يتفهم كبار القضاة في المحكمة الخاصة
بلبنان الحملة التي تتعرض لها المحكمة
والعاملون فيها، لكنهم يستغربون الحجج
التي يستخدمها رافضو المحكمة لتبرير
معارضتهم، مؤكدين أن ما يستندون إليه لا
أساس له من الصحة.
ويتوقف قاض كبير لـ"الجريدة" في هذا
المجال خصوصا عند الربط بين عمل المحكمة
من جهة ومصير سلاح 'حزب الله' من جهة
ثانية، مشيرا الى أن احتمال أن يوجه
المدعي العام الدولي دانيال بلمار الاتهام
الى عناصر أو كوادر تنتمي الى 'حزب الله'
بالتورط في الجريمة إذا صح ما يتم التداول
به، لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يخول
المحكمة مقاربة الواقع السياسي والعسكري
لـ'حزب الله'.
ويلفت القاضي الى أن مسؤولي المحكمة
الدولية عندما يعلنون أن الادعاء لا يمكن
أن يوجه الى كيانات سياسية أو حزبية أو
الى أنظمة، إنما هم يعكسون مضمون النظام
الأساسي لهذه المحكمة ولا يعبرون عن وجهة
نظر لطمأنة 'حزب الله' أو لاقتراح تسوية
عليه. فالمسألة هي مسألة قانونية مبدئية
على علاقة بالعدالة الدولية التي تعمل على
خلفية تحميل مسؤولية الأفعال للقائمين بها
لا الى الدول أو الأحزاب أو المجموعات
الإتنية أو العرقية التي ينتمون إليها.
ويلفت القاضي الكبير في المحكمة الخاصة
بلبنان الى أن المخاوف من أن يكون القرار
الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق
الحريري مقدمة للانتقال للبحث في سلاح 'حزب
الله' ومصيره هو مسألة من نسج الخيال، لأن
صلاحيات المحكمة ومجالات اختصاصها
وتفويضها أمور واضحة لا لبس فيها ولا مجال
للاجتهاد في شأنها.
فحتى لو وجه بلمار الاتهام الى عناصر من 'حزب
الله'، فإن الحزب ككيان سياسي لن يواجه أي
شكل من اشكال الاتهام القضائي أو المحاكمة،
ولن تكون للمحكمة أية علاقة بقراراته
وسياساته وتوجهاته لاسيما منها تلك التي
تنادي بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي
والسياسة الواجب اعتمادها في مواجهة هذا
الاحتلال أو في مواجهة الدول الداعمة
لإسرائيل.
أما بالنسبة الى الأضرار السياسية التي
يمكن أن تمس 'حزب الله' نتيجة لإمكان
اتهام بعض عناصره، فيؤكد القاضي نفسه أن
مثل هذه الأضرار يمكن أن تنتج عن اللعبة
السياسية المرافقة للعبة القضائية. فمثلما
يستفيد الحزب من بعض المعطيات التي يوظفها
في مصلحته كما بالنسبة الى توقيف الضباط
الأربعة ليشن حملة سياسية وإعلامية هدفها
كسب عطف الرأي العام وإضعاف خصومه
السياسيين، يمكن لخصوم 'حزب الله' في
مرحلة من المراحل أن يستفيدوا من مسار
المحاكمات لشن حملة سياسية وإعلامية على
الحزب، لكن المحكمة الخاصة بلبنان لا تأخذ
في الاعتبار، خلال عملها، وفي القرارات
والخطوات التي تلجأ اليها الصراع السياسي
الدائر في لبنان. وهي لو كانت في هذا
الوارد لما أطلقت الضباط الأربعة قبل
أسابيع قليلة من الانتخابات النيابية عام
2009 مع ما كان يمكن أن يتركه ذلك من اثر
انتخابي سلبي على قوى 14 آذار، وإيجابي
على قوى 8 آذار.
ويشدد القاضي على أن العاملين في المحكمة
باتوا يعرفون أدق تفاصيل الوضع السياسي
اللبناني بفعل متابعتهم للتطورات، ولكن
معرفتهم بالواقع لا تعني أنهم أصبحوا جزءا
منه أو أنهم سيصبحون في يوم من الأيام
خلال المحاكمات جزءا منه، مشيرا الى أن
اغتيال الرئيس الحريري قضية مستقلة عن
مصير سلاح حزب الله وكشف المسؤولين عن
الاغتيال قضية قانونية قضائية من صلاحية
المحكمة الدولية المستقلة في عملها عن أي
مرجعية سياسية، ومصير سلاح حزب الله قضية
سياسية – دستورية لبنانية من صلاحية
المؤسسات السياسية والدستورية اللبنانية
كمجلسي النواب والوزراء وطاولة الحوار
والمواقع الدستورية المعنية بإدارة شؤون
البلد. |