بعدما نجحت قوى 8 آذار ومن يدعمها في
الخارج في اسقاط حكومة الرئيس الحريري
بالوسائل الديموقراطية والدستورية وكانت
قد نجحت من قبل في شل حكومة الرئيس
السنيورة واغلاق ابواب مجلس النواب وان
بطرق غير مشروعة، هل ستنجح في اسقاط
المحكمة وهو هدفها الاساسي؟
يقول بعض المراقبين ان قوى 8 آذار
والمتحالفين معها سيمضون في السير ليس نحو
اسقاط المحكمة، لان هذا يتجاوز قدرتها،
انما نحو اخراج لبنان منها بوقف التمويل
وسحب القضاة اللبنانيين منها.
لذلك، فإنها لا تمانع في ان يعاد تكليف
الرئيس الحريري تشكيل حكومة جديدة شرط ان
يعلن ان تشكيلها سيكون على اساس سحب لبنان
من المحكمة والا اضطرت الى تسمية سواه
رئيسا للحكومة الجديدة يقبل بهذا الشرط،
تماما كما حصل مع المغفور له الرئيس رشيد
كرامي عندما شكل حكومة على اساس الاعتراف
باتفاق القاهرة.
والحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها على
اساس سحب لبنان من المحكمة الدولية قادرة
في نظر قوى 8 آذار على ان تجمع اكثرية
نيابية تمنحها الثقة، وهذه الاكثرية تتألف
من كل المذاهب والمناطق. ولكي تبقى على
موقفها من اعتماد "الديموقراطية التوافقية"
فإنها مستعدة لان تعرض على قوى 14 آذار
المشاركة في الحكومة لكن بنسبة تمثيل اقل
من النسبة التي لها في الحكومة الحالية،
فإذا رفضت ذلك، تكون قد ابعدت نفسها
بنفسها عن المشاركة فيها وفضلت ان تكون في
مقاعد المعارضة.
اما اذا كان لرئيس الجمهورية موقف من
حكومة لا تنطبق عليها صفة حكومة وحدة
وطنية، ولم يوافق على حكومة اللون الواحد،
وكان هذا شرطه، انسجاما مع موقفه الثابت
الذي تمسك به عندما كلف الرئيس الحريري
تشكيل حكومة تتمثل فيها كل القوى السياسية
الاساسية في البلاد وحدد اتفاق الدوحة حصة
كل من هذه القوى، فقد يكون عندئذ لقوى 8
آذار والمتحالفين معها موقف من رئيس
الجمهورية نفسه بحيث يحولون الازمة
الوزارية التي يستعصي حلها ازمة حكم ويصبح
مصير الرئاسة الاولى بالذات مطروحا...
وتقول اوساط قوى 8 آذار من جهة اخرى ان
رئيس الجمهورية كان قد اعلن قبل ان تظهر
نتائج الانتخابات النيابية عام 2009 انه
يستعد للتعاون مع اكثرية نيابية تنبثق
منها، وها ان هذه الاكثرية قد تنتقل من 14
الى 8 آذار وعليه التعاون معها.
واذا نجحت قوى 8 آذار والمتحالفون معها في
تشكيل حكومة تحظى بتأييد الاكثرية
النيابية، فانها ستكون حكومة سحب لبنان من
المحكمة الدولية واعتباره غير معني بما
يصدر عنها.
لكن قوى 14 آذار لا ترى ان الامر سيكون
بمثل هذه السهولة، وتكون قوى 8 آذار
مستعدة لتحمل مسؤولية ادخال البلاد في
ازمة وزارية تحسب لها اتفاق الدوحة عندما
منع استقالة الحكومة او الوزراء منها،
لانها حكومة استثنائية لظرف استثنائي، اما
وقد خالفت قوى 8 آذار هذا الاتفاق، فبات
على الدول التي شاركت في وضع هذا الاتفاق
ان تتصرف مع قوى 8 آذار، خصوصا عند تعذر
الخروج من الازمة الوزارية ويغدو لبنان
معرضا لأزمة حكم لا خروج منها الا بطائف
جديد يعيد النظر في توزيع الصلاحيات بين
السلطات على نحو اكثر توازنا ويكون
للطائفة الشيعية بموجب هذا التوزيع دور
المشاركة مع الطائفتين المارونية والسنية
في التوقيع على المراسيم والقوانين...
وكما استطاعت قوى 8 آذار، وهي اقلية،
تعطيل تشكيل حكومة من اكثرية 14 آذار
واصرت على تشكيل حكومة وحدة وطنية، فان في
استطاعة قوى 14 آذار اذا اصبحت اقلية
مثلها ان تعطل تشكيل حكومة لا تتمثل فيها
تمثيلا صحيحا، وان تسمي هي وزراءها فيها.
يبقى هناك عامل آخر يجب اخذه في الاعتبار
في رأي اوساط سياسية متابعة وهو الصدور
المرتقب للقرار الاتهامي الذي كان يُخشى
ان يثير ازمة وزارية عند صدوره، فاذا بهذه
الازمة تسبق صدوره بسبب وزراء قوى 8 آذار
الذين ظلوا يصرون على البحث في تسوية
تحتوي تداعياته المحتملة قبل صدوره وليس
بعد صدوره.
اما وان الازمة الوزارية انفجرت، فان
القرار الاتهامي سيصدر ابان هذه الازمة
وربما في ذروة حدتها، ويكون لصدوره
تداعيات من نوع آخر يمكن احتواءها على
اساس ما توصلت اليه المساعي السعودية –
السورية ومنها ان يصدر في اجتماع موسع
يعقد في القصر الجمهوري ويحضره ممثلون عن
كل القوى السياسية الاساسية في البلاد
ويصدر عنه بيان يعلن عدم اتهام "حزب الله"
والطائفة الشيعية بجريمة اغتيال الرئيس
الحريري ورفاقه ايا كان المتهَمون الواردة
اسماؤهم في القرار الاتهامي، وان يتم في
المقابل سحب مذكرات التوقيف القضائية
السورية، ويتم على اثر ذلك تشكيل حكومة "وحدة
وطنية" جديدة على اساس تنفيذ مضمون هذا
البيان بكل بنوده، على ان يبقى السلاح في
يد "حزب الله" مع ضمانات اكيدة وموثوقة
بعدم استخدامه في الداخل لأي سبب من
الاسباب، حتى اذا ما استخدم كان للدول
الضامنة موقف من الحزب.
وترى الاوساط نفسها ان التوصل الى تسوية
لأزمة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
سيكون اسهل بعد صدور القرار الاتهامي منه
قبل صدوره، لان الخلاف كان على تسوية تتم
قبل صدور القرار، اما وقد بات صدوره
متوقعا ابان الازمة الوزارية، فان الخروج
منها يكون بتدخل دول شقيقة وصديقة من اجل
التوصل الى تسوية تحتوي ردود الفعل عليه،
وتُخرج لبنان بالتالي من هذه الازمة، لا
يموت فيها ذئب طرف ولا يفنى غنم طرف آخر،
لانه على مدى تاريخه لم يحكم بسياسة غالب
ومغلوب بل سياسة لا غالب ولا مغلوب. |