أليس من حقنا أن نسأل رجال الدين
الأفاضل المسلمين منهم والمسيحيين الذين
سيحضرون أعمال المؤتمر الإسلامي المسيحي
في قصر المؤتمرات بدمشق يوم غد الأربعاء
عن النتائج التي أسفرت عنها الحوارات
والمناقشات الدينية التي جرت في المؤتمرات
والندوات الدينية التي عقدت في الماضي
البعيد والقريب وما سوف يعقد منها مستقبلاً؟
أليس من حقنا أن نسألهم عن مصير تلك
القرارات التوصيات التي خرجت بها ؟ وهل
تحقق أي منها؟ وما هو مصير القرارات
والتوصيات التي سيتخذونها غداً؟ هل ستأخذ
طريقها للتنفيذ ؟ أم ستبقى حبراً على ورق
كمصير القرارات والتوصيات التي خرجت عن
المؤتمرات السابقة؟
نسألهم عن جدوى انعقاد تلك المؤتمرات
والندوات الدينية، إذا كنا أساساً نعمل
على التفريق بين أتباع الديانات منذ الصغر
ونغرس في نفوس أولادنا ونربيهم في البيت
والمدرسة على أن هذا الدين هو الدين
الصحيح، ونفرق بينهم في مقاعد الدراسة،
فيخرج التلميذ المسيحي من قاعة التدريس
أثناء درس الديانة في بعض المدارس إلى
قاعة أخرى، ويخرج المسلم في بعضها الأخر..
فأي أمل وأي نتيجة ننتظرها من عقد تلك
الندوات والمؤتمرات بعد هذا التفريق
القسري بين أبنائنا الصغار على أساس ديني؟
وهل من أمل نرجوه من تلك الحوارات بعد أن
نحشو تلك العقول الصغيرة بالتفرقة
والتمييز؟
لقد نشأنا وتربينا على التمييز والتفرقة،
وحفرت تلك التربية عميقاً في عقولنا،
ومازالت تفعل فعلها في أولادنا الصغار، ثم
بعد أن كبرنا تطلبون منا التوحد والتعايش
والتآخي والحفاظ على العيش المشترك فيما
بيننا وأننا أخوة في الدين، وأن الدين من
عند الله، فأي معنى لما ستطلبونه منا، إذا
كنتم في الأساس زرعتم في نفوسنا وعقولنا
منذ الصغر أن هذا مسلم وذاك مسيحي أو
يهودي أو سني وشيعي، أو أرثوذكسي
وكاثوليكي.. وتفصلون بيننا قسراً في دروس
الديانة؟ هل تتوقعون منا الإصغاء إلى تلك
الدعوات ؟ وهل تتوقعون أيضاً من أولادنا
أن يستجيبون لدعواتكم عندما يكبرون، بعد
أن تربوا ونشئوا على عادات وتقاليد تفرق
لا توحد حفرت عميقاً في عقولهم..!؟
إذاً ما الحل؟ الحل برأيي هو في استبعاد
مقرر التربية الدينية من المناهج المدرسية،
وإذا كان تحقيق ذلك متعذراً في الوقت
الحاضر، فإني أقترح تعديلاً في مقرر
التربية الدينية، تعديلاً يسمح بأن يجمع
بين دفتيه القيم الروحية والأخلاقية
المشتركة بين إتباع الديانات السماوية
والتراث الإنساني، نعلمها لأولادنا منذ
الصغر ونربيهم عليها حتى يكبروا،وعندها
بالتأكيد لن نكون بحاجة إلى تلك المؤتمرات
وتلك الندوات التي مازال كل طرف فيها
متمرساً خلف مواقف مسبقة يعتقد أنها الأصح،
ولن يكون أولادنا أيضاً بحاجة إلى من
يدعوهم عندما يكبرون إلى الحوار
والتلاقي.لأنهم يكونوا أساساً قد تربوا
على التلاقي والوحدة انطلاقاً من تلك
القيم المشتركة والجامعة بين أتباع
الديانات. فالمشكلة ليست في الكتب
السماوية المتقاربة في مضمونها إلى حد
التماثل، بل المشكلة هي في تلك الاجتهادات
والتفسيرات التي تباعد بين الأديان،
والمشكلة الأكبر تتمثل في عدم رغبة البعض
بعكس ذلك التقارب والتماثل في عقول الناس
وممارساتهم اليومية.
وحتى لا يفهم من كلامي هذا أنني ضد أي دور
لرجال الدين في مجتمعنا، بل مع الدور
الحقيقي والصحيح لرجل الدين وما يجب أن
يكون عليه الدور الذي يجب أن يؤديه سواء
داخل الكنيسة أو الجامع أو في أي مكان
أخر،هو في توجيه الإنسان إلى الالتزام
بمنظومة القيم الروحية والأخلاقية، وإلى
الوقوف بوجه الانحراف والفساد بكافة
أشكاله سواء كان في السلطة أم في المجتمع
ومقاومة الاحتلال والسعي لتحرير المجتمع
من سطوة الجهل والظلم..الخ
إن حاجتنا اليوم تزداد إلحاحاً إلى وجود
مدراس ومعاهد تهتم بالتربية والتعليم
وتحسين نوعيته خاصة في مجال العلوم
الحديثة كالتقانة والمعلوماتية والحاسوب
والإلكترونيات، التربية الوطنية، وحدة
المجتمعات وسلامتها واستقرارها،البيئة و
التلوث و تدهور الموارد الطبيعية، التربية
السكانية، الصحة و الجنس و الأمراض
المصاحبة " مثال الإيدز"، المخدرات و
الوقاية منها عن طريق التوعية... وذلك
بدءاً من المرحلة الابتدائية مروراً
بمرحلة التعليم الأساسي والثانوي وصولاً
إلى التعليم الجامعي والعالي، وربط ذلك
بسوق العمل وبما يتناسب ومتطلبات التنمية
الوطنية القادرة على المنافسة..
وإن حاجتنا اليوم تزداد أهمية قصوى إلى
وجود حوارات ومؤتمرات وندوات مدنية ترعاها
وتشجع عليها الدولة، على الأقل أسوة بتلك
المؤتمرات والندوات الدينية،حوارات تقوم
على قاعدة مبدأ المواطنة بصرف النظر عن
الجنس واللون والعرق أو انتماء سياسي
أوديني بعيداً عن أي إكراه أو إلغاء . |