ان يوفد الرئيس السوري بشار الأسد
اللواء حسن تركماني على رأس وفد يضم نائب
وزير الخارجية الى انقرة للقاء المسؤولين
الاتراك وعلى رأسهم السيد رجب طيب أردوغان
فهذه خطوة تعكس اعترافاً رسمياً سورياً
بأهمية تركيا ودورها الاقليمي، خاصة في
الملف الداخلي السوري بحكم علاقات الجوار
اولاً ووجود اكثر من عشرة آلاف لاجئ سوري
يتواجدون حالياً فوق أراضيها بعد ان فروا
بحياتهم من رصاص قوات الامن والجيش التي
هاجمت بلداتهم، وخاصة في جسر الشغور
القريبة من الحدود التركية.
هذا الوفد الذي وصف رئيسه اللواء تركماني
تركيا بالدولة 'الشقيقة' يزور انقرة بعد
هجمات تحريضية غير مسؤولة شنتها بعض وسائط
الاعلام السورية ضد تركيا ورئيس وزرائها
رجب طيب أردوغان لانه طالب السلطات
السورية باجراء اصلاحات ديمقراطية وفق
جدول زمني محدد تجنباً لوقوع البلاد في
حرب أهلية وحالة من عدم الاستقرار الداخلي
وتجنب مسلسل اراقة الدماء شبه اليومي الذي
تعيش حلقاته حالياً كل يوم جمعة من كل
اسبوع.
الاعلام السوري، او بعض وسائطه على الأقل،
ارتكب خطأ كبيراً في تقديرنا عندما خرج عن
التقاليد المألوفة ومارس عملية تحريض ضد
تركيا وحكومتها المنتخبة، لان مؤتمراً
لبعض جماعات المعارضة السورية في الخارج
انعقد في مدينة انطاليا التركية، وطالب
باجراء اصلاحات ديمقراطية شاملة في سورية.
المسؤولون الاتراك الذين سمحوا لانصار
السلطات السورية بالتظاهر ضد المشاركين
امام الفندق الذي استضاف مؤتمرهم قالوا
انهم لا يستطيعون منع انعقاد هذا المؤتمر،
فتركيا دولة ديمقراطية تعددية تحترم
الحريات التعبيرية، مثلها مثل دول اوروبية
اخرى تنتهج النهج نفسه.
ما اراد المسؤولون الاتراك قوله بطريقة
غير مباشرة هو ان بلادهم لا تحكم من قبل
نظام شمولي مثل معظم الدول العربية يستطيع
منع مثل هذه المؤتمرات واللقاءات بجرة قلم.
ومثل هذا الكلام ينطوي على الكثير من
الصحة.
وما يؤكد مثل هذا الكلام هو استقبال تركيا
لحوالي عشرة آلاف لاجئ سوري على اراضيها
وتوفير اسباب الراحة لهم، حتى ان السيد
داوود اوغلو وزير خارجية تركيا قال ان
هؤلاء ضيوف على بلاده التي لن تغلق حدودها
في وجههم.
صحيح ان سورية فتحت ابوابها لاكثر من
مليون لاجئ عراقي، ومن قبلهم عشرات الآلاف
من اللبنانيين اثناء العدوان الاسرائيلي
عام 2006 وقبلهم عشرات الآلاف من
الفلسطينيين، ولكن التهجم على تركيا ورئيس
وزرائها في الوقت الذي تستضيف فيه لاجئين
سوريين مسألة غير منطقية، ناهيك عن كونها
غير دبلوماسية، لانها قد تخلق عداوات غير
مبررة.
يجب ان تدرك السلطات السورية الفرق بين
الاصدقاء مثل السيد اردوغان الذي يطالبها
بالاصلاح الفوري والسريع من منطلق الحرص
عليها، وبين الاعداء الذين يتربصون بها
ويستغلون عمليات القمع الدموي الذي تمارسه
قوات الجيش والامن لتقويض امنها
واستقرارها.
القيادة السورية يجب ان تستفيد من خبرة
اردوغان وحكمته، والتجربة الديمقراطية
المتميزة التي تعيشها بلاده وحولتها الى
قوة اقتصادية عالمية كبرى تتقدم على اكثر
من عشرين دولة اوروبية، وتحتل المرتبة
السادسة عشرة على مستوى العالم بأسره.
لا يعيب السيد اردوغان ان يطالب نظيره
السوري بالاصلاح وفق جدول زمني محدد،
والشيء نفسه يقال عن كل السائرين على
النهج نفسه، ولكن الخطيئة الكبرى في نظرنا
هو صمّ الآذان عن هذه المطالبة، واستعداء
اصحابها دون اي مبرر، ومن منطلق العناد لا
اكثر ولا اقل.
المعارضة السورية التي تطالب بالاصلاح
السياسي، داخلية كانت او خارجية، هي
معارضة شريفة، ولها في سورية مثلما للنظام
الحاكم فيها، طالما انها لا ترتبط بالقوى
الخارجية المعادية للامة وعقيدتها، وهذه
المعارضة يجب ان تحترم مطالبها وشخوصها،
بعيدا عن اساليب التشكيك والتخوين التي
يزدحم بها وغيرها قاموس الانظمة العربية،
وبعض المحسوبين على النظام السوري خاصة.
|