في الوقت الذي تظهر فيه نتائج مسح دخل
ونفقات الأسرة السورية نجد أن هناك العديد
من الانتقادات للأرقام التي أثارت الجدل،
فإذا كان إنفاق الأسرة على السلع الغذائية
يصل إلى أكثر من 51% في الأرياف فهذا يعني
حسب الاقتصاديين أن هناك فجوة كبيرة بين
الدخل والإنفاق فإذا كان مسح نفقات الأسرة
السورية الصادرة قبل أعوام قليلة ماضية قد
أفاد أن متوسط إنفاق الأسرة السورية نحو
26 ألف ليرة فالسؤال الذي يفرض نفسه: من
أين يوفر أفراد الأسرة ومعيلوها تلك
المبالغ؟ لنفترض جدلاً بعد التشكيك المطول
في هذا الرقم أن إنفاق الأسرة السورية
كذلك فكيف للأسرة أن تردم الفجوة المتسعة
بين معدل الدخل ومستوى الإنفاق الذي قد
يصل وسطياً إلى نحو 50 ألف ليرة شهرياً
على الأقل ولاسيما أن حاجة الأسرة من
السلع قبل خمس أو عشر سنوات تختلف عن
حاجاتها اليوم ففي السابق كانت تحتاج
الأسرة إلى سلع محدودة أساسية ولا نبالغ
إذا قلنا إن ما كان يسمى كماليات أمس صار
اليوم من الأساسيات.
الدكتور والباحث الاقتصادي عابد فضلية
تساءل: هل يعتبر التعليم العالي الخاص
واقتناء الجوال والحاسوب وتوابعه ترفاً،
إذاً فإن مشكلة الأسرة في سورية أنه ليس
لديها ما تنفقه على الأنشطة
الترفيهيةالأخرى، وبالتالي نجد أن ما زاد
نسب الإنفاق وشكل ضغطاً حقيقياً على دخل
الأسرة هو أن جامعاتنا ومدارسنا لم تعد
تخرج كادراً بشرياً قادراً على الدخول في
سوق العمل ولاسيما أن للسوق متطلبات
واحتياجات أساسية تتطلب الإنفاق عليها.
وأضاف فضلية: إنه عندما نقول إن زيادة
الرواتب والأجور حل ونصمت، هذا ليس حلاً
لأن زيادة الدخل يجب أن ترتبط بشكل عام
بزيادة الإنتاجية وبتنوع فرص العمل
وبالحصول على أعمال أفضل تعتمد على مهارة
وبالتالي فإن التدريب والتأهيل هو أحد هذه
الأقنية التي تؤدي للحصول على عمل أفضل
ودخل أعلى، لذا فإن رفع مستوى المعيشة
بالاقتصاد السوري من خلال رفع الرواتب
والأجور يجب أن يرتبط بزيادة الإنتاجية.
وعن نتائج مسح دخل نفقات الأسرة وفق ما
أصدره المكتب المركزي للإحصاء أضاف فضلية:
إن هذه الإحصاءات من المفترض أن تكون
صحيحة ولاسيما أنه ليس لدينا أرقام أخرى
تناقضها، هي أرقام كارثية بالمطلق، فأن
يذهب 42% من إنفاق الأسرة للسلع الغذائية
بالحضر و51% في الريف يثبت أن هذه النسبة
كبيرة مقارنة مع باقي الأسر في الدول
المتقدمة حيث إن متطلبات الأسرة غير
الغذائية في الوقت الحالي أصبحت ذات أهمية
أكبر وقد توازي أهمية الغذاء. هذا من جهة
ومن جهة أخرى رأى فضلية أن هذه الأرقام
والمؤشرات تجعلنا نشير إلى أنه مع ارتفاع
أسعار السلع الغذائية نسبة قليلة فإن
ميزانية الأسرة سوف تهتز بشكل كبير بسبب
حصة الغذاء من إجمالي الدخل والإنفاق في
هذه الحالة نجد أن ارتفاع نسبة الغذاء في
الدخل والإنفاق يؤثر بشكل كبير في مرونة
الطلب على السلع الغذائية، لأنها تشكل
نسبة كبيرة من الدخل والإنفاق، هنا تظهر
أهمية الحفاظ على أسعار السلع الغذائية من
عدم الارتفاع لأن أي ارتفاع ولو بسيطاً
سيؤدي إلى هزة كبيرة نسبياً في قدرة
الأسرة على الإنفاق خاصة على السلع غير
الغذائية.
ولفت فضلية إلى أن هذا الرقم هو متوسط من
جهة ومن جهة أخرى ليس مرتفعاً هذا يعني أن
هناك أسراً تنفق ضعف هذا الرقم وأسراً
أخرى تنفق نصف هذا الرقم، وكلما انخفض
الدخل والإنفاق زادت حصة السلع الغذائية
من الإنفاق وتقلصت حصة السلع غير الغذائية..
وفي سياق متصل قال الاقتصادي د.مطانيوس
حبيب إنه في كل دول العالم يوزع إنفاق
الأسرة ثلثه للغذاء والثلث للسكن والثلث
الأخير لبقية المستلزمات والحاجات وما
تنفقه الأسر السورية على الغذاء هو كارثة
حقيقية لأنه عندما يكون مستوى الدخل
متدنياً، فالأمر الطبيعي أن توجه الأسرة
إنفاقها على المواد الضرورية التي يأتي في
مقدمتها الغذاء فكيف إذا كان أقل من حاجة
الإنسان وقدرته على إشباع جميع حاجاته،
الأمر الطبيعي أن يأخذ مبدأ الأولويات.
وأشار حبيب إلى أن هناك حاجة لزيادة دخل
الفرد في سورية ولو نسبة 10-15% لأنه
بازدياد الدخول يزداد الطلب على المواد
الأخرى والميل الحدي للاستهلاك كلما ازداد
الدخل ازداد الاستهلاك لكن للمواد غير
الغذائية.
وبالعودة إلى ما دعا إليه د.فضلية من
ضرورة توزيع الدخل بشكل أكثر عدلاً وأن
ذلك لا يمكن أن يتم إلا بتدخل الحكومة من
خلال التوظيف والإنفاق على المرافق ذات
النفع العام وعلى الخدمات الاجتماعية
والتي في مجملها تخفف العبء على الأسرة
بالإنفاق |