قصدت إحدى السيدات السوريات قسم
الإسعاف في مشفى دوما الحكومي لإسعاف
أبنها المصاب إثر سقوطه في المدرسة على
ذراعه اليمنى، إلا أن السيدة اضطرت
للانتظار مدة ساعة كاملة قبل أن يتكرم
الطبيب المقيم في قسم الإسعاف في المشفى
المذكور (هـ) بفحص ذراع ابنها، وبعد طلبه
للصورة الشعاعية الخاصة بذراع الصبي
واطلاعه عليها، استنتج بحدسه الطبي أن
الصبي يعاني من كسر زوريقي في ذراعه
اليمنى، ودون إجراء أي علاج مبدئي طلب من
السيدة مراجعة المشفى بعد عشرة أيام في
حال تفاقم سوء وضع ابنها خلال هذه الفترة،
ليتأكد الطبيب من صحة تشخيصه عبر ما قد
يحدث من مضاعفات مع الصبي الذي قدر له أن
يكون شاهداً وسبباً في كشف عدد من الظواهر
السلبية والممارسات اللاأخلاقية لبعض
الأطباء المقيمين في قسم الإسعاف بحق
المرضى في مشفى دوما.
هذه الممارسات التي تتنافى بكل تجلياتها
مع أخلاقيات المهنة والضمير الإنساني،
وتتجاهل أن مهنة الطب تتطلب قدراً كبيراً
من الرحمة وشعوراً بالمسؤولية، فالأطباء
إنما هم أوصياء على أرواح البشر، ولكن
يبدو أن ذلك بات وصفاً لا يتصل بالواقع في
كثير من المشافي العامة في سورية. ومن
أبرز الظواهر السلبية التي يعاني منها قسم
الإسعاف في مشفى دوما؛ غياب الخبرة الطبية
وانعدام الكفاءة.
الكبرياء يغلب الشرف
بالعودة إلى يد الصبي، فإن والدته لم
تطمئن لتشخيص الطبيب المقيم (هـ)، فقررت
عرض ابنها على طبيب مختص في قسم العظمية
في المشفى نفسه، وبمجرد اطلاع الطبيب
المختص (ج.ر) على الصورة الشعاعية أكد
للسيدة أن نوع الكسر الذي تعرضت له ذراع
أبنها ليس «زورقياً» بل هو من نوع «المشاع»
ويحتاج إلى علاج فوري عبر تجبيره بالجبص،
وبعد التشخيص السريري أعطى الطبيب المختص
(ج.ر) السيدة ورقة طبية أوضح فيها نوع
الإصابة وطريقة علاجها وطلب منها أن
تقدمها للطبيب المقيم في قسم الإسعاف (هـ)
ليتخذ الإجراءات الطبية اللازمة.
لم يرق تصرف السيدة الخائفة على ابنها
للطبيب المقيم (هـ)، وكذلك لم يرق له
تصحيح الطبيب المختص (ج.ر) لتشخيصه الخاطئ،
فرفض علاج الصبي وطلب من والدته أن تعود
في اليوم التالي أو فلتجد من يعالج ذراع
أبنها في مكان أخر.. متجاهلاً بذلك ألم
الصبي وذراعه المتورمة ولهفة الأم الخائفة
على أبنها، فما كان من السيدة إلا أن عادت
إلى قسم العظمية وأخبرت الطبيب المختص (ج.ر)
برفض الطبيب المقيم في قسم الإسعاف (هـ)
علاج أبنها. فتعاطف مع خوف الأم على أبنها
وتوجه إلى قسم الإسعاف وطلب شخصياً من
الطبيب- الذي منعه كبرياؤه من الاعتراف
بخطئه والتزام شرف المهنة- القيام بواجبه
بعد أن أوضح له الخطأ الذي حدث في تشخيصه
لحالة الصبي، وكذلك طلب من السيدة إخباره
في حال استمر الطبيب المقيم في قسم
الإسعاف (هـ) في تجاهل ألم أبنها، إلا أن
الطبيب المقيم (هـ) استمر بتجاهل السيدة
وأبنها رغم التورم الواضح بالعين المجردة
في ذراع الصبي وخرج من غرفة الإسعاف إلى
حديقة المشفى للاستجمام دون أدنى شعور
بالمسؤولية أو تأنيب الضمير، علماً أن قسم
الإسعاف ممتلئ بالمرضى الآخرين الذين
ينتظرون استيقاظ ضمير هذا الطبيب الذي
تناسى آداب مهنته.
الخوف هو المحرك الوحيد
لم يخرج الطبيب المقيم من حالة تجاهله
لنداء الواجب سوى ظهور ملامح الغضب على
وجه الأخ الأكبر للصبي المصاب، والذي وصل
لاحقاً إلى المشفى وعرف ما حدث مع والدته
وأخيه، وتوجه مباشرة إلى الطبيب المقيم
(هـ) وأخبره بأن سيتقدم بشكوى رسمية إلى
الجهات المعنية في وزارة الصحة ويطلعهم
على ما يعانيه المرضى في قسم الإسعاف في
مشفى دوما.
نتيجة شعور الطبيب المقيم (هـ) بحرج
الموقف الذي وضع نفسه فيه، بدأ يلقي
الأعذار واللوم على الطبيب المختص (ج.ر)
رغم تصحيحه لأخطائه في التشخيص، وبرر
تقاعسه عن تلبية نداء الواجب باعتقاده أن
الطبيب المختص سيتولى علاج الصبي رغم أن
هذا الصبي يقف في قسم الإسعاف وأمام
ناظريه لأكثر من ساعتين وهو يتلوى من
الألم، وأجبره الخوف في نهاية الأمر على
القيام بواجبه وعلاج الصبي- مجبراً لا
طواعية- وسط ذهول جميع من كان متواجداً في
قسم الإسعاف من ممرضات ومرضى كانوا يعانون
اضطرارهم للخضوع لطبيب مستهتر، فوجدوا في
ذلك عزاءً عما عانوه في ذلك اليوم الطويل
وهم ينتظرون دون جدوى استيقاظ ضمير طبيب
الإسعاف!.
في الإسعاف أيضاً
تقول أحدى الأمهات التي أجبرها فقرها على
اللجوء إلى قسم الإسعاف في مشفى دوما
لعلاج طفلها المريض: إنها اضطرت للخروج من
الغرفة التي يعالج بها أحد الأطباء
المقيمين طفلها وهي تبكي لأنها لم تستطع
تحمل ما يتعرض لها ابنها من قسوة على يد
المعالج الذي صفع طفلها كي يكف عن البكاء،
وكأن بكاء الطفل كان دلالاً لا ألماً،
وكأن الطبيب يعالج طفلها في عيادته الخاصة
مجاناً وليس في مشفى عامة يفترض أن يحصل
فيها المواطنون على كل الخدمات الصحية دون
تذمر من أحد.
وتضيف موضحةً أنها لو كانت قادرة على دفع
تكاليف المشفى الخاص أو فاتورة عيادة
الطبيب لما اضطرت هي وطفلها لتحمل قسوة
هذا الطبيب لكن «اليد قصيرة والعين بصيرة».
ويقول أحد مراجعي قسم الإسعاف في مشفى
دوما (أ.ال) إنه وجد قسم الإسعاف خالياً
من أي طبيب مقيم من الأطباء المناوبين
مساءً عندما أسعف جده إثر نوبة قلبية تعرض
لها، ويتابع حديثه ليسلط الضوء على غياب
النظافة عن هذا القسم حيث «الشراشف» التي
فقدت بياضها لكثرة ما تعاقب عليها من مرضى
دون تغيير رغم ما قد يعلق بها من جراثيم
خطيرة قد تنتقل إلى أشخاص آخرين.
المرضى فئران التجارب!
من الظواهر السلبية الأخرى التي يعاني
منها قسم الإسعاف في مشفى دوما، غياب
الكفاءة والخبرة لدى الأطباء المقيمين
وعدم وجود أي طبيب على قدر كاف من الخبرة
والكفاءة للإشراف على هذا القسم، وذلك
باعتراف أحد الأطباء المقيمين الذي أوضح
أن معظم الأطباء المقيمين في قسم الإسعاف
هم من الأطباء الجدد الذين لم يكتسبوا بعد
خبرة كافية لعلاج الأمراض وتشخيص بعض
الحالات المعقدة، وأكد كذلك أن معظم
الأطباء الجدد يحضرون للتعلم من بعضهم
البعض بالحديث والنقاش عن الحالات التي
تمر عليهم يومياً، دون وجود أي طبيب قديم
يمتلك خبرة كافية ليشرف على أداء الأطباء
الجدد، ويصحح ما قد يقعون فيه من أخطاء
ربما تكون قاتلة أحياناً.
وأضاف أن قسم الإسعاف يعاني أيضاً من قلة
عدد الكادر القائم على رأس عمله، حيث أن
عدد الأطباء فيه قد لا يزيد عن الاثنين في
أحسن الأحوال، على الرغم من الأعداد
الكبيرة من المرضى الذين يقصدون قسم
الإسعاف في مشفى دوما يومياً.
ويؤكد الطبيب أن هذه المشاكل التي يعاني
منها قسم الإسعاف في مشفى دوما منتشرة في
معظم أقسام الإسعاف في المشافي الحكومية،
وهو ما يضع عدداً من الأسئلة برسم جميع
المعنيين في وزارة الصحة وغيرها: ألا
تحتاج أقسام الإسعاف في المشافي الحكومية
إلى اهتمام أكبر لما لها من أهمية كبيرة
ودور في تقديم الخدمات الطبية للمرضى ذوي
الدخل المحدود والذين يستحقون كل عناية؟.
وهل مجانية الخدمات الطبية التي تقدمها
هذه المشافي تغفر قلة الاهتمام الذي تشهده
أقسام الإسعاف فيها؟ وإلى متى سيضطر أصحاب
الدخل المحدود لتحمل أخطاء الأطباء الذين
نسوا أنهم أوصياء على حياة البشر؟ وكم من
الأرواح يجب أن تزهق حتى يدرك المعنيون
أهمية هذا الأقسام وضرورة تزويدها
بالكوادر والإمكانيات الطبية المناسبة
وذات الكفاءة بحيث يمكن لأقسام الإسعاف
الوفاء بواجباتها على أكمل وجه؟ أم أننا
وصلنا إلى وقت باتت فيه الصحة تاجاً على
رؤوس من يستطيعون دفع ثمنها وفقط؟!.
يقول أحد الأطباء لـ «قاسيون» إن هذه
المشاكل منتشرة في أغلب مشافي ريف دمشق
والمحافظات، وسبب ذلك قلة الأطباء
المقيمين يؤدي ذلك إلى دوام بعض الأطباء
المقيمين في أقسام لا تخص اختصاصه مثلاً:
طبيب نسائية في إسعاف الجراحة، ويرى أن
المطلوب من وزارة الصحة العمل على فرز
أطباء اختصاصيين في الأقسام الحساسة في
المشافي وإلزامهم بالدوام في (الإسعاف،
والجراحة، والحوادث، والداخلية، وإسعاف
الأطفال، والعناية والمشورة).
والقول في النهاية إن مشافي وزارة الصحة
السورية أصبحت، في ظل غياب الإدارة الجيدة
والاهتمام الحقيقي بمشكلات الناس وحقوقهم
بنيل الطبابة المجانية، دار لؤم بدل دار
استشفاء، ودار تعيير وليس دار عناية
وتقديم خدمات اجتماعية، ببساطة والقول
للقائمين على وزارة الصحة: إن مشافيكم
تسيء لمرضى السوريين، وبعض أطباء هذه
المشافي المسعفين يمننون المرضى وكأنهم
يدفعون أجور الخدمات الصحية من جيوبهم..
واستمرار الوضع على هذا الشكل لم يعد
مقبولاً أبداً، فاعملوا على حله قبل أن
تفقدوا شرعية تسمية وزارتكم وتتحولوا إلى
تجار مرض بدل مناهضين له!. |