بعد تنحي الرئيس المصري، وانتصار ثورة
25 يناير، التي بدأتها نخبة من الشباب
والجماهير العفوية، والتحقت بها باقي فئات
الشعب المصري وقواه السياسية والمدنية،
هاهي مصر تبدأ بنجاح طريق التغيير الوطني
الديمقراطي االسلمي والآمن .
هذا التغيير رسمت ملامحه مظاهرات الأيام
الثماني عشرة الشهيرة من عمر الثورة،
وعبَرت عنه جماهير مصر في ساحات وشوارع
القاهرة والاسكندرية وبور سعيد والمنصورة
وباقي المحافظات، لكن ميدان التحرير صار
الرمز والممثل الأكبر له .
في هذا الميدان الذي كان بحق ميدان تحرير
للشعب وربما سيستحق اسم الثورة نفسها،
تجمعت الحشود المليونية الأكبر، وأعطاه
الشباب طابعهم الغالب، وهم الشباب الأكثر
تعليما وثقافة، المسلحون بأحدث علوم العصر
وتقنياته، بخاصة علوم الانترنيت
والكومبيوتر. وبهم التحقت جميع القوى
السياسية من مختلف الاتجاهات
والايديولوجيات، إلى جانب العديد من
منظمات المجتمع المدني ومؤسساته، بلا
إقصاء ولاتمييز، حيث اتفقوا جميعا على هدف
التحول الديمقراطي المشترك.
قدمت جماهير الميدان نموذجا عن الحداثة
التي استهدفتها مظاهرات جماهير مصر، حين
تميزت بطابعها السلمي المدني في مقابل
العنف والبلطجة التي استخدمها نظام
الطاغية، وفي مقابل الانفلات الأمني الذي
أطلقت السلطة الفاسدة وحوشه، سارعت إلى
تنظيم لجانها الشعبية التي حرست الأحياء
والمنازل ودافعت عن الأهالي، وتطوعت لتظيم
النظافة وشؤون الطعام، كما أقامت مستشفيات
ميدانية لإسعاف المصابين. بينما كثيرا ما
كنا نشهد ارتباك سلطات دول بحالها عن
إدارة وتدبير معيشة مجتمعات أقل عددا في
أحوال مفاجئة.
هناك أيضا، غابت النزعات الطائفية وحضرت
الوحدة الوطنية في أبهى صورها، فصلى
المسلمون بحراسة المسيحيين وصلى المسيحيون
بحراسة المسلمين، كما شارك الرجال إلى
جانب النساء ومختلف الأجيال.
كان ميدان التحرير ساحة لحرية التعبير
أولا، وفيها ظهرت إبداعات الشعب المصري،
فكان لكل فرد منه، تقريبا، لافتته الخاصة،
ولونه المميز في الهتافات، التي عكست ألمه
الخاص أحيانا، كما لم تخل أحيانا أخرى من
روح النكتة والسخرية، التي اشتهر بها
المصريون.
هكذا، كان ماحدث في الميدان تعبيرا رمزيا
عن كل ما يمكن أن تتيحه الديمقراطية من
إظهارأفضل إمكانات الشعب وكفاءاته المليئة
بالطابع الإنساني والمتحضر، على عكس ما
كان نظام الاستبداد يظهره من ركاكة شعبوية
وتدن أخلاقي، تجعل من استمراره ضرورة
طبيعية . وهو أمر كثيرا ما دفع شهودا
للاعتراف بأنهم كانوا يخجلون سابقا من
جنسيتهم المصرية بل والعربية، بينما جعلت
الثورة الكثيرين يعبرون عن فخرهم بهذا
الانتساب بعدها .
واليوم، مع تحقيق أولى أهداف الثورة عبر
إسقاط رأسها الرمزي المتمثل بتنحي الرئيس
، لاشك أن قوتها المعنوية المليونية، التي
انعكست في ميدان التحرير وباقي ساحات مصر،
ستتابع خطواتها في الخلاص من نظام
الاستبداد، و تجاوز المرحلة الانتقالية
على طريق استكمال بناء الدولة الديمقراطية،
وفي ظل حماية الجيش المصري الذي أثبت على
الدوام دفاعه عن الشعب.
وإذا كان الديمقراطيون السوريون وشرائح
كبيرة من الشارع السوري قد تضامنوا مع خطا
الثورة المصرية، وعبّروا عن ذلك بأشكال
ضمنية أو صريحة ضمن ظروفهم المعروفة، فمن
البديهي أنهم سيستفيدون من تجربتها الغنية،
ولا بد أنهم سيجدون في ميدان التحرير
مدرسة كبرى للتعلم، في طريقهم المستمر نحو
تحقيق التغيير الديمقراطي السلمي في سوريا.
هيئة التحرير 12/2/2011 |