أمس
الأول، انهار منزل عربي في حارة العرقسوسي
في دمشق القديمة، ونجا 9 من سكانه من
الموت، بعدما شعروا بتشقُّق الجدران،
فاجتمعوا ليلاً وناموا في غرفة لم يطاولها
الانهيار، في زاوية المنزل. وقبلها، وفي
ساعة غفلة، انهار منزل في حي القزازين، في
منطقة ساروجة، فوق رأس ساكنيه (أبو ياسين
الزرلي وزوجته)، ليتمَّ نقلهما إلى مستشفى
المواساة، وقد فعل الحادث فيهما ما فعل من
كسور وجروح..
وقبلها وبعدها، وفي كلِّ وقت، آلاف
الشكاوى المريرة التي بحَّت أصوات
المتضرِّرين من ذوي الدخل «المهدود»،
لكثرة سردها على آذان المحافظة، بخصوص
إهمال منازل مأهولة في عدد من أحياء دمشق
القديمة، متشقِّقة ومتهالكة وبحالة خطرة،
علها ترأف بحالهم وتساعدهم لينزلوا
أرواحهم التي يحملونها على كفّهم؛ إذ
يعيشون لحظة بلحظة تهديداً بالموت تحت
أنقاض جدران وأسقف اللبن والطين والخشب
المهترئة.
حديث الشارع
قبل أيام، أدَّى الإهمال إلى سقوط الطفلة
شهد في بئر مكشوفة وسط حي سكني في دمشق،
وقبلها قُتِل رجل وزوجته بسبب تحويلة
طرقية أقامتها ورشة هندسة المرور في
محافظة دمشق بلا شاخصات مسبقة وبلا منارات
ضوئية تحذيرية في عقدة دمشق الشمالية
(حرستا)، وقبلها قُتِل طفل صعقاً بأعمدة
إنارة الحدائق.. وغيرها عشرات الحالات
المشابهة والأخطار المميتة.. والسؤال هنا:
لماذا لا تتدخَّل محافظة دمشق إلا بعد
حصول الكوارث المميتة؟، وكذلك الأمر
بالنسبة إلى موافقتها على ترميم المنازل
الآيلة إلى السقوط، حيث أدارت لها النية
والقرار في الترميم وجهيهما، كما في أحياء
العقيبة وساروجة وعمارة برانية وقزازين
ومناخلية ونحاسين وحدادين، التي لا يمكن
القول بأنَّ وضعها آمن، أو إنها لا تمثِّل
تهديداً لساكنيها بامتزاج أجسادهم في أية
لحظة مع اللبن والطين والخشب المحيطة بهم
من كلِّ الجهات، كعدو يتحيَّن الفرصة
لخيانة العِشرة.. سمعنا أنّ المحافظة
توجِّه إنذارات إلى قاطني المنازل الآيلة
إلى السقوط بإزالة الأجزاء الخطرة أو
هدمها أو ترحيلها أو تدعيمها، وفي حال لم
يستجب القاطنون للإنذار ويسارعوا إلى
الترميم خلال مدة أقصاها 3 أشهر، ترمِّم
المحافظة على حسابها، ومن ثم يتمُّ تحويل
التكلفة إلى المالية لتحصيلها من المواطن.
ولكن، يبدو أنَّ هذه الإنذارات شكلية،
لأنَّ المحافظة حتى الآن لم ترمِّم أيَّ
منزل على حسابها، وربما ليست على عجلة من
أمرها.
نجاة الأشخاص التسعة من الموت، كانت فقط
لأنهم تبعوا حدسهم، وتحاشوا النوم في
الغرفة المهترئة.. ولذلك، يُدقُّ من جديد
ناقوس الخطر، في ما يتعلَّق بمصير قاطني
باقي الأحياء المهترئة داخل سور المدينة
القديمة وخارجه، التي حذَّر المعماريون
المختصون والتاريخيون أكثر من مرة، أنه في
حال عاشت بيننا هذه الأحياء هذا اليوم، قد
لا نراها غداً إلا خراباً..
رأي وقضية
يتَّفق القاطنون ممن قاموا بترميم منازلهم
وتركيب ديون على ظهورهم، على أنَّ تكلفة
ترميم بيت دمشقي قديم تفوق تكلفة إعادة
بنائه. وفي الوقت ذاته، يستغرب عدد من
أصدقاء دمشق، امتناع المحافظة عن تأدية
دورها الحقيقي كمؤسسة خدمية، واستمرارها
بأداء دور المؤسسة الربحية؛ بتخلِّيها عن
فكرة دعم مشاريع إعادة ترميم الأملاك
الخاصة، بتقديم قروض بلا فوائد وبالتقسيط
المريح.. ويقترح خبير السلامة، محمد الكسم،
أن تتعاون المحافظة مع وزارة السياحة
لإحداث صندوق معونات وقروض ميسَّرة وطويلة
الأجل، من دون فائدة، لدعم وترميم المنازل
في أقدم مدينة مأهولة في العالم.
المهندس أمجد الرز، مدير دمشق القديمة،
أكَّد لـ»بلدنا» أنَّ «المنزل الذي انهار
في حي العرقسوسي غير مُستملك لأولئك
القاطنين فيه، الذين لم يتقدَّموا بأيِّ
طلب للترميم، وإلا لكانوا حصلوا على
موافقة بالترميم خلال مدة أقصاها 10 أيام،
أسوةً بآخرين يقطنون المدينة القديمة لم
ترد طلباتهم بترميم سقف أو تدعيم جدار،
فمن حقِّ أيِّ مواطن أن يحصل على رخصة
ترميم، طالما أنه يعيش في منزل مهدَّد
بالسقوط في آيِّ لحظة.. أما بالنسبة إلى
موضوع منح قروض الترميم، فالموضوع متوقِّف
منذ سنة تقريباً، لاستكمال الحصول على
الموافقات اللازمة من الجهات المعنية؛ حيث
وقَّعت المحافظة عقوداً رسمية مع مصرف
التسليف الشعبي وبنك القروض الصغيرة من
مؤسسة الآغا خان للتنمية، ليتمَّ بموجبها
منح قروض طويلة الأجل ومن دون فوائد
للمواطنين الراغبين في ترميم منازلهم، في
حين تتكفَّل المحافظة بتسديد فوائد تلك
القروض، وهناك 35 مواطناً حتى الآن
تقدَّموا بطلبات للحصول على قروض بهذه
المواصفات». |