أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

16/12/2010

 

جنبلاط يطلب الانفتاح على الحريري.. ولو كره «الكلمنجيون الجدد»

نبيل هيثم

 

لعل أكثر ما يشغل بال وليد جنبلاط في هذه المرحلة، هو كيفية احتواء العاصفة السياسية التي تضرب لبنان، وينفخ الأميركيون والإسرائيليون رياحها من خلف المحكمة الدولية والقرار الاتهامي المنتظر صدوره عن مدعي عام المحكمة دانيال بيلمار.
جنبلاط قلق بطبيعته. وتعبيرات القلق موجودة في حركات جسده كما في تعبيرات وجهه، وفي العبارات القصيرة المتقطعة وأحيانا «الفلاشات» التي يريد من خلالها بث القلق الجنبلاطي في مطارح أخرى.
نعم وليد جنبلاط قلق، ولكن هذه المرة يبدو أن منسوب القلق مرتفع أكثر منه في المرات السابقة. «فكيف لا أقلق إذا كانت البيئة اللبنانية قابلة ليس لتلقي تلك الرياح الخارجية العاصفة فحسب، بل لملاقاتها سواء عن قصد أو عن غير قصد، بخطوات أو بمواقف تشعل حرائق هنا أو هناك وتغذي الخطاب المتطرّف واللغة البشعة التي يتفوه بها بعض «الكلمنجيين الجدد» وبعض تجار العقارات الفاشلين» على حد تعبير جنبلاط، الذي يبدو أنه قد استوقفه كثيرا مشهد بعض الخطباء في إحدى المناطق اللبنانية وما صدر عنهم من مواقف تحريضية.
قد نكون دخلنا في مخاض التسوية، استكمالا لمسار بدأ مع قمة بعبدا الثلاثية التي جرت بين الرئيس بشار الأسد والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس اللبناني ميشال سليمان، كما يقول وليد جنبلاط، وهذا المناخ العربي الذي شكل مظلة حماية وأمان للبنان، يتطلب منا كلبنانيين، الحد الادنى من التهدئة والتعقل، فقد مررنا كلنا بتجارب في الماضي القريب والبعيد وكلنا عانينا ودفعنا أثمانا كبرى، وبناء على ذلك فإن الكلام التحريضي، من أية جهة أتى، لا يخدم المسعى العربي السوري السعودي، ولا يسهل الارضية اللبنانية لكي تكون قابلة لتلقي إيجابيات الجهد العربي، عندما ينضج، بقدر ما يجعلها قابلة لسلبيات قد تضرب لبنان من أقصاه الى أقصاه ولن يكون أحد بمنأى عن تداعياتها، مهما كان رهان البعض على الاستفادة لتعديل معطيات داخلية.
اللوحة اللبنانية واضحة بالنسبة الى رئيس «التقدمي»، وهو يقوم بشرحها بواقعية وبلا مبالغات أو تضخيم لمساحات الاقليات أو الاكثريات الطائفية والمذهبية والسياسية الاسلامية والمسيحية، فالطائفة السنية معروف حجمها وموقعها، كما حجم الشيعة ودورهم وكذلك حجم الدروز وعددهم المتواضع، وايضا حجم المسيحيين الذين يتناقصون في لبنان، ويكاد ينعدم وجودهم في فلسطين والعراق، ويضيّق عليهم في بعض الدول العربية الكبرى، ما خلا سوريا الذي تحافظ عليهم انطلاقا من الطابع العلماني لنظامها الذي يحفظ الاقليات.
وعلى خلفية تلك اللوحة، يؤكد جنبلاط أن لا إمكانية لكتابة الحياة للثنائيات بين هذا المذهب وذاك في لبنان، وقد مررنا بتلك التجربة وخبرناها بشتى مراحلها وعايشنا فشلها الذريع، كما لا حياة للأحاديات اذ لا مجال لأن يسود مذهب على المذاهب الاخرى، ولا ان يعزل أحد أحدا، ومن هنا ينبغي العودة الى القاعدة البديهية القائلة بأن الأجزاء تعيش كلها معا بالجملة وليس بالمفرق ولكن ما يأسف له جنبلاط هو أن بعضا ممن ما يزالون يعيشون في الماضي يتظللون بالمذاهب الكبرى ظنا منهم بأنهم سينجون من صراع القوى الخارجية الكبرى!
وما يراه جنبلاط ملحاً وضرورياً في زمن الانقسام السياسي الحالي هو التواصل الداخلي المباشر أو غير المباشر، فاستمراره بأية طريقة، وحتى مجرد الإبقاء على شعرته مهما عظم الخلاف السياسي، يشكلان عاملا أكيدًا في الفهم المتبادل للآخر، وفي تفهـُّم الهواجس وأسباب القلق والخوف لدى هذا الطرف أو ذاك ومقاربتها بجدية وانفتاح وبتطمين صادق، فمن شأن ذلك أن يصب الماء على النار بدل الزيت الذي يصبه عليها بعض عمالقة الفكر السياسي وقد باتوا كثرا هذه الايام.
حتى ان واقعية جنبلاط في هذا الجانب، تجعل ما يقوله ضرب من ضروب التمني لا أكثر، خاصة أنه يعرف أن ليس كل منا يتمناه المرء يدركه. ومن هنا فإنه يعلق الامل الكبير على المسعى السوري السعودي، وينتظر ترياق بشار الاسد وعبد الله بن عبد العزيز لعله يشفي من السم المتفشي في عمق الازمة الداخلية، ويقول «نحن ننتظر التسوية الهامة التي يعمل عليها الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله بن عبد العزيز، وأهم ما فيها أن سرَّها لا يزال محفوظا ومحصورا بين الرئيس والملك ونجله عبد العزيز والسيد حسن الله والشيخ سعد الحريري، فتلك السرية تعبير عن الجدية المشتركة، وأكثر من ذلك تعكس حرص الزعيمين على إنجاحها وحفظها وحمايتها من المداخلات والمزايدات.
بكل ثقة يؤكد جنبلاط أن القرار 1559 هو الذي قتل رفيق الحريري، وان المحكمة الدولية وسيلة مسيسة لضرب «حزب الله» وكذلك سوريا، ويخشى من أن الأميركيين هم الذين يعطلون التسوية التي يسعى اليها الاسد وعبد الله، ذلك ان الاميركيين يريدون اتخاذ المحكمة عنصر ضغط على ايران من لبنان، ففي العراق لم يستطع الاميركي أن يلوي ذراع الايراني، ثم ان هناك بعض المشاهد في الداخل الايراني المرتبطة بهذا الضغط يراها الجميع وأصابعها تؤشر اليها ومنها على سبيل المثال اغتيال العلماء الايرانيين.
كل المؤشرات في اعتقاد جنبلاط تؤشر الى ان القرار الاتهامي سيصدر، لكنه يلاحظ ان المعركة في هذا الجانب تحولت من معركة صدور قرار الى معركة حرق أعصاب سياسية ونفسية. لكن «في كل الاحوال، يقول جنبلاط، مهما كانت الصورة اللاحقة ومهما كان مضمون قرار بيلمار، فإن موقف «حزب الله» يجب أن يتسم بالعقلانية، كما يجب أن تكون هناك عقلانية مقابلة «المستقبل» ولنا تجربة في أحداث 7 ايار 2008 التي تركت رواسب هنا وهناك من الصعب إزالتها. فالخطر الكبير يتأتى من وقوع الطرفين في الفخ الاميركي والاسرائيلي، أي الفتنة المذهبية. وخصوصا في ظل الردة المتعاظمة الى الدين، لكن ليس الى الدين الايماني بل التحريضي وهذا أمر خطير، فلقد دخلنا عمليا الى المربع الخطير، وهذا ما دفعنا اليه الاعداء، كما انّ تلك الردة الى العصور القديمة هي نتيجة طبيعية وموضوعية لتراجع الخط الوطني والقومي والعروبي واليساري، في مقابل تقدم الانعزال الفكري على أنواعه.
يبدو جنبلاط أكثر قناعة اليوم بصوابية الخطوة التي أقدم عليها بمغادرته 14 آذار، قبل سنة ونصف السنة والانتقال الى موقعه الحالي.. وله في فترة انضوائه تحت مظلة «ثورة الارز» ذكريات ومفارقات، قد تكتب للتاريخ، «فتلك الفترة كانت أقرب الى العيش في قلب نكتة سخيفة وثقيلة، وأهم ما فيها اننا لعبنا «صولد»... وخسرنا».
يبدو وليد جنبلاط مرتاحاً في موقعه الذي قد يبدو بنظر البعض وسطياً، لكن هذا الموقع في حقيقته وسطي مع ميل نسبي الى حد ما للمعارضة. من هذا الموقع يتواصل مع صديقه الدائم الرئيس نبيه بري، الذي يعتبره جنبلاط وسطياً في موقعه، ويرتاح الى الخطوات التي يقوم بها وآخرها خطوة التواصل مع سعد الحريري وإيفاد معاونه السياسي النائب علي حسن خليل اليه. كما انه من خلال هذا الموقع يتعاطى مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان العالق بين إرادته بعدم إغضاب أحد سواء «حزب الله « أو رئيس الحكومة. تواصله مع سعد الحريري مستمر وسيزوره قريبا، ويشدد على ان لا معنى أبدا لذاك الكلام العالي النبرة الذي لا يؤدي سوى لإثارة الغرائز وتقوية أصحاب العقول المتحجرة، كما لا معنى أبدا للإقفال على سعد الحريري، اذ يجب أن يبقى الانفتاح قائما بين المعارضة وتحديدا «حزب الله» وزعيم «المستقبل».
في أي حال، بدأت المياه تعود الى مجاريها تدريجياً بين جنبلاط والقيادة الايرانية وانتقلت المصافحة العابرة بينه وبين السفير الايراني في لبنان غضنفر ركن أيادي على هامش إحدى المناسبات العامة في الصيف الماضي الى زيارة قام بها جنبلاط الى السفارة الايرانية في آب الماضي، ومن ثم الى زيارة مماثلة قام بها السفير الايراني للنائب جنبلاط في دارته في كليمنصو، وسيجتمعان مجددا على الغداء يوم السبت المقبل على مائدة المختارة، تمهيداً لزيارة مرتقبة لجنبلاط الى طهران تضع خاتمة لفصل الجفاء الذي حكم العلاقة بين طهران ورئيس «اللقاء الديموقراطي» منذ خمس سنوات.
وأما عن دمشق، فإن كلام جنبلاط يبدو مغمساً بالود تجاه أصدقائه القدامى الجدد، فلسوريا عليه الكثير كما يقول، لا يستطيع أن ينكره ابدا. ويتذكر ضاحكا يوم زار دمشق للمرة الأولى بعد سنوات القطيعة الاخيرة، ويقول «ما زالت المئتا متر التي قطعتها من مدخل القصر الرئاسي في سوريا الى مكتب الرئيس بشار الأسد أطول مسافة قطعتها في حياتي، فخلالها انتابتني أفكار وأفكار كيف سيكون اللقاء بيننا وكيف سيستقبلني، ولكن كل ذلك انتهى عند الباب عندما استقبلني الرئيس بشار مبتسماً ومرحباً وقال لي أنا لا أريد أن أسمع شيئا عن الماضي».
من الواضع ان تطورا كبيرا شاب العلاقة بين الاسد وجنبلاط، وهو وان لم يقل كلاما واضحا، فقد أصبح عمليا يمثل الكتلة السورية في مجلس الوزراء، كما في مجلس النواب، وهو لن يتعارض مع ما تعتقد دمشق أنه يندرج في خانة «المصالح الاستراتيجية»... يحصل ذلك، اليوم، بعدما كانت «الكيمياء» منعدمة بينه وبين الرئيس السوري، بعد تولي الأخير مقاليد السلطة في سوريا خلفا لوالده الراحل الرئيس حافظ الأسد. هذه «الكيمياء» باتت موجودة، حسب جنبلاط، وهو يستنتج ذلك مما يسمعه من أصداء في دمشق، وخصوصا من الصديق الكبير «ابو وائل» (معاون نائب الرئيس السوري اللواء محمد ناصيف).
ما يتمنى جنبلاط حصوله هو ان يتسنى له معرفة أسباب الإصرار الذي يعتمده فريق رئيس الحكومة على عدم إحالة ملف شهود الزور الى المجلس العدلي «في الحقيقة لا أعرف لماذا»، كما انه سبق وتمنى لو أن سعد الحريري يزور دمشق قبل زيارته الاخيرة الى طهران، وقد شاهدنا جميعا ان الايرانيين كرموه كثيرا. وسأل هل طلب السلاح الايراني. علما أن بعض المعلومات التي رافقت الزيارة عكست استعدادا ايرانيا أكيدا لتزويد لبنان بالسلاح لمواجهة الخطر الاسرائيلي.
وأما تسريبات موقع «ويكيليكس» فقد فأجات وليد جنبلاط، وهو لن ينفي كما قال ما يتصل به، لدقته، وخصوصا انه قيل في فترة الغربة، إلا انه فوجئ أكثر بنفي الآخرين لأمور حصلت. لكن السؤال الذي يطرحه جنبلاط هو أن التسريبات شملت كل الناس لكن أليس غريباً أن إسرائيل لم يطلها شيء منها، لماذا .. لا أعرف؟

المصدر:السفير اللبنانية  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري