أخبار الوطن الرئيسية

12/02/2011

 

التعليم العالي تسبق الصحة إلى بيع العلاج للسوريين

 

 

الفقراء المدسوسون في عقل اقتصاد السوق هم عبءٌ قليل المنفعة وفائضٌ حسابيٌّ بلا طائل خاصةً في الاقتصاديات المتخلّفة ما دون الصناعية حال تُدرج ذاتها في خيارات السوق ولا تحتكم سوى لقانون العرض والطلب. تلك نتيجة يمكن تذوّقها على نحوٍ جليٍّ في خيار السوق للاقتصاد السوري منذ أن حسم هذا التحوّل وناصر هذه العقيدة الاقتصادية. وفعلياً اتسم الأداء الحكومي السوري بالسلبية تجاه الفقراء غير المتفق على عددهم بعد سوى أن 420 ألف أسرة باتت مشمولة بفضائل المعونات الاجتماعية، التي تأخرت مفاعيلها وكأنها تنتظر أفول هذا الشتاء الغريب، وذلك بالتوازي مع تهتّك القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود منذ موجة التضخم والغلاء الحادة التي بدأت منذ العام 2006 ولم تنحسر بعد، وشاء قطاع الصحة أيضاً عندما قرر بيع خدماته على ثلث طاقته الاستيعابية أن يزجّ بنفسه ويضيف على بؤسهم مرثيةً جديدة علّها تجهز عليهم بلا رجعة، أليسوا الفائض الحسابي غير المرغوب والمناكد لنتائج التحول الاقتصادي الأثير والبعيدين عن الحظوة بأيٍّ من ثماره.

المزايا في الثلث المتحوّل


يزيد مجموع المستشفيات في سورية عن 482 مستشفى فيها أكثر من 30 ألف سرير، أما المستشفيات الحكومية فيتجاوز عددها 117 مستشفى، بعدد أسرة يقارب 22 ألف سرير، غير أن المستشفيات الحكومية تحوز على أكثر من 65 ٪ من قدرة الاستيعاب. كما تضطلع وزارات الصحة والدفاع والتعليم العالي والداخلية بتدبير نظام الرعاية الصحية في المستشفيات العامة، ولم يكن مشهد التداوي والاستطباب في المستشفيات الحكومية السورية ليشهد أي تبدلٍ لولا المضي في تحويل تلك المستشفيات إلى هيئات عامة مستقلة، ومع هذا التحول بات 35% من استيعابها مأجوراً، وحين تقصّت "المال" في مثالب هذا التحوّل وارتكاساته المحتملة على الفقراء قرأت استقراراً في الرأي الرسمي وتناغماً في مكوناته وتفاصيله، حيث يقرأ د.سليمان مشقوق مدير المشافي في وزارة الصحة العديد من المزايا الإيجابية والفضائل الحسنة لهذا التحوّل حين يقول: "فيما يتعلق بتحويل المشافي الحكومية إلى هيئات عامة فإنه خطوة باتجاه تقديم خدمات طبية وصحية أكثر جودة، وذلك من خلال تأمين مصادر تمويلية إضافية وإيرادات جديدة للمستشفى يجري إنفاقها على إجراءات الصيانة اللازمة وتطوير التجهيزات والمستلزمات الطبية، الأمر الذي يرفد ما تتوجه إليه الحكومة من خلال الموازنة السنوية الممنوحة حال التحول إلى هيئة عامة، أيضاً فإن هذا التحول يكون مرتبطاً بمعايير الجودة والاعتمادية المعروفة في هذا القطاع ولا تزال نسبة كبيرة من الخدمات الطبية والصحية على السواء تقدم مجاناً، وذلك لنحو 65 % من مراجعي المستشفيات الحكومية التي تحولت إلى هيئات، والذين لا يزالون يتلقون الخدمات الصحية والعلاجية على نحو مجاني، أما ما تبقى من النسبة المئوية فهي نسبة مأجورة بهدف تأمين دخل بسيط وإضافي للهيئات وهو بمطلق الأحوال ليس بالدخل الكبير، إذ أن هذا الدخل من شأنه تأمين الحوافز المالية للعاملين في هذه الهيئات ولإداراتها أيضاً بغية تحسين نوعية الخدمات الطبية والاستشفائية المقدمة للمواطنين، وبغية الحد من هجرة الخبرات من المشافي الحكومية إلى خارجها تلك التي تبحث عن الحوافز المالية فقط".


التعليم العالي تسبق الصحة


الدخل المتأتي من تحول المستشفيات العامة إلى هيئات مستقلة هدفه حسبما يذكر د.سليمان مشقوق مدير المشافي في وزارة الصحة هو تحسين نوعية الخدمات المقدمة وإشراك المواطن في تمويل هذا القطاع، واللافت أيضاً أن نسبة الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة بلغ نحو 6% من إجمالي الإنفاق الحكومي العام، حيث حدث انخفاض في مخصصات وزارة الصحة من إجمالي الموازنة العامة للدولة ولو على نحوٍ طفيف، انخفضت هذه النسبة من 4.89% عام 2009 إلى 4.83% في العام الماضي علماً أن نسبة تنفيذ المشاريع الاستثمارية عام 2010 في وزارة الصحة بلغ لغاية النصف الأول منه نحو 10% كما وصل الإنفاق الجاري إلى 46%، وبلغ نصيب الفرد من إجمالي الإنفاق على الصحة حوالي 79 دولاراً، وهي نسبة منخفضة في وقت وصل فيه الإنفاق على الصحة من إجمالي الناتج المحلي إلى 3.2% خلال العام الماضي. ثم يحدد د.وائل الحلقي نقيب أطباء سورية الخطوات الناجزة من تحول المستشفيات العامة إلى هيئات حيث يقول: "تقوم وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة وغيرهما من المؤسسات على تقديم الخدمات الطبية والصحية ضمن النظام الصحي الوطني ونحن كنقابة أطباء نكون شركاء في رسم السياسة الصحية الوطنية، أما التحول نحو هيئات مستقلة فإن هدفه ينكب على تحسين وتطوير الخدمات المقدمة في هذا الإطار واليوم تم تحويل 14 مستشفى يتبع لوزارة التعليم العالي إلى هيئات مستقلة، أما البيروني فلا يزال الهيئة الوحيدة التي تقدم خدماتها العلاجية بصورة مجانية، لكن 35% فقط من أسرة المستشفيات التي تحولت إلى هيئات عامة تكون خدماتها مأجورة كما ولدى وزارة الصحة نحو 90 مستشفى تم تحويل 17 مستشفى إلى هيئة عامة كان آخرها مستشفى تدمر الوطني، وبهذا باتت تلك المستشفيات مستقلة، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تطوير سوية الخدمات الطبية والصحية وتقديم حوافز للكادر الطبي والفني في المستشفى".


الثلثان للفقراء تكفي؟!


إذاً لا مفر من إقحام الفقراء لا في تحمل الجزء الأكبر من الضرائب الحكومية وإنما في تمويل نفقات صحتهم أيضاً، ومع ذلك يقول د.سليمان مشقوق مدير المشافي في وزارة الصحة: "وزارة الصحة تأخذ الحد الأدنى من التسعيرة والأجور وذلك حسب القرارات والبلاغات الوزارية السابقة كما أن هذا الحد يختلف من قرار إلى آخر لكن تم اعتماد النموذج الموحد في آخر قرار رقم 79/2 لعام 2004 الناظم لتسعير الخدمات حيث يقاس كل إجراء بوحدة أو بوحدتين، وأقول أن 65% من الخدمات الطبية والصحية لا يزال يجري تقديمها بشكل مجاني وهذا مكسب للفقراء وذوي الدخل المحدود، أما المواطن الفائض عن نسبة التغطية المجانية في المستشفيات التي تحولت إلى هيئات عامة ولا تتم تلبيته طبياً وصحياً بمقدوره التقدم بطلب إلى مدير الهيئة الطبية بهذا الخصوص حيث يتم النظر فيه وتقديم الدعم اللازم، وأعود للتأكيد على أن التسعيرة المتبعة في الهيئات العامة هي في الحدود الدنيا وهي تسعيرة رمزية وأقل من التكلفة بكثير والآن تجري دراسة أكثر شمولية لتحويل المستشفيات العامة إلى هيئات على كامل خارطة القطر بحيث يتم تحويل واحد من المستشفيات العامة إلى هيئة في كل محافظة فيها أكثر من مستشفى حكومي، الأمر الذي من شأنه تأمين مصدر تمويل إضافي لباقي المستشفيات والمراكز الصحية في تلك المحافظة بهدف تحسين نوعية وسوية الخدمات الطبية والصحية واليوم يبدو ملحوظاً وعلى مستوى العالم السعي الحثيث لتأمين مصادر حقيقية لتمويل القطاع الصحي عن طريق زيادة مشاركة الفرد في هذا التمويل وتقليل الأعباء الحكومية عنه، وفي سورية لا نريد سوى أن يتحمل المواطن الجزء البسيط واليسير جداً من تمويل الخدمات الطبية والصحية حتى لا يتمادى في الاستخدام المجاني لها حيث إن هذا الاستخدام قد يكون أحياناً غير مبرر، أما الأجور الرمزية المطبقة فسيكون من شأنها ترشيد استخدام الخدمات الطبية والصحية وحالياً ثمة 17 مستشفى قد تحول إلى هيئة عامة ولدينا 4 هيئات قيد الاستصدار و7 مشاريع قيد الدراسة.".


مبررات أخرى للفقراء


إن كان واقع التداوي والعلاج المجانيين والسائدين في المستشفيات العامة السورية قد دفع بالمواطن كما يعتقد د. المشقوق إلى التمادي في استخدام هذا النظام وإن إشراكه في جزء من النفقات يؤدي إلى ترشيد الاستخدام، وحتماً فإن ما يغيب عن الذهن هنا هو أن العيب ليس في مجانية العلاج والتداوي بل في نظام الإحالة الطبية نفسه. أيضاً يضيف د. وائل الحلقي نقيب أطباء سورية أسباباً أخرى لبلوغ خدمات علاجية غير المجانية في 35% من استيعاب المشافي التي تحولت إلى هيئات مستقلة حيث يقول: "ثمة تنامي في الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة في ظل الزيادة في عدد سكان سورية حيث وصلت إلى 670 ألف نسمة العام الماضي، وهذه نسبة عالية جداً ضمن المؤشرات العالمية إضافة إلى تنامي إنشاء مؤسسات صحية وتعاظم كتلة الإنفاق على القطاع الصحي لذا بات ضرورياً البحث عن مصادر تمويل جديدة وإقصاء جزء من هذه الأعباء عن كاهل الحكومة حيث بقي 65% من أسرة المستشفيات الحكومية التي تحولت إلى هيئات مخصصة للفقراء وللشريحة الأدنى دخلاً من المواطنين، أما إيراد 35% من الأسرة فسيذهب كحوافز إلى الكادر ورافد للمؤسسة الصحية المعنية بغية تحسين خدماتها الصحية والطبية. أضف أن مشروع التأمين الصحي على موظفي القطاع الإداري في الدولة قد دفع بأهمية مشروع تحول المستشفيات العامة إلى هيئات حتى يكون أمام مقدمي الخدمات الطبية وشركات إدارة النفقات الطبية خيارات أكثر من المتاحة حالياً في التعاقد مع تلك الهيئات المستقلة التي من المفترض أن تقدّم خدمات طبية جيدة مع أطباء متفرغين بحيث يمكن لشراكات إدارة النفقات الطبية تحويل المرضى إلى مستشفى المواساة أو المجتهد مثلاً، كما أن سدس الإنفاق العالمي وهو نحو ترليون دولار يذهب إلى قطاع الصحة، هذا عدا عن تبدل الأمراض وتحولها من أوبئة وأمراض معدية كالكوليرا والسل إلى أمراض مزمنة كالسكري والقلب والسرطان الأمر الذي زاد من حجم الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة، كذلك فإن الزيادة في متوسط عمر الفرد أثر على زيادة الإنفاق على قطاع الصحة حيث كان متوسط عمر الفرد في سورية خلال الخمسينات 58 سنة وأصبح 73 سنة في العام 2010 أيضاً فإن هذا من شأنه أن يفرض تحديات جديدة على قطاع الصحة، كما تظهر أيضاً أهمية زيادة الإطار التشاركي مع القطاع الخاص والأهلي حيث يوجد لدينا نحو 40 جمعية أهلية تعين في تقديم الخدمات الطبية والعلاجية بصورة مجانية".


بالتوازي... قانون لتفرغ الأطباء


إن كانت فضائل توافر نظام ضمان صحي مجاني كالذي تعرفه معظم دول أوروبا وكندا مثلاً يقتضي في واحدٍ من أسسه قانوناً يضمن حقوق الأطباء في حال تفرغهم للعمل ضمن المستشفيات الحكومية فإن مثل هذا التشريع جاء في سورية ليس لتلك الغاية بل كداعم لتحول المستشفيات الحكومية إلى هيئات عامة. عن هذا يتحدث د. وائل الحلقي نقيب أطباء سورية: "الآن نعمل مع وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة على قانون تفرغ الأطباء بالتزامن مع المضي في تحويل المشافي العامة إلى هيئات مستقلة وبذلك يستطيع الطبيب تقديم خدماته على مدار الساعة وعلى نحو جليل في مستشفيات أنفق عليها المليارات بعد أن تصبح حوافزه المالية متناسبة مع جهده المبذول ومشروع قانون التفرغ يقترح 200% أو 300% من مرتب الطبيب كتعويض له في حال التفرغ ومشروع القانون هذا تم إقراره من قبل القيادة القطرية للحزب، لكن ثمة اختلاف بين طبيعة تعويض الأطباء المتفرغين في كل من وزارتي الصحة والتعليم العالي حيث يوجد 881 طبيباً يتبعون لوزارة التعليم العالي وهم أعضاء الهيئة التدريسية في كليات الطب السورية، حيث إن تطبيق التفرغ سيؤدي إلى تفريغ المؤسسات التعليمية من المدرسين لذا فإن هذا الموضوع يجب أن يتم تطبيقه بصورةٍ تدريجية على الأساتذة الأطباء التابعين لوزارة التعليم العالي غير أن صورة هذا التفرغ ستبدو مختلفة فيما يخص الأطباء التابعين لوزارة الصحة، و من حيث المبدأ فإن تفرغ الأطباء يتطلب راتباً أعلى من الذي يتقاضونه وهو حالياً 10300 ليرة ليزيد مع نسبة التفرغ المقترحة إلى 200% أو 300% وتعويض مسؤولية وتعويض هيئات حيث سيصل مرتب الطبيب المتفرغ إلى أكثر من 50 ألف ليرة بعد تطبيق القانون والهدف من القانون أصلاً هو تكوين حافز لدى الطبيب لجعله يغلق عيادته ويتفرغ للعمل في المستشفيات والهيئات المستقلة، أما هذا الرقم فلن يكون مناسباً لتفرغ الأساتذة الأطباء التابعين لوزارة التعليم العالي، حيث إن بعض الأطباء في الأسد الجامعي باتوا يتقاضون نحو 200 ألف ليرة كحوافز شهرية، وبعض الأطباء في مستشفى التوليد يتقاضون حوافز شهرية تصل إلى أكثر من 30 ألف ليرة".


صحتنا تهمُّ الأوروبيين


عن قصد أو عن غيره لم يجر التطرق في محاور استقصائنا تلك مع مدير المشافي العامة في وزارة الصحة ومع نقيب أطباء سورية إلى المنحة الأوربية المقدّرة بنحو 15 مليون يورو والهادفة لتحسين الرعاية الصحية والخدمات المقدّمة إلى المواطن السوري والتي سيتم منحها خلال السنوات الأربع القادمة، باعتبار أن الاتحاد الأوروبي هو المانح الأكبر لسورية، بما في ذلك القطاع الصحي. بغية حصول السوريين على خدمــات صحية نوعية وخفض نســبة التفـاوت في قطاع الصحة، حيث يعتمد التمويــل الجديــد الذي يقدّمــه الاتــحاد الأوروبي على ما تم تحقيقه في دعــمه الســابق و البالغ 39 مليون يورو، والذي انتهى مع آخر يوم في العام 2010، ولا تخفي الجهات الوصائية السورية على قطاع الصحة ارتياحها لهذا البرنامج حيث ترى فيه انسجاماً مع استراتيجية وزارة الصحة على المدى البعيد الهادفة إلى تحسين جودة الخدمات الصحية في القطر عموماً، كما أنه ينسجم والخطة الخمسية الحادية عشرة، حيث إن القرض الثاني المقدم من بنك الاستثمار الأوروبي إلى قطاع الصحة السوري (الرعاية الصحية السورية 2)، سيركّز على تطوير نظام الرعاية الصحية وتحديثه وذلك في مجال التأمين الصحي الاجتماعي، وتحسين جودة الرعاية بالتركيز على الإدارة النوعية للمشافي والرعاية التمريضية، وتقوية البيانات الصحية الإحصائية و المالية، ومراجعة نظام الرعاية الإسعافية الطارئة. كما وسيتم إيلاء الموارد البشرية اهتماماً خاصاً عبر التدريبات والدعم المستمر لمركز الدراسات الصحية الاستراتيجية (CSHS) الذي يقدم تدريباً ودراسات عليا يفيدان في تأهيل العاملين في الإدارة والتخطيط الصحي.
نقلاً عن مجلة المال

المصدر : سيرياستيبس - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري