لم يجب
الموظف المهم نفسه الذي يتعاطى مع ملف
تركيا في احدى "الإدارات" البارزة داخل
الإدارة الاميركية بتفصيل عن سؤالين: ماذا
سيكون موقف حلف شمال الاطلسي من تركيا
العضو فيه بسبب مواقفها الاخيرة. اكتفى
قائلاً: "لم نبحث في هذا الموضوع. لكن
ستجري محادثات طبعاً بين اعضاء الحلف بما
فيهم تركيا حوله". واضاف: "كان في اميركا
اناس كثيرون مؤيدون لتركيا. لكنهم بدّلوا
موقفهم. وقد يكونون تحوّلوا من التأييد
الذي هو ايجابي الى التنديد الذي هو سلبي.
لا يعرفون ماذا جرى لتركيا التي يعرفون من
زمان. ربما لم يعد في استطاعة المعارضة
العلمانية في تركيا الوقوف في وجه
اسلامييها. تركيا اليوم اسلامية. وهذه
حقيقة. ربما تشعر هذه التركيا بالفرح او
بالسعادة لأنها صارت شعبية عند العرب
والمسلمين السنّة. لكن ذلك ربما يثير
حساسية انظمة عربية عدة".
علّقتُ: الحساسية التي تحدثت عنها قد تبقى
نظرية. ذلك ان غالبية الأنظمة العربية،
ولا سيما منها تلك التي تشعر اكثر من
غيرها بخطر ايران الشيعية عليها، تراهن
على تركيا كي تقيم نوعاً من التوازن مع
ايران هذه، وتالياً كي تخفّف من خطرها
الزاحف على العرب السنّة. ردّ: "اعترف
الرئيس اوباما يوم زار تركيا بعد شهر من
تسلّمه سلطاته الدستورية بإسلاميتها. نحن
نعرف ان رئيس حكومة تركيا اردوغان ليس
استراتيجيا ولا مخطِّطا. يضرب هنا، ثم
يضرب هناك. يأخذ من هنا، ثم يأخذ من هناك.
"ينفذ" بمواقفه وخياراته، مبدئياً طبعاً،
فيعتقد انه ناجح. هذه ليست سياسة".
علّقتُ: اعتقد ان اسرائيل كانت تستطيع
معالجة موضوع "اسطول الحرية" او "الفلوتيلا"
بأسلوب ناجح وغير دموي. لكنها على ما يبدو
منزعجة جداً من اردوغان. وارادت إعلامه
بانزعاجها بهذه الطريقة. ردّ: "قد يكون ما
تقول صحيحاً. لكن هناك رأياً آخر مقنعاً
هو ان ما حصل مع "الفلوتيلا" يُعدّ فشلاً
لأجهزة الأمن والإستعلام وللعسكر في
اسرائيل. ذلك انهم لم يقدِّروا ماذا يمكن
ان يحصل نتيجة تصدّيهم على النحو المعروف
لسفن "الفلوتيلا". ومرد ذلك على الارجح
الى نقص في المعلومات الامر الذي ادى الى
تورطهم في العملية، وهذا امر خطير".
علّقتُ مختتماً اللقاء: خطير جداً لأنه
دليل ضعف. وهو يذكّر بحرب اسرائيل على
لبنان و"حزب الله" في عام 2006 التي كانت
اقرب الى حرب هواة منها الى حرب محترفين
وذلك نظراً الى ما رافقها من قصور في
الإعداد العسكري والمخابراتي وحتى
السياسي.
ماذا عن دول المغرب العربي او بعضها في
جعبة موظف مهم ثانٍ يتعاطى مع ملفاتها
وقضاياها والتشابكات الخارجية لهذه
القضايا في "الإدارة" البارزة نفسها داخل
الادارة الاميركية؟
بدأ اللقاء بالحديث عن الحركات الاسلامية
في دول المغرب الغربي وعن انتشارها ومدى
قوتها او ضعفها ومكامن هذين الضعف والقوة.
سألتُ: ماذا عن الحركات الاسلامية في
المغرب العربي؟ هل تعمل متعاونة أم هي
منفصلة ولكل منها برنامجه وطريقة عمله؟
اجاب: "الحقيقة لا نعرف. ربما يجب ان ندرس
اوضاعها بالتفصيل وتالياً ان نضع
استراتيجيا معينة لمواجهة تحركاتها، لأنها
كما قلت لا مركزية وليس لديها قيادة عامة
موحدة. اي ليست حزباً ولا تنظيماً، علماً
ان هناك اتصالات في ما بينها. كما ان
لديها كلها قائداً "معنوياً" كبيراً
واحداً او ربما رمزياً يتمتع بكاريزما
مهمة كأسامة بن لادن مثلاً.
في الجزائر حقّقت الحكومة وقوى الأمن
والجيش نجاحات ضد الاسلاميين الارهابيين
وخصوصاً في المناطق الشمالية. وفي المغرب
مكافحة هؤلاء مستمرة، لكن لا تزال السلطات
تواجه مشكلات معينة في مواجهتها لهم. في
ليبيا اخرجت السلطات العشرات من
الاسلاميين الارهابيين من السجون. وكان
ذلك بمبادرة من سيف الإسلام نجل العقيد
معمر القذافي. الا أن السؤال الذي يطرحه
الجميع هو هل ان توبة هؤلاء صادقة وتالياً
نهائية ام انهم سيعودون الى الارهاب
والجهاد والعنف؟". علّقتُ: في المملكة
العربية السعودية عاد قسم من الاسلاميين
الارهابيين الذين أفرج عنهم بعد توبتهم،
وتطلق عليهم السلطات في المملكة صفة الفئة
الضالة، الى العنف من جديد. ردّ: "لقد
دفعوا لهم فلوساً اي اموالاً هناك
ليتوبوا. هل عدد هؤلاء كبير في رأيك؟"
اجبت: الحقيقة لا اعرف رقماً دقيقاً.
ماذا عن موريتانيا ومشكلاتها المستمرة مع
هؤلاء؟ سألتُ. أجاب: "تتعرض موريتانيا
اكثر فأكثر لعمليات الارهابيين الاسلاميين
ومنها عمليات خطف اجانب. وهم يتحرّكون بين
هذه الدولة ودولة مالي المجاورة لها".
ماذا عن تونس واسلامييها الارهابيين كما
تصفونهم؟ سألتُ. اجاب: "ليست عندنا
معلومات عن وجود حركة اسلامية منظمة
تتعاطى الارهاب في تونس. انها موجودة في
الخارج، وتحديداً في اوروبا. والناشطون
فيها كثيرون". علّقتُ: خطرهم في اوروبا
وفي العالم اكبر. ذلك ان تواصلهم لا بد ان
يكون اكثر سهولة ويسراً سواء كمغاربة او
تونسيين او إسلاميين. ويمكن ان يشكّلوا في
هذا الخارج جبهة كبيرة تهدد الأمن
والاستقرار على نطاق واسع في مجتمعات
دولية عدة. ومواجهة هؤلاء لا تكون الا
بتعاون كل الدول المعنية.
ماذا عن مشكلة الصحراء الغربية المتنازع
عليها بين المغرب وتنظيم "البوليساريو"
والمتدخلة فيها الجزائر؟ سألتُ. اجاب: "لا
حل لهذه المشكلة حتى الآن. ونحن لا نفرض
حلاً". علّقتُ: احياناً يجب ان تفرضوا
حلاً. على كل قد لا افهم لماذا ترفضون فرض
حل على اطراف هذا النزاع او اي نزاع آخر.
لكن هناك متدخلين فيه مثل الجزائر رغم ان
لا علاقة مباشرة لهم فيه او بجوهره.
فلماذا لا تفرضون على هؤلاء عدم التدخل.
اجاب: "اننا لا نفرض شيئاً. في البداية
قُبِل اقتراح جيمس بايكر الذي كان
مُكلَّفاً ايجاد حل لنزاع الصحراء
المغربية. لكنه عاد فَرُفِض من الطرفين
المتنازعين. ثم عرض كريستوفر روس
(الاميركي) الذي خلف بايكر في مهمة العمل
لحل النزاع المذكور اقتراحاً آخر للحل
فقُبِل ثم رُفِض. مرة ترفض الجزائر، ومرة
يرفض المغرب. اقتراح بايكر كان: قيام حكم
ذاتي في الصحراء المغربية لمدة خمس سنوات
ثم إجراء استفتاء على بقاء الحكم الذاتي
او الاستقلال. اما الاقتراح الآخر (روس)
فدعا الى اجراء استفتاء فوري يُخيِّر
المعنيين من "اهل" الصحراء بين الحكم
الذاتي والاستقلال. رَفض المغرب هذا
الاقتراح".
ما هي اسباب الجفاء او العداء بين المغرب
والجزائر؟ سألت. |