لم يُواجه رئيس مكلّف، كالرئيس نجيب
ميقاتي، ضغوطاً بعضها معلن والبعض الآخر
مكتوم لعرقلة تأليف الحكومة. لم يصدف منذ
اتفاق الطائف أن لقي تأليف حكومة انقساماً
داخلياً حاداً وضَع السلطة في فريق وأقصى
الفريق الآخر
قدّم موقف دول مجلس التعاون الخليجي، من
الرياض، جرعة إضافية للرئيس المكلف نجيب
ميقاتي لإزالة اللغط الذي يحاصر جهوده
لتأليف الحكومة الجديدة، وتبديد الغبار
حول تردّد بعض الأنظمة العربية، وأخصّها
الخليجية، في اتخاذ موقف معلن يؤيد ترؤسه
الحكومة. قيل كذلك، إن ميقاتي جازف
بالقبول بتكليفه من غير أن يحظى بغطاء
عربي مؤثّر يُوازن بين تصدّره رئاسة
الحكومة وبين إقصاء سلفه الرئيس سعد
الحريري عنها. وعُزي الصمت الخليجي حتى
أول من أمس إلى انشغال الممالك والإمارات
بعاصفة الثورات العربية وتظاهرات الاحتجاج.
إلا أن الموقف الإيجابي لدول مجلس التعاون
الخليجي من حكومة ميقاتي ومن الرئيس
المكلف بالذات، بالإشادة به والتسليم
بالخيار الديموقراطي لانتقال السلطة، في
ظلّ رئاسة قطر الدورية لمجلس التعاون، وفي
حضور وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل،
ومن المقرّ الرئيسي للمجلس في الرياض، وضع
حداً ـــــ أو كاد ـــــ لالتباس كان قد
شكّك في مقدار الدعم العربي الذي يحظى به
الرئيس المكلف لتأليف الحكومة، ولا سيما
منه ما يتّصل بالغطاء السنّي لخلافة
الحريري. فلم يعد الغطاء يقتصر على دمشق
المصوّب إلى مسؤوليّتها المباشرة عن إقصاء
الحريري عن رئاسة الحكومة، ومسؤوليتها
المباشرة عن تسمية ميقاتي، وأيضاً عن
تعثّر تأليف حكومة يترأسها حليفها ويمسك
حلفاؤه الآخرون في قوى 8 آذار بالغالبية
النيابية والنصاب المرجّح في الحكومة
الجديدة.
وفي معزل عن علاقة الحريري بالسعودية وقطر،
كما عن الموقف المتباين لكل من هاتين
الدولتين من المشكلة اللبنانية ومرجعية
معالجتها بين اتفاقي الطائف والدوحة ـــــ
وجاء بيان مجلس التعاون يُزاوج بينهما
ـــــ لم يعد ميقاتي في مواجهة أزمة سنّية
كانت جزءاً مستتراً من تعثّر تأليف
الحكومة. بل لم يعد يسعه، من الاثنين
المقبل، التسلّح بوفرة الحجج التي كانت
تبرّر في نظره الترّيث في التأليف.
غير أن موقف مجلس التعاون الخليجي تزامن
مع تحرّك أميركي مزدوج، ومتناقض في الوقت
نفسه، يعكس اهتماماً خاصاً لواشنطن بما
يجري في لبنان على خطورة عواصف المنطقة:
أولهما زيارة مساعد الموفد الأميركي الخاص
إلى المنطقة لعملية السلام فريديرك هوف
دمشق قبل أقلّ من أسبوعين، واجتماعه
بمسؤولي الخارجية السورية. وكانت الزيارة
الأخيرة للديبلوماسي الأميركي لدمشق في 6
تشرين الأول 2010. وبحسب مصادر ديبلوماسية،
أجرى هوف محادثات رمت إلى معاودة الحوار
الأميركي ـــــ السوري حول الوضع في
المنطقة في ضوء الاضطرابات التي تضرب
أنظمتها، في أول حوار رسمي بين البلدين
على هذا المستوى منذ بدء تهاوي بعض
الأنظمة العربية في كانون الثاني الماضي،
في تونس ثم مصر. وكانت الزيارة قد سبقت
أول حديث صحافي أدلى به السفير الأميركي
في دمشق روبرت فورد لصحيفة سورية هي الوطن،
في 9 آذار، أطلق فيه سلسلة إشارات إيجابية
من إدارته إلى الرئيس السوري بشّار الأسد
سواء حيال عملية السلام في المنطقة، أو
بإزاء الأفكار التي يلتقي عليها الرئيسان
الأميركي والسوري.
ورغم أن حديث فورد مثّل إحدى حالات نادرة
يطلّ من خلالها سفير أميركي عبر صحيفة
سورية شبه رسمية يشرح من خلالها علاقات
البلدين بعبارات انفتاح ورغبة في الحوار
بلا شروط مسبقة، كمنت الأهمية في الإشارة
التي وجهها إلى سوريا ولبنان حيال الموقف
الأميركي من تأليف الحكومة اللبنانية
الجديدة، وهي أن اللبنانيين هم الذين
يختارون حكومتهم، و«ليس للولايات المتحدة
أن تقول هذا الحزب يدخل، وهذا الحزب لا»،
مشيراً أيضاً إلى أن «أول اهتماماتنا،
كيفما كانت الطريقة التي تألّفت فيها هذه
الحكومة ومَن فيها، هو أن تحترم حرية
التعبير والتجمع والتحرّك السلمي السياسي
والقواعد الرئيسية لليبرالية السياسية
والانفتاح السياسي». وهو موقف لا يكتفي
بنقض سلسلة مواقف أطلقتها السفيرة
الأميركية في بيروت مورا كونيللي، في
الأيام الأخيرة، بتأكيدها أن إدارتها
تحدّد موقفها من حكومة ميقاتي في ضوء
تركيبتها وبيانها الوزاري، بل يتعارض أيضاً
مع الكثير ممّا سمعه مسؤول لبناني رسمي من
مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون
الشرق الأدنى السفير جيفري فيلتمان.
ثانيهما، النبرة المتصلّبة التي حادث بها
فيلتمان مسؤولاً رسمياً لبنانياً خلال
غداء خاص، أكد فيه أن إدارته ستحارب بكل
قوتها مَن سمّاها «حكومة حزب الله»، ولاحظ
أن حكومةً يسيطر عليها حزب الله ستعمل على
عرقلة عمل المحكمة الدولية في اغتيال
الرئيس رفيق الحريري، وقد تذهب إلى محاولة
إلغاء علاقة لبنان بها عبر تجميد بروتوكول
التعاون بين لبنان والأمم المتحدة.
ردّ المسؤول اللبناني الرسمي بأنّ على
واشنطن ألّا تضطلع بأي دور سلبي حيال
الحكومة اللبنانية الجديدة، قبل أن تبصر
النور على الأقل، ويُكشف عن تركيبتها
لأنها ـــــ أضاف المسؤول الرسمي لفيلتمان
ـــــ لن تكون «حكومة 8 آذار ولا حكومة
حزب الله»، بل هي حكومة «ائتلاف بين قوى 8
آذار التي باتت تمثّل الغالبية النيابية
ومستقلين».
واستند المسؤول الرسمي إلى النصف الآخر من
القوى الممثلة للحكومة، ومنه رئيس
الجمهورية ميشال سليمان وميقاتي ورئيس
الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد
جنبلاط والوزير محمد الصفدي، سائلاً
فيلتمان: هل يرى أحداً من هؤلاء منتمياً
إلى قوى 8 آذار أو إلى حزب الله؟
قال لفيلتمان أيضاً: احكموا على حكومة
ميقاتي بعد أن تصدر مراسيمها وتعرفوا
وزراءها، وعندئذ قرّروا محاربتها أو
التعاون معها. وإلى أن تتألف لا تصدروا
مذكرة إعدام في حقها، لا بالضغط على
المصارف اللبنانية لإرباك الوضع الاقتصادي
في لبنان، ولا بالتهويل بقطع المساعدات
العسكرية عن الجيش اللبناني.
شدّد المسؤول اللبناني الرسمي للديبلوماسي
الأميركي على ضرورة حؤول واشنطن دون
تسبّبها في سقوط الدولة اللبنانية.
وافق فيلتمان محدّثه على أنّ هؤلاء
مستقلون عن حزب الله، ولواشنطن أصدقاء
بينهم. ومن غير أن يجزم بتعهّد، اكتفى
بالإيحاء بإمكان الترّيث في اتخاذ موقف
وانتظار تأليف الحكومة ومحاولة تخفيف
الضغوط على الرئيس المكلف، إلا أنه دعا
محدّثه إلى العمل على إقناع الكونغرس
الأميركي بتقليص تصلّبه حيال مخاوفه من
سيطرة حزب الله على الحكومة الجديدة،
ونظراً إلى تأثيره المباشر على استمرار
المساعدة العسكرية للجيش اللبناني.
بقلم نقولا ناصيف |