النظرة السائدة أن المشافي الحكومية
سيئة، والمشافي الخاصة أفضل، والمشكلة
ليست بالأطباء أو نقص الأدوات أو
التجهيزات رغم وجود أجهزة حديثة في بعض
المشافي الحكومية غير موجودة في المشافي
الخاصة، إنما المشكلة بسوء الخدمة المقدمة
في المشافي الحكومية، ويحتج البعض بالضغط
الذي تعانيه المشافي الحكومية في مدينة
دمشق، خاصة أنها تستقبل مرضى من كافة
المحافظات، ولكن ماذا بالنسبة لمشافي ريف
دمشق؟
ذكرت وزارة الصحة أن نسبة الإشغال في
مشافي ريف دمشق التسعة بلغت بنهاية النصف
الأول من عام (2010)م (68 %) حيث قدمت هذه
المشافي (956352) خدمة صحية، ووصل عدد
المقبولين فيها إلى (41) ألف مريض، وهو
عدد كبير، ولكن هل لاقى هؤلاء الخدمة
المرجوة أو المقبولة في مشافي ريف دمشق
والتي تتوزع في مناطق دوما والقلمون ودير
عطية ويبرود وقارة والزبداني وحرستا
وجيرود وداريا؟.
انظروا للموجود قبل الجديد:
تفيد بيانات مديرية صحة ريف دمشق أن
الطاقم الطبي في هذه المشافي أجرى خلال
نفس الفترة (14106) عمليات جراحية و(2160)
عملية قيصرية و(978) عملية نسائية أخرى،
بينما بلغ عدد مرضى العناية (2178)
والولادات الطبيعية (8784).
كما بلغ عدد مراجعي الإسعاف (148788)
والعيادات الخارجية (138480) وعدد
التحاليل المخبرية فيها (586068) وصور
الأشعة (108372) والطبقي المحوري (4416)
وتخطيط القلب (30678) وصور الإيكو (37386)
وجلسات الكلية الاصطناعية (7590) وجلسات
التنظير (1140) والتفتيت (774) والمعالجة
الفيزيائية (4278) وصور البانوراما الفكية
(672) وصور الماموغرافي (966) وتخطيط
السمع والدماغ (714).
وذكر معاون مدير الصحة في ريف دمشق أحمد
الدرة أن المديرية تسعى لتوسيع دائرة
خدماتها الصحية من خلال زيادة عدد المشافي
بما يتناسب مع الواقع المترامي للمحافظة،
مُشيراً إلى أن الخطة الاستثمارية
للمديرية تتضمن مشاريع بناء مشفى دير
العصافير ويبرود والمليحة وداريا وقطنا
وعربين والرحيبة ورنكوس والجرجانية
والكسوة والقطيفة، إضافة إلى نقل مشفى عين
الفيجة إلى بسيمة، وتأهيل المنشآت الصحية
القائمة وتحويل مركز النشابية الصحي إلى
مشفى، وبناء مركز العيادات الشاملة في
عدرا ومركزين صحيين في حلبون ورأس المعرة.
لكن قبل زيادة عدد المشافي في ريف دمشق
والذي لابد منه، فالمواطنون يحتاجون
لتحسين الواقع الصحي الموجود في مشافي
الريف؟
مشفى يبرود:
كل من يعرف مشفى يبرود يطلق عليه اسم
المسلخ، وهو الاسم المتعارف عليه في كل
المنطقة، فلماذا يا ترى؟
بالنسبة للأطباء فلا نشكك بقدراتهم أو
مهاراتهم، لكن مشكلة الأطباء، كما ذكرها
لنا طبيب في قسم الإسعاف، أن الطبيب يدخل
إلى مشفى يبرود وهو يشعر مسبقاً بالقرف
لسوء خدمات المشفى، فلا يعمل الطبيب بجدية
ولا يقدم كل مهارته في المعالجة فيكون
مستوى عمله منخفضاً، ولذلك يأخذ المرضى
إلى عيادته، أو أن الطبيب بمجرد تعيينه في
مشفى يبرود فإنه يسعى للانتقال لمشفى آخر،
وهذا ما حدث مع عدة أطباء، يقول أحد
الأطباء في المشفى لـ(أبيض وأسود): (
يعتبر الطبيب ذهابه إلى مشفى يبرود عقوبة
نفسية).
أما النظافة والتعقيم في المشفى فتحتاج
لحملة توعية كالتي تقوم بها الآن وزارة
الدولة لشؤون البيئة في شوارع دمشق، فكل
ما يقوم به المستخدمون في مشفى يبرود هو
تنظيف الأرض دون تعقيم، وإفراغ سلل
القمامة من محتوياتها، ولكن كل ما تبقى
يحتاج لتنظيف بشكل دوري (ولن نقول بشكل
يومي) فلا أحد يقترب منه، حتى الأسرة لم
تسلم من ذلك والأوساخ المتراكمة عليها
توضح ما نقوله.
أما التعقيم فهو نادر حيث يوجد التعقيم
فقط داخل غرفة العمليات الوحيدة، وبقية
الأقسام والغرف فتعقيمها يتم بشكل غير
مضبوط، أحد طلاب المعهد الطبي الذين كانوا
يتدربون في المشفى ذكر لـ(أبيض وأسود) أن
رئيس الممرضين كان يدربهم على إعطاء الإبر،
فلمس رأس الإبرة بيده وهو يشرح لهم، ومن
ثم أدخل الإبرة مباشرة في يد الطالب دون
تعقيم للإبرة أو ليده أو لمكان دخول
الإبرة، وهذا مثال بسيط مما يجري بخصوص
التعقيم في مشفى يبرود، حتى أن غالبية
الطلاب الذين يرسلون للتدريب فيها باتوا
يتركون المشفى ويذهبون لمشفى النبك أو دير
عطية، ولا يبقى هناك سوى من يريد أن يتسلى
أو من لا يريد أن يعمل، أو من يريد الذهاب
إلى العمل على مزاجه.
عدم الجدية في العمل:
بما أن الفوضى أساس النظام في مشفى يبرود،
فالجميع يتعامل بمحبة وودية كما يصفها
العاملون هناك من إداريين وطلاب متدربين
وممرضين وأطباء، وتصل هذه الودية في
التعامل إلى درجة عدم التدقيق على الدوام
والتأخير والهروب في أول وآخر ساعتين من
الدوام الإلزامي، والتسلية بين الممرضين
والممرضات لعدم وجود مراقب صارم أو رئيس
تمريض صارم أو مدير صارم، مثال على الودية
والمحبة الزائدة بين الموظفين، اتصل أحد
الموظفين في قسم الإسعاف بالمخبر وأخبرهم
بوجود مريضة تحتاج لسحب الدم ولكن
المحادثة لم تنته بذلك، واستمرت المكالمة
للسؤال عن الأحوال وبدأ أحدهم بإخبار
الثاني نكتة والضحك ثم أغلقا الهاتف، وبعد
ربع ساعة من انتهاء المكالمة، أتت الممرضة
لسحب الدم.
وفي موقف آخر أُحضرت مريضة فاقدة للوعي
إلى قسم الإسعاف في مشفى يبرود، وذهب
الممرضون لمناداة الطبيب المسؤول فحضر
الطبيب بعد نصف ساعة.
أجروا العملية رغم أن إمكانياتهم لا تسمح
بذلك:
مريض آخر توفي بقسم العمليات في مشفى
يبرود، والسبب أنه كان يعاني من تسلخ
القوس الأبهر، فكان من المفترض أن يُرسل
إلى مشفى مختص بأمراض القلب وقادر على
إجراء هذه العملية كمشفى الأسد الجامعي أو
مشفى دوما، وأخبر الأطباء ذوي المريض بذلك،
وأنهم إذا نفذوا العملية في مشفى يبرود
ستكون النتائج على مسؤولية الأهل، فوافق
الأهل ومات المريض، لكن أيعقل -وإن وافق
أصحاب العلاقة- أن يقبل المشفى إجراء
العملية وإمكانياته لا تسمح بإجراء مثل
هذه العمليات.
وبعد توقف قلب المريض كان يحتاج لصدمة
كهربائية، لكن الجهاز في قسم العمليات
معطل، فذهب الممرضون لإحضار جهاز الصدمة
من الإسعاف فكان معطلاً أيضاً، وفي
النهاية تم تدبير جهاز صدمة لكن الوقت كان
قد فات ولا فائدة للصدمة التي ربما كانت
أنقذت حياة المريض.
ما يتعطل يُنسى:
جهاز الصدمة الكهربائي ليس الجهاز الوحيد
المعطل في مشفى يبرود بل الكثير غيره،
وإذا تعطلت إحدى الأدوات أو التجهيزات
تبقى معطلة ولا يفكر أحد بإصلاحها، حتى
جهاز التحليل في المخبر معطل، ولكن كيف
سيتم إصلاح هذه الأجهزة والمشفى لا يملك
أي مكتب هندسي كبقية المشافي؟
فتخيّلوا إذا ورد أكثر من خمسة مرضى على
قسم الإسعاف في نفس الوقت يصبح هناك ضغط،
ويرتبك الممرضون بتأمين أدوات المعالجة
اللازمة.
ومراقبة وزارة الصحة على مشفى يبرود، كما
ذكر لنا كثيرون هناك، يتفق مع أغنية سيد
درويش (زوروني كل سنة مرة) وإن زارت أكثر
من مرة فلا صرامة في المراقبة وتكون وديّة
كما كل شيء ودي في هذا المشفى.
مشفى النبك ودير عطية:
في مشفى النبك ومشفى دير عطية الوضع
يختلف، وبالنسبة للخدمات المقدمة وتوفر
الأجهزة، فكلاهما أفضل من مشفى يبرود،
ولكن الدعم لا يأتيهم من وزارة الصحة
وإنما من أهالي المنطقة الذين يقدمون
دعماً مالياً للمشفى وهذا ما حدث عدة مرات
وأخبرنا به السكان، ورغم ذلك ما زال
المستشفيان يحتاجان لدعم واهتمام أكثر لأن
ضغط المرضى فيهما أكثر من مشفى يبرود،
ويحتاجان لزيادة في عدد الأسرّة وعدد
الكادر الطبي.
مشفى دوما وداريا:
النظافة عموماً والصراصير خصوصاً أكثر
المشكلات التي تزعج المرضى في مشفى دوما،
ورغم شكاوى المرضى في إحدى الجرائد
الرسمية منذ أشهر على ذلك، إلا أن الوضع
مازال مستمراً خاصة أن عدد المرضى في مشفى
دوما أكثر من المشافي التي تحدثنا عنها
سابقاً، والسبب هنا لا يتعلق بعمال
التنظيف ولكن كما ذكر مدير مشفى فالسبب هو
الزوار المرافقين للمرضى الذين يتركون
بقايا الطعام في الخزن الموجودة في الغرف،
وافتراشهم الأرض وتناولهم الطعام ضمن
المشفى أو في الحديقة التابعة للمشفى
بالإضافة لكثرة عددهم لأن غالبيتهم من
المنطقة الشرقية فيرافق المريض عدد كبير
من عائلته لبعدها عن دمشق، وبسبب تناول
الطعام ونثره وقضاء المرافقين لحوائجهم في
الهواء الطلق فهذا يؤدي لاستمرار وجود
الحشرات على الرغم من رش المبيدات الحشرية
والتنظيف الدائم.
من جهتها ذكرت وزارة الصحة أنها تعمل على
تأمين بناء طابقي لمشفى دوما خلال السنوات
القادمة، لأن طبيعة بناء المشفى المسطحة
تعيق حل مشكلة الحشرات المتمثلة بمعالجة
شبكة الصرف الصحي.
ولكن يمكن القضاء على هذه الحشرات بينما
يتم الانتهاء من البناء باستخدام أنواع
قوية من المبيدات كما فعلت أحد المشافي في
دمشق حيث قضت على مشكلة الحشرات نهائياً،
بالإضافة لإتباع قوانين صارمة تخص
المرافقين للمرضى كما يحدث في المشافي
الخاصة.
مشفى دوما يملك أجهزة طبية حديثة وكوادر
متمكنة وجيدة وغرف العمليات تستوعب ضغط
المرضى إلا أن مشكلة الصرف الصحي ومشكلة
الميزانية المخصصة للنظافة هي ما يعيق
المشفى.
وفي مشفى داريا، فالوضع كما يصفه الأطباء
والمرضى هناك مقبول، وأحد المرضى قال لنا
(الخدمة هنا ممتازة)، لكن حسبما ذكر البعض
وكما رأينا فإن المشفى يفتقر لبعض
المعدات، بالإضافة لتعطل معدات وأجهزة
أخرى، وهم يرسلون كتباً عديدة لوزارة
الصحة لإصلاح بعض الأجهزة ولكن الاستجابة
تتم بشكل بطيء.
الميزانية كبيرة.. ما سبب سوء الخدمة؟
كلما تحدثنا إلى مدير مشفى حكومي في الريف
أو المدينة بالإضافة لوزارة الصحة، يقولون
لنا أن الميزانية المخصصة للمشفى كبيرة،
فإذا كان الأمر كذلك فلم لا يكون الواقع
الصحي في المشافي الحكومية جيداً، هل
المشكلة في سوء ضخ هذه الأموال وعدم صرفها
بالمكان الصحيح وإنفاقها كيفما كان.
فرغم كل التحسينات التي حصلت عليها
المشافي الحكومية وفق الميزانيات المعلن
عنها إلا أنها مازالت تحتاج لتجهيزات
وكوادر طبية وتعاني من نقص خاصة في أطباء
التخدير والممرضين، وتحتاج لتقديم عناية
أكبر بالمرضى واهتمام بالبنية التحتية
والنظافة، بالإضافة لرقابة أكثر من وزارة
الصحة.
يجب أن تتغير نظرة المواطن السوري للمشفى
الحكومي وأن لا يعتبره نذير شؤم للمريض،
وبالطبع فهذا يحتاج إلى تضافر جميع الجهود
سواء من قبل وزارة الصحة ومديرياتها، من
حيث متابعة النواقص فيها، وتطوير المتخلف
من الأجهزة أو استبدالها، وتطبيق الأنظمة
المرعية في مشافي العالم، إذ أن التراخي
هنا قد يودي بحياة إنسان، كذلك من قبل
المواطنين المرضى أو المرافقين لهم الذين
يجب أن يعوا بأن المشفى الحكومي لخدمة
وراحة المواطن. |