المؤسسات
الأهلية للمشروعات والمعاهد أكثر من
الجهات الحكومية»، هذا هو التصريح الذي
تناقلته الصحف المحلية منسوباً إلى وزيرة
الشؤون الاجتماعية والعمل. وكانت مناسبة
إطلاقه، حفل تكريم بعض الطلاب المتميزين
في معهدي الشلل الدماغي للصغار والكبار
بمناسبة انتهاء العام الدراسي. وليس
خافياً على أحد ما يحمله تصريح كهذا من
تثمين للدور الهام الذي تلعبه المؤسسات
الأهلية، التي قد تكون فعلاً أكثر مرونة
من الجهات الحكومية في ممارسة الأعمال
الخيرية، وتقديم الدعم الاجتماعي لذوي
الاحتياجات الخاصة وسواهم.. ولكن ليس
خافياً أيضاً، ما قد يحمله هذا التصريح من
توصيف دقيق لواقع الحال، ولكن أي واقع،
وأية حال؟
لم يحدد التصريح المذكور المشاريع
والمعاهد المعنية، وبالاستناد إلى السياق
والمناسبة التي أطلق فيها، نقول إن
المشاريع والمعاهد المقصودة، هي تلك
المتصلة بالتعليم والتنمية والرعاية
الاجتماعية. ونقول هنا، إن الجهات
الحكومية التي تمتلك السلطة والقدرة
والكفاءات، والتي تقوم على إدارة مقدرات
البلاد، والتي تعتمد على خزينة الدولة
التي تجبى الضرائب إليها في تمويل
«مشاريعها ومعاهدها»، أكثر قدرة «نظرياً»
على إدارة هذه المشاريع والمعاهد فيما لو
أريد لها ذلك، ويبقى للمؤسسات الأهلية
دورها الخلاق في العمل الخيري الاجتماعي
المباشر بين الناس بفضل مرونتها
واستقلاليتها المفترضة.
هذا على المستوى النظري، أما على أرض
الواقع في سورية، فمن الممكن أن تسجل
المؤسسات الأهلية نجاحات لا يمكن للجهات
الحكومية السورية أن تضاهيها في ظل الفشل
المتواصل في إدارة المشاريع التعليمية
والتنموية والاقتصادية المفتعل والممنهج..،
وعليه فإن إضافة كلمة «السورية» الى
التصريح، لتصبح العبارة «الجهات الحكومية
السورية»، يجعل القول أكثر تحديداً و
وضوحاً، ويضفي عليه درجة من الصحة لا يمكن
إنكارها، كما أنه يبرز ما يحمله هذا
التصريح في طياته، من إقرار بعجز الحكومة
السورية وفشلها في الإدارة وتحقيق
الإنجازات.
وهكذا فإنه إذا كانت نتيجة كتلك التي
قررها تصريح وزيرة الشؤون الاجتماعية
والعمل، يجب أن تدفع الحكومة إلى تقديم
المزيد من الدعم المادي والمعنوي لمؤسسات
العمل الأهلي، فإنها قبل ذلك يجب أن تدفع
الحكومة إلى إعادة النظر في برامجها
ومشاريعها، وفي أسلوب إدارة وتنفيذ هذه
المشاريع، لأن الاكتفاء بالوصول إلى
النتائج وإعلانها في المناسبات المختلفة،
دون العمل على تحليلها وفهم أسبابها، لن
يفضي إلا إلى المزيد من التراجع في دور
الجهات الحكومية وقدرتها على العمل
والإنجاز.
إن الاعتراف المتكرر بالإخفاق، بمناسبة
ودون مناسبة، دون العمل الجاد على فهم
أسبابه، ومن ثم البحث عن حلول لتجاوزه،
يفضي إلى تكريس الفشل الحكومي بوصفه
واقعاً لا مجال لتجاوزه، ويصب في خانة
تكريس عدم قدرة الجهات الحكومية على تحقيق
الإنجازات، ومن ثم البحث عن بدائل للجهات
الحكومية عبر الخصخصة والاستمرار في إضعاف
دور الدولة، بدل البحث عن بدائل لنبذ
الأسلوب الفاشل في إداراتها. |