أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

12/08/2010

 

كيف تؤثر سياسات سوريا على المصالح الأميركية؟ 

جو معكرون

 

مشاهد كثيرة تحصل في دمشق وفي محيطها الإقليمي تثير اهتمام الإدارة الأميركية منذ فترة. لقاء في العاصمة السورية بين رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي وزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر إلى جانب صورة أخرى جمعت الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ووزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو.
في الأسبوع الأخير من تموز الماضي، بادر مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان إلى الاتصال هاتفيا بالسفير السوري لدى واشنطن عماد مصطفى، ممهدا لاجتماع بينهما عقد في مقر وزارة الخارجية. كانت هناك حشرية فكرية من فيلتمان ازاء هذا الحراك السوري الإقليمي خلال اجتماع دام ساعة و40 دقيقة، تركز الحديث فيه بشكل رئيسي على الملف العراقي، مع جولة سريعة على عملية السلام في الشرق الأوسط.
ويقول مصدر في وزارة الخارجية الأميركية لـ«السفير» انه «من مصلحة الولايات المتحدة القومية إعادة السفير إلى سوريا. الحوار المستدام والعالي المستوى هو عنصر حاسم للأمن القومي»، مضيفا «قرار الإدارة إعادة السفير يعكس التزاما باستخدام كل عناصر الحكم للانخراط مع سوريا. كما يعكس إدراكا بأن سياسات سوريا تؤثر على مجموعة من المصالح الأميركية في المنطقة، ودور سوريا المحتمل باعتبارها شريكا رئيسيا في السلام الشامل في الشرق الأوسط».
منذ زيارة فيلتمان ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي دان شابيرو إلى دمشق في آذار العام 2009، أجمع الجانبان السوري والأميركي على بداية «فصل جديد» في العلاقات الثنائية، وتم الاتفاق ضمنيا على عدم إبراز المشاكل في الإعلام والإيحاء العلني بأن الأجواء ايجابية لإتاحة الفرصة لمواصلة الحوار بهدوء. لكن هذه العلاقة راوحت مكانها: الأميركي يختبر النوايا ويريد إجراءات لبناء الثقة، والسوري يريد مقاربة شمولية في التعاطي، وكانت بالتالي التنازلات الطفيفة تُعطى بالقطارة.
بعد قرار تعيين روبرت فورد سفيرا للولايات المتحدة لدى سوريا، بدأ يتسرب إلى الإعلام النقاش المُغلق حول صواريخ بالستية سورية إلى «حزب الله»، آخرها كان تقرير في 10 نيسان الماضي تبنته الصحافة الإسرائيلية وطرحه علنا وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك في 13 نيسان، معربا عن اعتقاده أن نقل صواريخ «سكود» إلى «حزب الله» سيقوض استقرار المنطقة.
وردا على سؤال حول صحة تقارير «السكود»، قال مصطفى، لصحيفة «واشنطن بوست» في 14 نيسان، إنها «قصة سخيفة» وان هذا الأمر لم يطرحه عليه أي مسؤول أميركي. الرد الأميركي كان باستدعاء وزارة الخارجية القائم بأعمال السفارة السورية في واشنطن زهير جبور في 19 نيسان مع إصدار بيان بعد الاجتماع تحدث بشكل صريح عن صواريخ «سكود» للمرة الأولى. وبعد يومين، قال فيلتمان في جلسة استماع في الكونغرس بأن مصطفى لا يعمل على إيصال الرسائل الأميركية إلى دمشق لكنه تحدث عن صواريخ بالستية ولم يذكر عبارة «سكود» رغم إلحاح النائب غاري اكيرمان في الاستيضاح.
الجانب السوري اعتبر التسريب الأولي انتهاكا لاتفاق عدم إخراج القضايا الخلافية إلى العلن، وان واشنطن طرحت عليه قضايا نقل الأسلحة إلى «حزب الله» والصواريخ البالستية ولم تذكر صواريخ «سكود» قبل لقاء 19 نيسان، بينما الجانب الأميركي يؤكد انه لم يكن وراء إخراج هذه القضية إلى العلن، معتبرا أن نفي طرح القضية في الاجتماعات المغلقة غير دقيق وان سوريا تتجاوز الخطوط الحمر في ميزان النزاع العربي الإسرائيلي ما قد يؤدي إلى حرب في المنطقة. وهكذا تعطلت لغة الحوار بين الطرفين وعادت الشكوك المتبادلة مرة أخرى.
وبحسب مصادر حكومية أميركية تحدثت إليها «السفير»، فإن الإلحاح الإسرائيلي على إثارة قضية «السكود» لم يتوقف، وان البنتاغون كان أكثر المتحمسين لطرحها داخل الإدارة الأميركية قبل أن تطلب وكالة الاستخبارات المركزية وقف الإشارة العلنية لهذا الموضوع لأن لا دليل لديها على دخول هذه الصواريخ إلى الأراضي اللبنانية، بل تقول الاستخبارات الأميركية أن صواريخ «السكود» موجودة في مستودعات سورية ولدى «حزب الله» وصول إليها.
بعدها جرى تواصل بين مصطفى وفيلتمان، وكان تبادل عتاب أو نوعا ما «لقاء مصالحة» في أوائل أيار في أحد الفنادق في نيويورك. لا جديد في هذا الاجتماع سوى محاولة لإعادة بناء الجسور. بعدها حصل اختبار آخر عند زيارة وفد من كبرى الشركات الأميركية في مجال تقنية المعلومات والتكنولوجيا إلى دمشق في حزيران الماضي، حيث تفاجأ الجانب السوري في اللحظة الأخيرة بإضافة اسمين على لائحة الوفد هما مستشارا وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون التكنولوجيا أليك روس وغاريد كوهين. وكان هناك تحفظ سوري على قيام هذين الشخصين بدور مباشر في الدعم الالكتروني للحركة الإصلاحية (الخضراء) الإيرانية. كان الطرفان على وشك إلغاء الزيارة التي يتم الإعداد لها منذ شباط الماضي، لكن الاقتراح الأميركي في الأيام الأخيرة أنقذ الموقف، واقتضت التسوية ببقاء روس وكوهين في عداد الوفد من دون مشاركتهما في اللقاء مع الأسد.
وتبقى القصة الخفية في هذا الملف زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور جون كيري إلى دمشق في 22 أيار الماضي، بحيث ترفض كل الأطراف التعليق على ما جرى في اجتماعه مع الأسد الذي دام خمس ساعات. وتقول مصادر أميركية غير حكومية مطلعة إن مهمة كيري الأخيرة سعت إلى التهدئة بين الجانبين السوري والأميركي والعودة إلى نقطة عدم إثارة القضايا الخلافية علنا، كما استكشف استعداد القيادة السورية لإعادة إطلاق المفاوضات مع إسرائيل من دون اقتراح أي أفكار عملية، في وقت يستعد فيه المبعوث الأميركي جورج ميتشل لزيارة دمشق في وقت قريب. بينما المصادر السورية تؤكد أن الحوار مع واشنطن قد يبقى على ما هو، أي لا تقدم ولكن لن يسوء أكثر، وعدم تدهور العلاقات أمر تحرص عليه واشنطن أيضا.

المصدر:صحيفة السفير اللبنانية  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري