كلما رأيت تلك اليافعة التي تمد يدها
لكل مار على جسر الثورة وتستدر عطف الناس
بمظهرها البائس أتساءل: ألم تر وزارة
الشؤون الاجتماعية والعمل تلك الفتاة منذ
أربع سنوات، وهي التي تربت على جسر الثورة،
ولم تبرحه يوماً، وأعيد السؤال على نفسي
مرات: هل يعقل أن أحداً من وزارة الشؤون
الاجتماعية والعمل لم يصادف هذه الفتاة
وشلتها، هل يعقل أنهم لم يروا منظرها في
الصحف وببعض البرامج التلفزيونية، وخاصة
أنها لم تغير مكانها منذ أربع سنوات!؟ أم
أنهم رأوها وسكتوا عن الموضوع؟
تحرش:
كنت أتساءل ألم تتعرض تلك الفتاة الجميلة
للتحرش طوال فترة تسولها على شارع الثورة،
ورغم أنها ترفض الإجابة عن أي سؤال يطرح
عليها وتبدي أنها راضيه ومطمئنة بعملها
لأنها تطعم وتنفق على أمها وإخوتها
اليتامى، إلا أنها أجابتني مؤخراً لدى
استفساري منها عن سبب تحجبها المفاجئ
بالقول: (هذا أفضل حتى لا يتحرش أحد بي)،
ولم تعلق أكثر، حينها تأكدت أن الفتاة
كانت قد تعرضت ومازالت للتحرش، وخاصة أنها
تقبع للثامنة مساءً في مكانها، وكانت قبل
ذلك تبقى للساعة (11) ليلاً، وقد رأيتها
مرة في ذاك التوقيت، وهي تتلقى الصفعات
والضرب المبرح من رجل ضخم لأن حصيلة
تسولها لم تعجبه.
متسولو جسر الثورة:
كانت تلك الفتاة تغير مكانها على الجسر
بين فترة وأخرى، فمرة تجلس على أقصى يمينه
وأخرى على أقصى شماله ومرة في وسطه وأخرى
على درجة أو أراها مستلقية على غطاء خفيف
أو قطع كرتون وغارقة بنومها أو ربما
تتظاهر بذلك، وما سبب تغييرها لمكانها إلا
لأنها كانت فاتحة المجال لمتسولين آخرين
تبعوها في التسول، وعلى ذاك الجسر يوجد
سيدة تتظاهر بالعمى، تردد ومنذ سنة على
مسامع كل من يمر بذاك الجسر، وتقول: (الله
لا يعميلكم بصر يا إخوان قاصدة الله
وقاصدتكم، يلي بيحب الله يساعدني بحاجة
لمساعدة)، وقد رأيتها مصادفة في أحد شوارع
دمشق مرة وهي تركب سيارة للأجرة وعيناها
سليمتان. ويوجد على ذاك الجسر أيضاً شاب
ضخم البنية كأنه يمارس رياضه حمل الأوزان
الثقيلة منذ نعومة أظافره لكنه أيضاً يمد
يديه طلباً للمساعدة دون استحياء.
جسر المتسولين:
تدريجياً بدأ يتحول اسم جسر الثورة إلى
جسر المتسولين، فكثيرون ممن أعرفهم يقولون
لي إن تعذر عليهم تمييز اسم ذاك الجسر: (أليس
هو نفسه جسر المتسولين)، وفعلاً كلما صعدت
إلى ذاك الجسر أرغب لو أن هناك طريقاً آخر
أسلكه لكنه الممر الإجباري للأسف للقاطنين
والسياح، أشعر أن هؤلاء المتسولين يفرضون
عليّ وعلى غيري دفع ما هو أشبه بالرسوم
الجمركية لقاء مروري من جسرهم الذي كاد
يسجل على اسمهم. تماماً كما يشعر طلاب
كلية الآداب لدى مرورهم من نفق الآداب،
فالوضع هناك شبيه للغاية بالحال على جسر
الثورة. |