يتعرّض
الفلاحون والجمعيات الفلاحية إلى عملية
سرقة موصوفة، من موظفي مصلحة الزراعة في
ناحية تل حميس جنوب القامشلي، ويجري الأمر
كالتالي: فلاح لديه ترخيص زراعي للقطن في
مجال عمل المصلحة بمساحة ما يقارب 70
دونماً، تم تقدير الإنتاج بـ465 كغ للدونم
الواحد في موسم 2004، وبلغ إنتاجه فعلاً
هذا الرقم، وقام بتوريد إنتاجه حسب الأصول
المتبعة، وعند صرف الفواتير فوجئ بوجود
فاتورتين إضافيتين باسمه بقيمة مئات آلاف
الليرات، عَلِم بهما عن طريق احد موظفي
مصلحة الزراعة، ورجاه الموظف باستلام
المبالغ ولا يتم تسجيل الذمة على اضبارته،
وانه سيبقى بريء الذمة، وأفهموه أن قرار
عام 2003 يتضمن (السماح بتوريد 10% من
الإنتاج كفائض) ومن خلال تحقيق أجرته
الرقابة الداخلية بمديرية زراعة الحسكة في
الموضوع أوضح الفلاح أن الفاتورتين
الإضافيتين تعودان إلى موظف بمصلحة زراعة
تل حميس قام بتزوير المنشأ، ولم تحرك
دائرة الرقابة حينها ساكناً، هذا الفلاح
فوجئ هذا العام بتوقيف صرف فواتيره لموسم
2010 لوجود غرامة عليه قيمتها 200 ألف
ليرة سورية، وهي فرق السعر بين 30 ألف
ليرة للشراء النظامي ومبلغ 14 ألف ليرة
للإنتاج الفائض عن كل طن من أقطان
السماسرة الذي حمّلوه على إنتاجه غيابياً
بمنشأ مزور.
هذا نموذج مما جرى لمئات الفلاحين في قرى
الطامنة، رحية السودة، أبو توينة، وغيرها
الكثير، وعدد من الجمعيات مثل عريضة
تحتاني، حصوية، الناعم، سعدية، الكديميات،
أبو خزف، طواريج، وتل معروف وغيرها. وبلغ
مجموع الغرامة 176 مليون ليرة سورية منها
90 مليون على الموظفين والباقي على
الفلاحين بالتكافل والتضامن القسري بين
الحرامي والضحية، بحجّة تسويق الأقطان
المخالفة للخطة الزراعية لعام 2004، ما
أدى إلى توقيف صرف فواتير هؤلاء الفلاحين
لعام 2010 وأغلبها تعود إلى أُسَر فلاحية
فقيرة منهكة أصلاً، بعد أن تم تدمير
القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي،
كمأساة تضاف إلى جملة مآسي الفلاحين في
هذه المحافظة الزراعية (بالاسم فقط)
فالغرامات الوهمية لحقت ببعض المنكوبين
وبلغت كل مبلغ.
السؤال الحق: ما ذنب الفلاحين إذا كان
حاميها حراميها، فالفلاح لا يستطيع تزوير
المنشأ، ومن زوّر واستفاد وارتشى ومارس
الفساد من الموظفين وسماسرتهم وأقربائهم
الذين كانوا يحملون دفاتر المنشأ، ويدورون
بين المَزارع باحثين عن ضحية بقوا قائمين
على رأس عملهم حتى توقيف موظفي المصلحة
قبل أيام، وأصبح البعض بين ليلة وضحاها من
أصحاب العزّ والجاه!
فما الذي استجد ليتم كشف الموضوع بعد ست
سنوات من وقوعه، وبالضبط بعد أن تضرر
أحدهم شخصياً، فجاء يكحلها فعماها، وأصدر
القرار بعد أن سكت عنه طويلاً، و لاسيما
أن العديد من الفلاحين بلّغوا الرقابة
الداخلية بهذه الممارسات في حينه؟
والمفارقة الكبرى أن فلاحين وجمعيات بريئة
الذمة أصبحت ضحية عملية النصب في الوقت
الذي من المفترض أن تُكافأ. وإذا كان بعض
الأخوة الفلاحين وبدافع علاقات الجيرة أو
صلات القربى تورّط في الخطأ أو اضطر
لارتكابه، فالذنب أيضا يقع على عاتق موظفي
المصلحة كون الخطأ كان مسكوتاً عنه وبعلم
مديرية الزراعة، والوقائع تقول أنه في حال
رفض أحد الفلاحين استلام الفواتير كانت
ماكينة الفساد تصرف الفواتير حتى دون علمه
كما نظمت المنشأ دون علمه، ويتم تزوير
توقيعه بالتواطؤ مع بعض موظفي المصرف
الزراعي، ومن المضحك حقا أن ترد أسماء بعض
الفلاحين في جداول التغريم ممن تركوا
زراعة القطن منذ سنوات ومنهم من هو خارج
القطر أو خارج المحافظة، لابل إن أحد
المتضررين من الورثة لم يعمل بالزراعة في
حياته ولم يراجع مصلحة الزراعة يوماً، ولا
يعرف أين تقع هذه المصلحة من أحياء
البلدة، ولا يعرف متى تزرع الأقطان ومتى
تقطف، ولم يسمع بورقة المنشأ، ومن حق
القارىء الكريم أن لايصدق القول: إن اسما
ورد في جداول التغريم (ح.أ.ع) لا وجود له
في السجلات السورية.
إن الآلاف من أبناء الأسر الفلاحية
بانتظار صرف فواتيرهم التي هم بأمس الحاجة
إليها في ظل الفقر والبؤس الذي يعانون
منه، وعلى الجهات المسؤولة أن تبادر إلى
حلّ المشكلة قبل أن تتفاقم أكثر، كما تجب
محاسبة كل من اضرّ بمصالح الدولة والمواطن
فعلاً، ومن ضمنهم بعض رؤوساء الجمعيات
التي تورطت عن قصد بقبض رشاوى عن كل طن
يسوَّق تزويراً، آملين أن تكون مناسبة
لفتح ملفات الفساد في مصالح الزراعة
والمصارف الزراعية، والتي تثقل كاهل
الفلاح بعد أن أشبعته سياسات الحكومة
فقراً وفرضت عليه ترك الزراعة. |