تطورت الأحداث في تونس بسرعة وبصورة
دراماتيكية. فالاحتجاجات التي بدأت على
غلاء الأسعار والبطالة بين الشباب، تحولت
إلى انتفاضة شعبية عارمة
وانتشرت في جميع أنحاء البلاد حتى وصلت
إلى العاصمة تونس، معقل نظام الديكتاور
المخلوع زين العابدين بن علي.
حاول الديكتاتور أن ينقذ نظامه ويمد في
عمر بطشه، فالقى خطاباً ذو نبرة تصالحية،
أراد أن يوحي من خلالها استجابته لمطالب
المحتجين الشباب، وأظهر نفسه كضحية لخداع
ولكذب مستشاريه ومن كانوا ينقلون له
معلومات خاطئة عن حال الشعب. ولكن
المتحتجين لم ينخدعوا بكلام الديكتاتور
الذي ظل جاثماً على صدورهم قرابة ربع قرن،
فاحتدت شدة الاحتجاجات التي لم تعد مقتصرة
على الشبان الذين أطلقوا الشرارة الأولى
للانتفاضة من ولاية سيدي بوزيد في وسط
البلاد. لقد تحولت تلك الاحتجاجات ذات
المطالب الاجتماعية إلى انتفاضة شعبية
تطالب بالاصلاح السياسي والديمقراطية
والحرية، وقبل كل شيء رحيل بن علي.
لقد أخطأ الديكتاتور حساباته، وحاول
متأخراً جداً أن يطفئ كرة نار الانتفاضة
التي وصلت إلى إلى عقر داره في العاصمة
التي ظلت هادئة في البداية نسبياً، وكادت
نيران الانتفاضة أن تلتهمه وحاشيته
الفاسدة، ولكنه استطاع في اللحظات الأخيرة
أن ينفذ بجلده ويهرب من البلاد إلى وجهة
غير معروفة، حيث بات ضيفاً غير مرغوب فيه
ويشكل عبئاً على من كانوا يعتبرون حلفاء
ومساندين له، وعلى رأسهم فرنسا. فرنسا مهد
الثورة والحرية والديمقراطية التي لاذت
مثل غيرها من الدول الأوربية والولايات
المتحدة بالصمت، وصمت آذانها عن صرخات
الاحتجاجات العالية للشباب التونسي الذي
بات فريسة البطالة والفقر بعد أن كان ضحية
القمع وغياب الحريات والديمقراطية.
هروب ديكتاتور تونس تذكر بهروب ديكتاتور
ايران الشاه محمد رضا بهلوي قبل أكثر من
ثلاثة عقود، والذي حتى أولياء نعمته
وحلفاؤه الأمريكان تخلوا عنه ورفضوا
استقباله، فحل بعد ذلك ضيفاً ثقيلاً على
صديقه رئيس مصر الراحل أنور السادات،
وتوفي في أرض الكنانة.
الان وبعد هروب الديكتاتور مذعوراً أصبح
لدى القوى السياسية التونسية الفرصة لتبدأ
عهداً جديداً سمته الديقمراطية والحرية
والعيش بكرامة، وهو ما يستحقه التونسيون،
وقد أثبت شبابهم جدارتهم بنظام حكم أفضل
يؤمن لهم حياة أفضل وعيشاً كريماً مثل أي
شعب آخر. بل إن الشباب التونسي سيغدو
مثالاً لأقرانه يحتذى به في البلدان
الأخرى ولا سيما المجاورة.
المستقبل مفتوح أمام التونسيين، وعليهم
الآن جني ثمار انتفاضتهم ودكهم لحصن
الديكتاتور، الذي أثبت مثل غيره من الطغاة،
أنه جبان وحياته أغلى من حياة شعبه ووطنه
الذي هو مستعد للتضحية به في سبيل مصالحه
ومصالح بطانته الفاسدة، ويهرب من البلاد،
دون أن يمتلك الجرأة للاعتراف بما ارتكبه
من أخطاء، بل الأصح بما اقترفته يداه من
جرائم بحق بلده ومواطنيه، ويتحمل مسؤولية
ذلك بشجاعة. وقد أثبت بن علي ذلك في خطابه
الأخير قبل هروبه بيوم واحد فقط، إذ حاول
أن يحمل الآخرين مسؤولية ما حدث حتى الآن
في عهده من ظلم وبطش وقمع وفساد.
ويبقى السؤال مفتوحاً، فيما إذا كان سقوط
ديكتاتور تونس الخضراء، سيكون درساً لغيره
من ديكتاتوريي المغرب والمشرق، فيتعظون به
ويسارعون إلى المصالحة مع شعوبهم، قبل
فوات الآوان وتكرار ما حدث في تونس؟ أم
سيمعنون في ظلم وقمع وارهاب شعوبهم؟ هذا
ما ستجيب عليهم التطورات القادمة في تونس
وفي بلدان هؤلاء الطغاة من أقران بن علي. |