منذ أن أعلن وليد جنبلاط عودته إلى
ثوابته القديمة، وأغلبية الطاقم السياسي،
تسأل عن موقع الرجل في المعادلة، وعن أي
خيار سيلتزم ساحة الحسم، بينما هو يُمارس
لعبته الدائمة في السياسة: الحفاظ على
الهوامش، والتميّز، الذي عنوانه اليوم
التشديد على الحوار الداخلي ثائر غندور
أين موقع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي
النائب وليد جنبلاط؟ في الاجتماع الأول
لوزراء المعارضة أول من أمس، لم يخرج أي
من المجتمعين بجواب عن هذا السؤال. في
اجتماع أمس، وطوال النهار، لم يخرج أحد
بجواب أيضاً. حاذر أفرقاء في الطلب من
جنبلاط أن يؤازرهم عبر استقالة وزرائه
الثلاثة، لسبب بسيط: «الحكومة ساقطة، بأحد
عشر وزيراً، فلماذا نستعين بالوزراء
الثلاثة؟». ردّد وزراء المعارضة هذا
الكلام طوال النهار. المعاون السياسي
للرئيس نبيه بري، النائب علي حسن خليل، لم
يطرح الموضوع مع جنبلاط عندما زاره يوم
أمس. انطلق هؤلاء من مبدأ، لماذا نُساوم
وليد جنبلاط اليوم؟ لماذا ندفع له ثمن أمر
حاصل من دون جميله. طوال النهار شُغلت
أغلبيّة المعارضين بالبحث عن موقع زعيم «الاشتراكي».
حاول هؤلاء تحليل ما قاله الرجل في بكركي.
قالوا إنه منزعج من حركة المعارضة على هذا
النحو، ولأنها لم تستشره. وقالوا أيضاً إن
سوريا تضمن جنبلاط. سأل آخرون: هل يلتزم
نواب جنبلاط ووزاؤه بخياره السياسي؟ هل
يلتزم غازي العريضي هذا الخيار، وهو الذي
يحتاج إلى أصوات مناصري الرئيس سعد
الحريري ليُنتخب نائباً مرّةً أخرى؟ سبب
هذه الأسئلة هو غياب المعلومات عند العديد
من أفرقاء المعارضة. من المؤكّد أن الأمين
العام لحزب الله حسن نصر الله، والرئيس
السوري بشار الأسد ومعاون نائب رئيس
الجمهوريّة اللواء محمد ناصيف يعرفون تمام
المعرفة جواب هذه الأسئلة. وربما كان كلام
أحد وزراء جنبلاط صباح أمس يُجيب عن سؤال
الالتزام بخيار رئيس حزبهم: «نحن لن
نستقيل، إذ لا حاجة لاستقالتنا. لكن وحده
وليد جنبلاط يُقرّر إذا ما كنّا نستقيل أو
لا». يُضيف هذا الوزير: «صحيح أن وليد
جنبلاط حريص على علاقته بسعد الحريري،
لكنّه حريصٌ جداً على حماية المقاومة. وهو
ذهب منذ سنة إلى سوريا لتعزيز العلاقة
معها، لا لأمرٍ آخر». أمّا السؤال الأول
والأساسي، فوحده وليد جنبلاط من يستطيع
الإجابة عنه. وعلى طريقته وأسلوبه في قول
عبارات مختصرة ومعبرة، قال الرجل أمس
بوضوح: «فليرتح الجميع، أنا أُنسّق كلّ
الخطوات مع سوريا». ربما هذه الجملة ستشفي
غليل الكثيرين. أضاف الرجل أن البلد دخل
في طور جديد مع استقالة الوزراء الأحد عشر،
وبالتالي «صرنا في مرحلة جديدة»، ورفض
الإفصاح عن الخطوات اللاحقة، فـ«كل شي
بوقته حلو». لكن هذا لا يلغي واقع أن زعيم
المختارة، الذي حاور بشير الجميّل في ظلّ
الاجتياح الإسرائيلي ثم أعلن نفسه أسير
حرب، يترك دائماً لنفسه هوامش للتحرّك. من
هنا، هو أطلق منذ أول من أمس نداءه للحفاظ
على الحوار الداخلي. وهو كرّر من بكركي
أمس الكلام نفسه بطريقة أخرى، إذ قال: «أريد
أن أعود إلى شيء من الماضي، في أوج الحرب
الأهليّة السيئة الذكر عندما كنا نتقاتل
بين يمين ويسار، بين فلسطينيين وكتائب،
كانت دائماً هناك صلة اتصال بين الأفرقاء،
لم يحدث في تاريخ لبنان أن انقطع الاتصال
بين الأفرقاء. كان هناك اتصال بيني وبين
بشير الجميّل وبيني وبين أمين الجميّل،
بين ياسر عرفات واليمين اللبناني من بشير
إلى أمين وغيرهما. فلماذا اليوم لا نستطيع
أن نتحدث معاً، بل نتكل على الدول الكبرى؟
ممتاز ومشكور الجهد الاستثنائي الجبار
السعودي ـــــ السوري. دخلت قوى ظلاميّة
وعطّلت، فماذا نفعل؟ ماذا نفعل إذا عملت
غداً هذه القوى نفسها في القرار الاتهامي؟
علينا أن نتأكد من الخطوات، وأن نتخاطب،
وأقول بخاصة لبعض القوى في 14 آذار التي
تدلي بتصريحات إنه لم يكن هناك من
اختراقات». ترك جنبلاط مساحةً للحوار،
وأكمل هجومه على بعض قوى 14 آذار من دون
أن يُسمي. هو يقصد القوات اللبنانيّة
ورئيس هيئتها التنفيذيّة سمير جعجع. وبحسب
مقرّبين منه، فإن هذه الزيارة لبكركي التي
كانت مقرّرة، تأتي في سياق أن جنبلاط
يُفضّل أن يكون الحوار مع المسيحيين عبر
رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان، «وبطريرك
الموارنة» نصر الله صفير، ويعزو أحد
المقرّبين من جنبلاط السبب إلى أن «ميشال
عون وسمير جعجع متطرفان، ويُمكن أن يجرّا
البلد إلى الخراب». بينما يصف جنبلاط
اللقاء مع صفير، بـ«التواصل الطبيعي
والتاريخي». ويُضيف في حديث مع «الأخبار»
أنه وضع صفير في «أجواء الأخطار المحدقة
بلبنان والمنطقة، وتحديداً الخطر
الإسرائيلي، وما يحصل في مصر، وشدّدت معه
على أهميّة الحوار الداخلي». وقال أحد
زوّار جنبلاط إن الرجل أبلغ صفير أن
الصراع السُّني ـــــ الشيعي لن يكون
محصوراً بهاتين الطائفتين، بل سيطال البلد
كلّه بكلّ فئاته. في يوم جنبلاط أمس، لقاءٌ
مع السفير السعودي علي العسيري، ولقاء مع
السفير المصري أحمد البديوي. وهو التقى
سفراء دول أخرى كما قال مساءً، مشيراً إلى
أن هذه الجولة من اللقاءات تهدف إلى فهم
كلّ ما يجري من كلّ الزوايا لبناء الموقف
النهائي له، وهو الذي كان قد قال من بكركي:
«لقد اطلعت أمس، وفقط أمس (أول من أمس)،
على الخطوط التفصيليّة للمبادرة السوريّة
ـــــ السعوديّة. وقبل كنا ننادي دائماً
أنا والرئيس (نبيه) بري بأهمية السين
ـــــ سين، واكتشفنا (أول من أمس) تلك
الأهميّة بالتفصيل». لذلك، كرّر مساءً
رهانه على السين ـــــ السين. وعند سؤاله
عمّا بقي منها، أجاب بضرورة الحفاظ على
السقف العربي. |