أصدر رئيس الجمهورية في منتصف شهر شباط
الماضي المرسوم رقم /70/ للعام 2011، الذي
يقضي بتخفيض نسب الرسوم الجمركية على عدد
من المواد الاستهلاكية المستوردة، حيث تم
تخفيض الرسوم الجمركية على الحليب المجفف
من 10% إلى 5%، وعلى البن المحمص من 20%
إلى 15%، وعلى الشاي من 10% إلى 7% لعبوات
3 كيلو غرام فما دون، وعلى العبوات التي
تزيد عن 3 كغ تم تخفيض الرسوم من 5% إلى
3%، وتم تخفيض الرسوم على الأرُز من 3%
إلى 1%، وعلى الموز من 40% إلى 20%. كما
أصدر رئيس الجمهورية المرسوم التشريعي رقم
/23/ لعام 2011 الذي يقضي بتخفيض رسم
الانفاق الاستهلاكي للزيوت والسمون
النباتية والحيوانية والبن غير المحمص
والسكر بأنواعه المختلفة.
وبناء على ذلك أكدت وزيرة الاقتصاد أن
الوزارة جاهزة للقيام بدورها من أجل تخفيف
الأعباء عن المواطنين ووصول السلع
الأساسية لهم بأسعار أقل، من خلال تخفيض
الرسوم الجمركية ورسم الإنفاق الاستهلاكي،
ومن أجل ذلك اتفقت الوزيرة أثناء اجتماعها
مع غرف التجارة على أن يقوم التجار
بتخفيضات من جانبهم، بحيث يحففون أرباحهم
خدمة للمواطن، وبحيث تكون التخفيضات التي
قامت بها الدولة لها انعكاس في السوق من
التجار، وحصلت الوزيرة من التجار على وعد
أكيد بهذا الصدد، فقد وافق مستوردو المواد
الغذائية الأساسية الخاضعة لرسم الإنفاق
الاستهلاكي والرسوم الجمركية على تخفيض
هامش الربح إلى 5% فقط.
الضحك على اللحى
بعد ما يزيد عن أسبوعين من صدور هذه
المراسيم وإطلاق هذه الوعود من وزارة
الاقتصاد والتجار المستوردين، صدرت
تصريحات عن جمعية حماية المستهلك أن هناك
انخفاضاً ملموساً على أسعار بعض المواد
الغذائية الأساسية في الأسواق السورية.
وفي حديث لمدير حماية المستهلك، نُشِر على
الموقع الالكتروني «لسيريانيوز»، قال إنه
تم تخفيض سعر كيلو غرام السكر إلى 43 ل.س
بعد أن كانت قد سعَّرته وزارة الاقتصاد
بـ45 ل.س، والأرُز انخفض بمقدار 3 ليرات
سورية للكيلوغرام الواحد، أما صفيحة الزيت
الكبيرة فقد انخفض سعرها بين 70 ـ 90 ل.س،
فيما انخفض سعر العبوات الصغيرة بين 5 ـ
10 ليرات سورية. وتابع مدير حماية
المستهلك أن سعر الموز انخفض بشكل ملحوظ
ويباع حالياً كل 3 كغ بـ100 ل.س، وسعر
الحليب المجفف بمقدار 10 ليرات سورية، وأن
أسعار الشاي والقهوة محررة وليست وزارة
الاقتصاد من يضع التسعيرة لها.
عودة إلى التاريخ القريب للأسعار
لو عدنا إلى الوراء قليلاً لنرى مدى جدية
(الخدمة) التي قدمها التجار للمواطن
المستهلك، لوجدنا أن فورة الأسعار
وارتفاعها المجنون في الفترة السابقة قد
تغاضت عنه وزارة الاقتصاد، بينما تتغنى
بالفُتات الذي لا يُذكر الذي حققته (خدمة)
للمواطن، فقد كان سعر المبيع الفعلي
لكيلوغرام السكر عند أوج أزمة سابقة 35
ل.س، ارتفع بقرار تسعير وزارة الاقتصاد
إلى 45 ل.س، وكان يتم بيعه بالمحلات بـ55
ل.س واحياناً بـ60 ل.س، واليوم تم تخفيض
سعره الرسمي من 45 ل.س إلى 43 ل.س أي
بمقدار ليرتين كاملتين لكل كيلوغرام، أما
الرز الذي كان سعره 35 ل.س للكيلوغرام
والذي ارتفع إلى 80 ـ 90 ل.س في فترة ما،
ثم عاد ليستقر على 55 ـ 60 ل.س، فقد تم
تخفيض سعره بقرار من وزارة الاقتصاد 3
ليرات سوريات كاملات، أما صفيحة الزيت
التي ارتفع سعرها من 1120 ل.س إلى 1800
ل.س، أي بمقدار 680 ل.س قفزة واحدة، فقد
تم تخفيض سعرها بحوالي 70 ـ 90 ل.س، بينما
العبوات الصغيرة ذات حجم اللتر الواحد
التي قفز سعرها من 80 ل.س إلى 110 ل.س اي
بزيادة 30 ل.س، فقد تم تخفيض سعرها بمقدار
5 ليرات سورية، والعبوات من حجم اللترين
انخفض سعرها بمقدار 10 ل.س علماً أنها
ارتفعت فيما مضى من 160 ل.س إلى 220 ل.س
دفعة واحدة.
إنجاز هائل حققته وزارة الاقتصاد وجمعية
حماية المستهلك، ولكنه لا يستحق ثمن الورق
الذي كتبت عليه القرارات والمراسيم،
فالمواطن لم يستفد شيئاً من هذه التخفيضات،
بل سمحت وزارة الاقتصاد بذهاب كل المكاسب
الجديدة لتتراكم أرباحاً إضافية في جيوب
التجار الذين استفادوا من مراسيم تخفيض
الرسوم الجمركية، ولم يعكسوها انخفاضاً
حقيقياً في الأسعار في الأسواق الداخلية (خدمة)
للمواطن، لأنه لا توجد قرارات تسعير جادة
لخفض الأسعار وإلزام التجار بها.
أما البن الذي ارتفع سعره بمعدل 25% في
الشهر الماضي فلا شأن لوزارة الاقتصاد به،
وللتجار الحرية الكاملة في تحديد سعره.
أما الموز الذي يباع كل 3كغ بـ100 ل.س فهو
الموز البلدي الذي كان قبل مرسوم تخفيض
المرسوم الجمركية بـ35 ل.س للكيلوغرام
الواحد وكل 3 كغ بـ100 ل.س، بينما الموز
المستورد كان يباع بـ60 ل.س، وعند صدور
المرسوم ارتفع سعر كيلو الموز البلدي
ليصبح بـ40 ل.س والمستورد بـ70 ل.س،
والحمد والشكر لوزارة الاقتصاد فقد عاد
الموز البلدي ليباع كل 3 كغ بـ100 ل.س.
المواطن مستهلِك أم مستهلَك؟!
لمعرفة صدى هذه الإجراءات والتصريحات
وانعكاس الأسعار الجديدة على الحياة
المعيشية والشرائية للمستهلك جالت «قاسيون»
على بعض المحلات، وسألت عن مواقف بعض
المستهلكين من الأسعار الجديدة، ومن
تصريحات مدير حماية المستهلك وتعامل وزارة
الاقتصاد مع تنفيذ المراسيم وجديتها،
وكانت لنا اللقاءات التالية:
ـ المواطن حسان س. قال: «كل القرارات
والمراسيم تصدر على أساس أن يكون لها
انعكاس إيجابي على تحسين الوضع المعيشي
للمواطن، ولكن عند التنفيذ نجد أنه يتم
تجييرها لمصلحة فئة قليلة من المستفيدين
الذين يأكلون مثل المنشار (على الطلعة
والنزلة) فإذا تم إعفاؤهم من الضرائب تزيد
أرباحهم ولا يخفضون الأسعار بشكل حقيقي،
وعند فرض ضرائب جديدة يرفعون الأسعار
مباشرة ويستردون ما دفعوه أضعافاً مضاعفة
من ظهر المستهلك. لا توجد قرارات صارمة
لردع الطمع والجشع والاحتكار والأرباح
الفاحشة، وكأن من يصدرون التعليمات
التنفيذية للقرارات والمراسيم شركاء
بالأرباح مع التجار».
ـ المواطن اسماعيل ب. قال: «كثيراً ما
أعلنت وزارة الاقتصاد عن توفر مادة السكر
في صالات البيع ونوافذ المؤسسة العامة
الاستهلاكية وبسعر الكيلوغرام 40 ل.س،
ولكن لم نكن نجده في أية مؤسسة استهلاكية،
ثم الآن وبعد التصريحات التي تؤكد حدوث
انخفاض ملموس في بعض أسعار المواد
الاستهلاكية والتموينية، يتم تسعير
كيلوغرام السكر بـ43 ل.س، فكيف ذلك؟!
وبأية معادلة انخفض من 40 إلى 43 ل.س؟!
نتمنى أن تكون التصريحات مدروسة أكثر
وواقعية أكثر، وبناء على الأسعار الحقيقية
المتداولة بالسوق».
ـ المواطن عماد ق. قال: أي تخفيض أسعار
هذا الذي يتكلمون عنه؟! فالأسعار بالأساس
قفزة قفزات جنونية تتراوح بين 35% وحتى
50%، والآن إذا عادت وانخفضت 5% يعني أنها
مازالت مرتفعة أكثر من 30% عن الحد الذي
يمكن أن يتحمله المواطن، والمواطن بالأساس
لا يبحث عن الموز كمادة أساسية بل يهمه
بالدرجة الأولى الرز والسكر، وهاتان
المادتان لم ينخفض سعرهما بشكل حقيقي،
وحتى الموز الذي يتغنون بتخفيض سعره،
فالكل يعلم أنه قبل التخفيض كان الموز
البلدي يُباع بـ35 ل.س للكيلوغرام الواحد،
وكل 3 كغ بـ100 ل.س، ثم ارتفع لفترة
اسبوعين أو أكثر على أمل (هبش) أكبر قدر
من الأرباح للتجار الكبار قبل إعادة
تخفيضه إلى ما كان عليه».
ـ المواطن إبراهيم قاووق قال: «نتمنى من
الذين يطلقون التصريحات أن ينزلوا إلى
الأسواق ويروا الأسعار على حقيقتها، فرغم
كل القرارات التي خفضت أسعار السمنة
والزيت فإن أسعارها في بعض المحلات قد
ارتفعت بدل أن تنخفض، ونتمنى أن يتم تطبيق
المراسيم والقرارات تماماً بتحقيق الهدف
الذي أوجِدت من أجله، ولكن للأسف دائماً
يتم تجييرها لمصلحة قلة قليلة من المقربين
من أصحاب القرارات، فالذي يحصل أن التاجر
يحقق ربحه بأي شكل من الأشكال، لأنه هو
الوسيط بين المواطن وتأمين حاجياته، وهو
في وسط المعادلة، و(يهبش) من طرفَي
المعادلة الخاسرَين خزينة الدولة
والمستهلك».
ـ المواطن غسان ع. قال: «عبوة حليب
الأطفال يقولون إن سعرها انخفض حوالي 10
ليرات سورية، شيء محزن ومسخرة مؤلمة، فقد
كان سعرها قبل موجة الارتفاعات الجنونية
للأسعار 185 ل.س، ومع موجة جنون الأسعار
ارتفع سعرها بمعدل حوالي 50%، أي من 185
ل.س إلى 275 ل.س، واليوم يبشروننا أن
سعرها انخفض بمقدار 10 ليرات سورية، هنيئاً
لنا بهذا الإنجاز، لقد وعدونا بتخفيض
الأسعار عند نزول المواد التي تم تخفيض
رسومها الجمركية إلى الأسواق. وريثما يتم
ذلك فإن أسعار بعض المواد ارتفعت بحجة
أنها بضائع مخزَّنة تم استيرادها على
الرسوم الجمركية القديمة، وهذا يؤكد
نظرتنا للتجار وأساليبهم الاحتكارية
والاستغلالية، وتحكمهم بالأسواق وتوفير
البضائع فيها أو حجبها في كثير من الأحيان».
ـ المواطن فؤاد غ. الأب لخمسة أولاد قال:
«خفضوا سعر كيلوغرام السكر بقرار رسمي
ليرتين، وسعر كيلوغرام الرز 3 ليرات
سوريات، يعني إذا كانت الأسرة تستهلك
بالشهر 10 كيلوغرام سكر فبذلك توفر 20 ل.س،
وإذا كانت تستهلك 10 كيلوغرام رز يعني
توفير 30 ل.س، وهكذا يكون مجموع التوفير
بالسكر والرز وحدهما 50 ل.س، يعني ثمن
سندويشتين فلافل كاملة المواصفات، وإذا
بدك توزع هاتين السندويشتين على أبنائك
الخمسة فيكون قد زاد معدل تغذية الولد
الواحد بمقدار قضمة ونصف من سندويش
الفلافل فقط، فما بالك بالمكاسب الأخرى؟!
(شيء بيرفع الراس)».
بانتظار انجازات أخرى
هذا ما جنته لنا وزارة الاقتصاد، وهكذا
طبقت مراسيم خفض الرسوم الجمركية، تأرجحت
أسعار المواد الاستهلاكية في الأسواق بين
الانخفاض الطفيف والارتفاع الطفيف (والله
محيي الثابت)، بينما ذهبت فوارق انخفاض
الرسوم الجمركية أرباحاً إضافية لجيوب
التجار المستوردين المحتكرين والمستغلين،
وحُرِمت خزينة الدولة من عائدات هي بغاية
الأهمية كان المقصود من التخلي عنها
انعكاس ذلك إيجاباً على تحسين القدرة
الشرائية للمواطن، لكن ذلك لم يحصل، لماذا؟
أصحاب الأمر أدرى بذلك!!
بقلم يوسف البني |