تكثر في شوارع سوريا محلات بيع
الأقراص المدمجة بسعر (25) ليرة سوريّة،
وبسطات بيع الكتب بـ(100) ليرة سوريّة،
وغالب ما يباع ينتمي إلى ما ندعوه إنتاجاً
بالقرصنة، ومن جهة أخرى إن لم نستنسخ عن
أحدٍ آخر، وأردنا أن نبتكر ونبدع لوحدنا
في أي مجال، فإننا لا نجد الطرق الكفيلة
للحفاظ على هذا الإبداع بعد إصداره سواءً
كان كلمة أو لحناً أو برنامجاً أو تصميماً..
إلخ، بالتالي تكثر عمليات السرقة
والمشاجرات في الشوارع وفي المحاكم بين
الأفراد أو الشركات.
والسبب ضعف مفهومنا عن حماية الملكية
الفكرية والمطالبة بالتعويض في حال التعرض
للقرصنة وعدم معرفتنا لأهمية الحماية
الملكية لأعمالنا، وسنتناول في حديثنا
الآن حقوق المؤلف التي تشمل المصنفات
الفكرية المكتوبة (الكتب والكتيبات
والنشرات والمخطوطات والمحاضرات)،
والمصنفات الفنية (المسرحية والموسيقية
والسينمائية والإذاعية والتلفزيونية
والغنائية والتوزيع الموسيقي وتصميم
الرقصات والتمثيل الإيمائي)، ومصنفات (الفنون
التشكيلية والتطبيقية والتصوير
الفوتوغرافي، ومصنفات المصورات والخرائط
الجغرافية والمخططات المتصلة بفن العمارة
والعلوم، ومصنفات البرامج الحاسوبية).
موضوع القرصنة وحماية حقوق الملكية
الفكرية منتشر في كل البلدان العربية
والأجنبية، وأكثر البلدان تطبيقاً لقانون
الحماية الفكرية هي (فنلندا) حيث تصل نسبة
التطبيق إلى (97 %) وهي نسبة عالية جداً،
ورغم ذلك يوجد (3 %) خارجين عن القانون
ويمارسون القرصنة، أما بالنسبة للدول
العربية فالأكثر تطبيقاً لقانون الحماية
هما (إمارتا دبي وأبو ظبي).
القانون (12):
انضمت سوريا إلى اتفاق بيرن في عام (1954)
ثم توقفت عن العمل بها، ثم كان الإعداد
لمشروع القانون (12) الخاص بحماية حقوق
المؤلف في عام (1994) وبدأ تنفيذه في عام
(2001)، وعند صدور القانون أعدت وزارة
الثقافة التعليمات التنفيذية للقرار، وكان
المقر الأول لمديرية حقوق المؤلف غرفة في
مديرية ثقافة الطفل، حيث بدأ العمل الفعلي
في (2002)، وكان الطاقم قليلاً جداً، وتم
إعداد الأوراق المطلوبة لعملية الإيداع
ولاستقبال المودعين والشكاوى، وبدأ الناس
بمعرفة قانون حقوق المؤلف من خلال
المحاضرات في المراكز الثقافية في كل
المحافظات على مدى ثلاثة أشهر وتم الإعلان
عنها في الصحف والتلفزيون، ووصلت
الإيداعات إلى الآن تقريباً إلى (3000)
إيداع (مؤلفات مكتوبة، موسيقية، فنية..
إلخ)، أما الشكاوى على المعتدين على حقوق
المؤلف أو الحقوق المجاورة فكان أكثرها
حول الذين يقومون باستنساخ الأعمال الفنية
الغنائية أي الألبومات، فكانت الشكاوى
تنصب على المصنفات الغنائية والسينمائية
كالأقراص المدمجة للأفلام.
السجن أو (100) ألف ليرة سوريّة:
والعقوبة التي نص عليها القانون رقم (12)
في مادته (40) إثر الاعتداء على حقوق
المؤلف هي السجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين
وغرامة مالية لا تقل عن (100) ألف ليرة
سوريّة أو بإحدى هاتين العقوبتين، وهو
يمثل الحكم الجزائي، أما الدعوة المدنية
فهي الخاصة بالتعويض حيث يقدر الضرر
ويطالب المتضرر بتعويضه، لكن المشكلة تكمن
هنا في القضاء لأنه لا يتعامل معها كما في
بلدان أخرى، فإلى الآن يُعد القضاء حسب
رأي الخبراء في موضوع الحماية غير مستوعب
لأسس النصوص القانونية الخاصة بهذا
الموضوع، فمثلاً تم تنظيم ضبط بمحلات
تستنسخ أقراصاً مدمجة لشركة ما بطريقة غير
مشروعة فأخذت مديرية حماية حقوق المؤلف
عينات (وليس كل الكمية) لأن المصادرة تتم
من قبل المحكمة، وعندما يرى القاضي عينة
الأقراص المدمجة أو الكتب يعتبرها شيئاً
بسيطاً، يتعامل معها على هذا الأساس ولا
يدرك أنها تكلف أموالاً طائلة بالتالي لا
يحاول معرفة كل التفاصيل، ومن جهة أخرى
يقصّر المحامون في هذا الجانب فلا يعطون
المذكرة حقها بالتفصيل، أو البعض من رجال
القانون يسوغون لصاحب الحق أشياء باطلة
وخاطئة يكتبونها في الدعوى لكسب المال
وعند توكيلهم مرة أخرى يعيدون الصياغة
الصحيحة ويكسبون مرة أخرى، والقاضي بعيد
عن الأمر وأمامه آلاف القضايا، وبالتالي
يترك الدعوى تأخذ مدة طويلة، وبعدها إما
يلجأ الطرفان للصلح أو يهملان المراجعة،
فتوضع الإضبارة في الحفظ وتنام، بالإضافة
لجهل الناس بكيفية مطالبتهم بحقهم المدني
لأن المحامي لا يقدر الأضرار ولا ينبه
موكليه على حقهم في المطالبة بالتعويض.
مشكلة التعويض:
ولذلك تعد الدعوى المدنية مشكلة لعدم
فهمها، وهذا ما أكده الخبير فيكتور نبهان
من المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو)
الذي أتى مؤخراً إلى سوريا واطلع على
الحال من أرض الواقع في المحكمة المدنية،
وباعترافه واعتراف أحد القضاة فإن الكثير
من قضايا حقوق المؤلف لا تحال إلى المحكمة
المدنية مع أن القانون يعطي الخيار
باللجوء إلى الدعوى الجزائية أو المدنية،
وللأسف حتى المحامي لا يعرف ذلك، وغالبية
المشتكين يهمهم التعويض، لكن في القانون
إذا لجأت للدعوة المدنية (التعويض) قبل
الجزائية تسقط الجزائية، صحيح أن الضبط
يذهب تلقائياً للجزائية لأنه جرم لكن
يستطيع المشتكي تجاوزه وتقديم دعوى مدنية
منفصلة والحصول على التعويض، وقليلون من
يفعلون ذلك وعلى حسب الأقوال فلم يفعلها
أحد إلى الآن، يقول مدير حماية حقوق
المؤلف يحيى نداف (أرى في طريقي الكثير من
المحلات التي تقوم بالقرصنة والاستنساخ
غير الشرعي لكن لا أستطيع مخالفة أحد إن
لم يشتك صاحب الحق فأبسط عبارة ممكن أن
يقولها لي ما علاقتك بي، فليس هناك حق
للمديرية بأن تقوم بجولات لوحدها وإعطاء
ضبوط من غير شكوى، فمفهوم المطالبة
بالحماية والتعويض ضعيف ويجب توعية الناس
على ذلك).
الشركات استلطفت القرصنة:
بعض الشركات الكبيرة الخارجية والتي تسوق
منتجاتها داخل سوريا، تعلم بعمليات
القرصنة التي تحدث لكن ذلك لا يؤثر على
أرباحها، والبعض من الشركات المتوسطة
والصغيرة المحلية أصبحت تتفق مع المقرصنين
وباتت تعرض على زبائنها منتجين أحدهما
أصلي (أغلى ثمناً) والثاني مقرصن (أرخص
ثمناً) وتخيرهما علناً أيهما يريد وذلك
لمعرفتها اتجاه المجتمع السوري نحو السعر
الأقل.
لقمة عيش للبعض:
لكن من منظور آخر فهذه المصنفات بكافة
أنواعها بحكم أنها غير موجودة داخل البلد
خاصة ما يخص البرمجيات وأفلام السينما ولا
تُنتج لدينا، فإن الشريحة التي تعمل في
بيع هذه المنتجات المقرصنة تعتمد في
مدخولها على هذه البسطة وتعتبرها مصدر
رزقها، وإذا عممنا الضبط على هؤلاء ربما
تزيد ظاهرة البطالة، ويؤكد ذلك المواطنون
إذ يقول الشاب لؤي: (أفضّل البرامج والكتب
والأفلام المستنسخة لأن مصروفي كطالب لا
يسمح لي بشراء النسخة الأصلية لكتاب أو
برنامج كمبيوتر وإن لم احصل عليهما قد
يعيق ذلك وصولي للدراسات العليا، رغم أني
أعرف أن الأصلي أفضل وأدق)، ويؤيده أبو
هيثم صاحب إحدى محلات الأقراص المدمجة
بقوله: (إذا قست الموضوع على نفسي فإن
الأقراص المدمجة للبرمجيات يكون سعر
النسخة الأصلية من «3000» وما فوق وإذا
أردت إحضاره لأولادي للتعلم فهذا إرهاق
بالنسبة لمدخولي، وبالنسبة لزبائني هناك
من لا يشتري إلا النسخة الأصلية مهما كان
سعرها).
تأمين وتدريس:
وكما يذكر مدير حقوق المؤلف فإن المتلقي
لدينا ضعيف مادياً، حتى المؤسسات العاملة
ضعيفة مادياً فرغم أن النسخة الأصلية أفضل
للأداء ولسلامة الأجهزة إلا أن سعرها لا
يتناسب مع إمكانياتنا المادية، ويقول نداف:
(يجب أن نؤمن النسخ الأصلية حتى نحد من
القرصنة فمثلاً يكون لدي في الجامعة نسخة
واحدة من مرجع ما للطلاب، يستفيد منه في
البحث العلمي «500» طالب)، وأشار أحد
القضاة بأن تدرس قضايا الملكية الفكرية في
المناهج التدريسية، وفي إطار ذلك رفعت
مديرية حماية حقوق المؤلف كتاباً بهذا
الخصوص وطلبت من وزارة التعليم العالي
تضمين منهاج كلية الاقتصاد والحقوق مادة
عن الملكية الفكرية، وربما يكون ذلك حلاً
لانتشار مفهوم حقوق الملكية للمؤلف أو
الشاعر والملحن.. إلخ. بالتالي الحد من
عمليات القرصنة، خاصة كما يقول نداف:
(الحق الأدبي حق أبدي لا يمكن التنازل عنه
بأي طريقة من الطرق).
الجمعية السوريّة لحماية الملكية:
إن انخفاض الوعي العام فيما يتعلق بحقوق
الملكية الفكرية وشيوع سلوك القرصنة كسلوك
اجتماعي مقبول، وكذلك عدم كفاية الأجهزة
والإدارات الحكومية لمتابعة هذا الأمر،
وعدم وجود مركز تحكيم متخصص يستطيع الفصل
في المنازعات بالسرعة الملائمة لهذا
الموضوع، هي من أهم الأسباب التي دفعت إلى
تأسيس الجمعية السوريّة للملكية الفكرية
كإدارة جماعية تستطيع أن تتابع شؤون حماية
الملكية الفكرية بذاتها وتحصيل حقوق
المؤلفين وإيصالها إليهم باعتبار العمل
المدني غير الحكومي هو الأقدر على تحقيق
ثقافة صحيحة في مجال حماية الحقوق
الفكرية، وتأسست الجمعية في عام (2005).
وذكر رئيس الجمعية لـ(أبيض وأسود) أن
الجمعية تعاونت مع منظمات عالمية في سبيل
تحقيق أهدافها في قضايا الملكية، وهي
تراسل الجمعيات العلمية وجمعيات المخترعين
ولكنها تعاني وللأسف من عدم التنسيق داخل
سوريا بينها وبين الوزارات فيصدر قراراً
مثلاً من إحدى الوزارات فتعلم به الجمعية
بعد صدوره دون أن يكون هناك تنسيق ومعرفة
لآراء الأعضاء، وتقوم الجمعية باستقبال
الشكاوى وإحالتها للجهات التي تتعاون معها
مثل اتحاد الناشرين إذا كانت الدعوة تتعلق
بالمؤلفات، وكل دعوة تحيلها للجهة
المناسبة، والآن تقوم الجمعية بإعداد
مشروع (القائمة البيضاء) وهو للمؤلفين
الذين لم تتعرض مؤلفاتهم لأمور القرصنة أو
لأخطاء، بالإضافة لمشروع الابتكارات
الطبية والدوائية.
يقول أيمن محسن رئيس الجمعية السورية
لحماية الملكية الفكرية (من حيث المبدأ كل
الأشخاص يوافقون على موضوع حماية الملكية
لكن من حيث التطبيق العملي هم قلة، فموضوع
القرصنة متفش بشكل كبير والناس يحتاجون
لوعي كبير جداً لوعي أهمية هذه القصة،
ويجب على الكثير من الوزارات أن تستمر
بعقد ندوات عن هذا الموضوع كوزارة الإعلام
والثقافة والتجارة والمالية فالملكية
الفكرية تتناول كافة المجالات).
توصيات:
الخبير فيكتور نبهان: (المستشار في قضايا
الملكية الفكرية لمجلس كيمبرو والشركاء)
مع تأييد بعض القضاة والمختصين في مجال
حماية الملكية، أوصوا في نهاية دراستهم
لواقع حقوق المؤلف في سوريا بعدة أمور
مساعدة لتطوير هذا المفهوم وتخفف مستقبلاً
من حالات القرصنة وهي تلخص مشكلات الحماية
الملكية في سوريا، وحصلت (أبيض وأسود) على
نسخة منها وهي مراجعة وتعديل قانون حقوق
المؤلف في سوريا لعام (2001) كي يتوافق مع
اتفاقية برن وروما وتريبس، تعديل
التعليمات التنفيذية رقم (1275) وإعادة
النظر في إجراءات التسجيل والإيداع،
مراجعة أحكام قانون الجمارك بالنظر إلى
توافقه مع اتفاقية تريبس، التأكد من
اكتساب موظفي مديرية حماية حقوق المؤلف
المرتبط عملهم بالتسجيل والإيداع التدريب
المناسب حول الأوجه الأساسية لقانون حقوق
المؤلف فيما يتعلق بعملهم، تحسين أداء
شبكة الإنترنت ضمن مديرية حماية حقوق
المؤلف، ويجب أن تلعب مديرية حماية حقوق
المؤلف في سوريا دوراً هاماً في توسيع
المعرفة بقانون حقوق المؤلف بين أصحاب
الشأن والمصلحة وبكيفية استخدامه كوسيلة
لتحقيق مصالحهم، ويجب على المديرية أن
تفكر بإقامة دورات إعلامية إلى مختلف
شرائح أصحاب الشأن والمصلحة ببعض المساعدة
من الوايبو إذا تتطلب الأمر، وإنه لمن
المرغوب به أن يتم إعداد وتنفيذ خطة عمل
للسنتين القادمتين في سوريا، كإعداد
الوثائق (كتيبات، بروشورات) من قبل
المديرية وتوجيهها إلى مختلف شرائح أصحاب
الشأن والمصلحة، يجب تشجيع أصحاب الشأن
والمصلحة (كتاب، فنانين، موسيقين) على
التفاوض مع الناشرين وحاملي الحقوق
الآخرين على إعداد نماذج عقود تتضمن الحد
الأدنى من الحماية لحقوقهم ومصالحهم،
اقتراح بتضمين قضايا الملكية الفكرية في
المناهج التدريسية للمعهد القضائي، إقامة
دورات تدريبية للقضاة والطلبة في المعهد
القضائي بالتعاون الوثيق مع وزارتي
الثقافة والعدل، إقامة دورات تدريبية
لموظفي الجمارك لاكتساب المهارات التقنية
والمعلومات الأساسية حول قانون حقوق
المؤلف، وأخيراً وليس آخراً نوصي بأهمية
شديدة بإعداد جدول وبرنامج يتضمن الأعمال
الواردة أعلاه، لأن المتابعة الحثيثة
والتعاون بين كافة الجهات المختصة هي
العامل الرئيسي لنجاح أية خطة عمل. |