نبالغ حين نقول إن ظاهرة الفساد ازداد
تفشيها في القطاع الصحي بشكل خطير لا يدمر
مكتسبات المواطن السوري خلال عقود طويلة
بالمعالجة المجانية والصروح الصحية
والعلمية الطبية التي تفاخر بها سورية
أمام كل دول العالم فقط، بل هناك خطورة
شخصية وجسدية يتعرض لها المرضى قد تتسبب
بكوارث اجتماعية حقيقية تهدد سلامة
المجتمع والدولة. ولا نخطئ إذا قلنا إن
هذا الفساد مبرمج وممنهج ومحمي بالتنفذ
والعلاقات المتبادلة، وغايته تتجاوز
الإثراء غير المشروع إلى ضرب أية نتائج
إيجابية محتملة لوجود رعاية صحية ناجحة
وصحيحة، وتحويل كل المكتسبات إلى مصلحة
شخصية انتهازية واستغلالية. مجرد نموذج
ترصد وزارة الصحة ما يعادل /7/ مليارات
ل.س سنوياً لتأمين الدواء مجاناً
للمواطنين، إلا أن المستهدَفين لا يصلهم
من هذه المليارات إلا جزء، والباقي يذهب
لجيوب المتنفذين والمسؤولين الفاسدين،
نقداً أو دواء أو مكاسب عينية لهم
ولخاصتهم. حول نموذج واحد من هذا الفساد
المبرمج والممنهج والمحمي بالمنصب، أو
الحظوة لدى أصحاب منصب، وصلت إلى «قاسيون»
صورة عن رسالة من الأطباء المقيمين
واختصاصيي الجلدية في دمشق وسورية عموماً،
إلى وزير الصحة وأصحاب القرار يشكون فيها
ظاهرة فساد إداري وأخلاقي واستغلال وتسلط،
يمثلها (حسب الرسالة) الطبيب (...) الذي
يشغل عدة مناصب أهمها مدير الهيئة العامة
لمشفى الهلال الأحمر السوري حالياً، بعد
أن كان رئيس المركز التخصصي للأمراض
الجلدية والتناسلية في الزاهرة، ومقرر
اختصاص الجلدية في وزارة الصحة، ورئيس
لجنة الامتحان التي بموجبها يتخرج الأطباء،
وهو المتحكم الوحيد بنتيجة المقابلة
الشفهية التي يجريها، وغالباً ما تكون
النتائج بعيدة عن المنطق والعلم، وتعتمد
على آرائه الشخصية ومدى رضاه عن المقيم
وموالاة الأخير له، وغالباً ما يأخذ أوراق
فحص السلايدات إلى بيته، ولوحظ تغيير في
الكثير منها ليرسِّب أو ينجِّح أحد
المتقدمين للامتحان، بينما باقي أعضاء
اللجنة ينصاعون لأمره لأنه يهددهم
بأولادهم وبأنفسهم بأن له ارتباط
بالمخابرات (يقولها علناً) وأن كل
المسؤولين في الأمن أصدقاؤه، وتم توقيع
الرسالة من ثمانية عشر طبيباً مقيماً
وأخصائياً (يوجد لدى «قاسيون» صورة عن
الرسالة وأسماء وتواقيع الأطباء). وكانت
لـ«قاسيون» فرصة لقاء عدد من الأطباء
الموقعين على الرسالة، وغيرهم من المقيمين
والأخصائيين الذين حدثونا بشهادات حية عن
تسلط صاحب المناصب المذكورة. لجنة
الكوليكيوم ـ طبيب مختص قال: «تضم لجنة
الكوليكيوم حالياً أصدقاء (...) المقربين
مثل (x) الحائز على شهادة اختصاص فقط، ولا
ندري كيف تم تعيينه رئيساً لقسم المجتهد،
وهو معروف من جانب المقيمات والممرضات
بتحرشاته وطريقة حديثه التي لا تخلو من
الألفاظ الجنسية مع المقيمات، ومع ذلك فهو
عضو في لجنة تخريج الأطباء ويدور الحديث
بين أوساط المتخرجين أنه يتقاضى 100 ألف
ليرة سورية للنجاح في الكوليكيوم، وعلى حد
قول المتخرجين إنه كان يقول إن المال ليس
له وحده، بل له ولـ(رئيسه). وهناك على
الأقل نموذج واحد شاهد على ذلك، وهو أنه
طلب من زميلة لنا مبلغ 100 ألف ليرة سورية
لإنجاحها، فذهبت وطلبت النصح من زميل آخر
لنا وأنها لا تملك هذا المبلغ فماذا تفعل؟!
ووصل هذا الخبر لـ(x) الذي اتصل بها وقال
لها إن 100 ألف ليرة سورية لم تعد تكفي،
بل يجب أن تدفع 300 ألف ليرة سورية، ثم
عادت لتستشير زميلها وقالت له الشرط
الجديد للنجاح، وبعد فترة عاد (x) واتصل
بها وقال حتى 300 ألف ليرة سورية لم يعد
يقبل بها (...)، بل عليك الذهاب إلى بيروت
فهناك شقة خاصة في عنوان محدد وعليك أن
تقابليه هناك». ـ طبيب آخر قال: «نجاح
الطلاب في المقابلة لا يتم أبداً على أساس
مقدرتهم العلمية وإنما على أساس ولائهم له
ودرجة الأذى الذي يلحقونه بالمقيمين
الآخرين، أو بحسب واسطاتهم ودرجة أهميتها،
أما بالنسبة للبنات فهي بحسب الشكل ومقدار
التجاوب و.. و، وكم من مقيم استحق النجاح
بتفوق وكان ترتيبه في الامتحان النظري
الأول أو الثاني ولكنه رسب في المقابلة،
بينما نجح أطباء يعرف الجميع عدم كفاءتهم
وعدم معرفتهم بأي شيء له علاقة باختصاص
الجلدية، وكم هذا خطير على صحة المواطنين
الذين سيحتاجون يوماً لرعاية طبية لن
يستطيع هؤلاء الأطباء تقديمها لهم. وما
حدث في امتحان الكلوليكيوم الأخير خير
دليل على ذلك، إذ بعد صدور نتائج الامتحان
النظري كانت إحدى الطبيبات المقيمات في
مشفى الهلال الأحمر السوري أول الناجحين،
لأن (...) كان يوم الامتحان واقفاً فوق
رأسها ويشير بإصبعه للإجابات الصحيحة
الواحدة تلو الأخرى. وكان هناك الكثير من
النتائج الظالمة للآخرين، ورفض وزير الصحة
النظر لالتماس رفعه المقيمون اعتراضاً على
نتائجه، وقد ظهرت الحقيقة عند الفحص
الشفهي، السلايدات والمقابلة أمام اللجنة
التي لم يكن موجوداً فيها (...) ولكنه
أعطى تعليمات بدعمها ومساندتها، ولكن
معلوماتها لم تسعفها لتخطي فحص المقابلة
ولا تستحق النجاح، وعندما وصل الخبر له
اتصل بأحد الأطباء في اللجنة الامتحانية
موجهاً التوبيخ والإهانات، واتصل بكل من
له صلة بقرار النجاح وقام بالالتفاف على
نتائج الاختبار واللجنة الفاحصة بمساعدة
أعوانه في موقع المسؤولية قبل صدور القرار
النهائي للتخرج، وعمل على استصدار قرار
موقع من وزير الصحة بإنجاح تلك الطبيبة،
ولرد الظلم الذي وقع عليها قال إنه سيقوم
بتكريمها في أحد فنادق دمشق الفاخرة».
تصرفات مافياوية ـ طبيب مختص قال: «حين
كان د. (...) في المركز التخصصي للأمراض
الجلدية والتناسلية، كان ينتقي أعواناً له
من بعض الأطباء المقيمين الذي يهابون
سلطته وسطوته المزعومة، وينقلون أخباراً
ملفقة عن أحد الأطباء، فيقوم بتوبيخ
وإهانة المتهم دون التحقق من صحة الأخبار،
وكان يمارس استبداده بروح عسكرية فقد قال
حرفياً: (أنا رئيس مركز عسكري والأطباء
المقيمين مجندين عندي واللي ما عجبو يغير
اختصاصو) وقد هدد أكثر من مرة بأنه سيجلب
سوطاً سيصنعه من جلد الغزال ليجلد به
المقيمين، وكان لكل طبيب مقيم رقم معين
يناديه به ويكتبه على كرسيه الخاص الذي
ينقله معه عند انتقاله من ستاج إلى آخر،
وكان يرتكب العديد من الأخطاء الطبية
ويرفض حتى مناقشة وجهات النظر الأخرى». ـ
طبيبة مقيمة قالت: «قام بإبعاد العديد من
الأطباء الأخصائيين ذوي الكفاءة العالية
وحجّم دور البقية، وأذِن للمقربين منه
بعدم المجيء إلى المركز وأعفاهم من الدوام،
وكان يحصر صرف العديد من الأدوية المتوفرة
بالمركز بشخصه فقط، وكان يمنع كتابة أدوية
لشركات معينة ويفرض على المقيمين كتابة
أدوية لشركات أخرى مقربة منه وله عمولات
منها، وكذلك الأمر بالنسبة للخزعات
والتحاليل إذ كان يوجهها إلى مخابر خاصة
معينة دون غيرها، ومع انتقاله إلى مشفى
الهلال الأحمر اختفى جهاز التخثير
الكهربائي الذي جُلِب حديثاً إلى المركز
التخصصي، وزعم حينها أنه سلمه لإدارة
المخابرات العامة، أما جهاز الليزر
الموجود في المركز فكان يجبر المقيمين على
القول للمرضى إنه عاطل إلا لمرضى عيادته
الخاصة، كما حصل على موافقة لتطبيق دواء
الريميكيد الذي يكلف الوزارة 700 ألف ليرة
سورية للمريض الواحد، بينما لا يوجد في
المركز مخبر فطور أو تشريح مرضي، مع العلم
أننا لا نقف موقف الضد من توافر هذا
الدواء، ولكن هناك أولويات وحسب إمكانات
المركز ومتطلباته». العلم بالواسطة وليس
حسب الكفاءة ـ طبيبة مقيمة أخرى قالت: «أما
من الناحية السريرية فلا يوجد مراعاة لأي
تسلسل، فقد يكون رئيس العيادة مقيماًفي
السنة الأولى، وتحت إمرته مقيمو السنة
الثالثة والرابعة، وذلك حسب درجة ولائهم
له على حد قوله شخصياً، وكان يوزع
الستاجات ليس على أساس الاستحقاق والترتيب،
بل حسب رغبة رئيسة المقيمين التي نصّبها
منذ أن كانت في السنة الثانية ودون انتخاب،
وكلمتها عنده لا تُرَد، وتعامل المقيمين
والمقيمات برد فعل سلبي وغيرة واضحة من
الشكل أو الذكاء أو الكفاءة العلمية، أو
حتى من محبة باقي الأطباء، إذا تضايقت من
أحد سرعان ما تلفق له تهمة لدى (...)
ليدخل غاضباً وموبخاً المغضوب عليه وينزل
به العقوبة، لتعود هي فتكمل الإذلال
والإهانة، وقد يمضي طبيب مقيم كامل فترة
اختصاصه ببخ الآزوت على التآليل أو بحقن
الليشمانيا، دون أن يدخل ستاج العيادة أو
الليزر أو المخبر، بينما يختار المقيمون
الموالون لسلطته ستاجاتهم حسب رغابتهم،
والحالات المميزة هي حكر على رئيسة
المقيمين ومعاونيها، وكذلك نتائج الخزعات،
ولا يحق لأي مقيم أن يطّلع على حالة مميزة
أو متلازمة إلا إن تعطفت وسمحت، وإلا
فالعقاب مصيره إن أبدى رغبة بالإطلاع
والتعلُّم». ـ طبيب مقيم في المركز
التخصصي قال: «تقدمنا بشكاوى كثيرة
واعتراضات كثيرة، ولكن لم يسمَع صوتنا أحد،
حاولنا إيصال الصورة الحقيقية لوزير الصحة،
وبعد كثير من الشكاوى والزيارات والتقارير
أبعده وزير الصحة عن المركز التخصصي وعينه
مديراً لمشفى الهلال الأحمر بدمشق، إلا
أنه بقي رئيس اللجنة الامتحانية، وبصفته
مسؤولاً عن المقيمين من الوزارة أخذ معه
حوالي 15 مقيماً من أعوانه وترك المركز
الكبير المتخصص جلدية بعدد قليل من
الأطباء، وكان قد قام بمشروع ترميم للمركز
ادعى أن المشروع كلف 80 مليون ل.س بدون
الأجهزة والمعدات، وكان تنفيذ الترميم
سيئاً جداً حيث بعد مدة قصيرة بدأ
السيراميك والبلاط وكافة التمديدات
والخدمات تتلف، فأين ذهبت هذه الـ80 مليون؟
ومن مكانه هناك في الهلال الأحمر أخذ يطلق
الشائعات باسم الوزير بأن الوزير وقع على
ورقة إلغاء المركز وانتقال المقيمين
والأجهزة إلى مشفى الهلال، وخلال ترميم
مشفى الهلال أقام شعبة جلدية على حساب
باقي الأقسام، بينما يحاول القضاء على
المركز التخصصي الكبير للجلدية في الزاهرة
والذي من أهم ميزاته أنه يقدم خدمة طبية
للمواطنين مجاناً. وفي مشفى الهلال عيَّن
(ع.س.ب) شريكاً له بالتعهدات ورئيس لجنة
مشتريات وقد كان هذا الأخير مدير مكتبه في
المركز والمتعهد الذي قام بترميمه بمبالغ
خيالية مشكوك فيها». خيبات أمل متكررة من
الإصلاح ـ طبيبة مقيمة قالت: بعد رحيله من
المركز التخصصي عاد الدكتور (أ.ح) جراح
التجميل إلى المركز، وعند وصوله غرفة
الجراحة تفاجأ بوجود جهاز التخثير القديم،
وهو عاطل، وحين سؤاله عن الجهاز الجديد
قالت له أمينة المستودع إن هذا هو الجهاز
الجديد، فثار غاضباً وقال: أنا أعرف
الجديد من القديم، فأنا اشتريته ووضعته
بيدي في المستودع، حينها اعترفت بأن
الدكتور (...) قال إن شعبه المخابرات
العامة أخذته. ومن مكانه هناك اتصل برئيسة
المقيمين الجديدة في المركز وأمرها أن
ترسل له لحسابه الخاص من المستودع 3000
حبة ريتان و3000 حبة نيوكير، وهي أدوية
غالية تخبأ للمرضى الفقراء ذوي الحالات
الصعبة، فأعطته المطلوب خوفاً، وبعد أسبوع
عاد وطلب كمية كبيرة من الأدوية، إلا أن
رئيسة المقيمين كانت غائبة، وكان مفتاح
المستودع مع مقيمة أخرى رفضت أن تفتح
المستودع وتعطيه الكمية على مسؤوليتها،
فغضب غضباً شديداً وبعث لها بالتهديدات
والإهانات، كما هدد المقيمين في المركز
التخصصي لقيامهم بزيارة الدور الخيرية
والإشراف على الحالات الصحية فيها مجاناً
وتطوعاً، وحاول وقف هذا العمل التطوعي،
وهدد بتخريب المركز التخصصي الذي يقدم
خدمات مجانية للمواطنين، وفي اليوم الثاني
فوجئ العاملون بالمركز بعمل تخريبي تم فيه
قطع الكهرباء عن طريق مُخرِّب أزال ثلاثة
قواطع كهربائية من اللوحة الرئيسية لأجهزة
الليزر وبوفا». من يرضى عن هذه التصرفات
ويغطيها؟ هذا غيض من فيض الشكاوى
والشهادات الحية لتصرفات تشير بشكل مقنع
إلى وجود فساد إداري وأخلاقي تتحكم ليس
بمصائر أطبائنا وصروفنا الطبية بل سينعكس
ذلك سلباً ويشكل هخطراً كبيراً على صحة
مواطنينا وأمنهم وسلامتهم وإننا نضع هذه
الشكاوى أمام الجهات المختصة وأصحاب
القرار لفتح الملف والتفتيش والتحقيق فيه
ووضع حداً لظواهر الفساد الإداري حماية
لأطبائنا وكل الخريجين، وبالتالي حماية
لصحة المواطن وكرامة الوطن. إن قاسيون إذا
يهمها الحفاظ على صحة المواطنين وحماية
أطبائنا وخريجينا وصروحنا الطبية من
الاستغلال والفساد بكل أنواعه، فإننا نهيب
بكل الأخوة المواطنين الذين يعانون من
ظاهرة تؤثر على الأمن الصحي والسلامة
العامة أن يرسلوا لنا بشكاواهم ومساهماتهم
تحت عنوان المسألة الصحية في سورية على
العنوان الالكتروني:
general@kassioun.org |