أخبار الوطن الرئيسية

17/02/2011

 

القضية الوطنية تحميها الحرية والديمقراطية

المحامي ميشال شماس

 

نحن اليوم بأمس الحاجة إلى قليل من الجرأة، وقليل من الشجاعة في إدارة حياتنا اليومية سواء في البيت أو في الوظيفة، أو في المؤتمرات، أو في أي مكان أخر نتواجد فيه، كما نحتاج أيضاً إلى الصراحة والمصارحة بعيداً عن صيغ اللف والدوران والكذب والنفاق، والتملق، التي باتت تغلف منهج تفكيرنا بطبقة سميكة تراكمت منذ عشرات السنين، والتي عطلت فينا إمكانية التقييم الحقيقي ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وسمحت بتسلل المنتفعين والفاسدين إلى الصفوف الأولى.لقد آن الأوان كي نسمي الأشياء كما هي بغير رتوش ولا مساحيق تخفي العيوب إلى حين، نريد أن نظهر هكذا كما نحن، وكما يجب أن نكون بعيداً عن أية بهرجة أو تزييف.. وحان الوقت اليوم لإزالة ذلك الغلاف السميك الذي أغشى عيون الكثير منا، ومنعناً من أن نرى أنفسنا على حقيقتها، بعد أن حجب عنا رؤية عيوبنا.
إن التحديات والأخطار التي نواجهها اليوم كبيرة، وهي تستهدف بالدرجة الأولى صمود شعبنا وقضيته الوطنية، فشعبنا السوري بمختلف تلاوينه وأطيافه كان وما يزال يضع القضية الوطنية في مقدمة اهتماماته، وتحمّل لأجل هذه القضية عبء الضغوط الخارجية، ودفع فاتورة الحصار الاقتصادي من دمه وعرقه وجهده ولقمة عيشه من أجل أن تبقى الروح الوطنية متقدة في قلوب السوريات والسوريين. هذا الشعب العظيم يستحق كل تقدير واحترام.
وبقدر ما تهتم الحكومة بحرية وكرامة السوريات والسوريين، وتوفر لهم وسائل العيش الكريم، وتفسح المجال أمامهم بحرية المشاركة الحقيقية في صياغة وإقرار كل ما يتعلق بشؤونهم السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. بقدر ما يشكل ذلك حافزاً لهم نحو مزيد من الالتفاف حول الحكومة والتعاون معها ومساعدتها وتسهيل عملها، طالما بقيت هذه الحكومة قريبة من مواطنيها تتحسس أمالهم وآلامهم، مستمرة في تأمين وحماية مصالحهم في الحرية والعيش الكريم والمشاركة الحقيقة في تقرير حياتهم . فالإنسان الحر هو الذي يبني دولةً سيدةً حرةً مستقلةً ويحميها أيضاً.
ومن هنا تأتي أهمية قيام الحكومة باتخاذ إجراءات جدية وملموسة في مكافحة الفساد في جميع المواقع وعدم التهاون مطلقاً في محاربته، وتفعيل مؤسسات الرقابة والمحاسبة الفعالة والنزيهة، والتشدد في معاقبة الذين تورطوا في عمليات الفساد ونهب المال العام، والتشهير بهم في الإعلام. هذا الفساد الذي لم تعد تنفع معه أي من "المنظفات والمزيلات" التي تتصدر قوائم الإعلان والتي تملأ السوق المحلية. بل إن الأمر أصبح يحتاج إلى أكثر من كاشطة كالتي نراها في شوارعنا وهي تكشط الزفت، أو ربما أكثر من كاسحة جليد حتى نتمكن من رؤية زرقة مياه البحر وصفائها، نحتاج اليوم إلى تلسكوبات مفلترة لرؤية لون السماء، بعد أن حالت الملوثات بيننا وبين رؤية العصافير والبلابل وهي تغرد في السماء... والتي لم نعد نراها، ولم نعد نسمع ألحانها الشجية بعد أن تركنا جحافل الأسمنت تزحف على ما تبقى من مساحات خضراء، فهربت إلى حيث من يستحق أن يسمع ألحانها الشجية..
والحكومة مطالبة اليوم بتوفير العدالة للمواطنين..عدالة تحترم حقوق المواطنة، تضمن حق المساواة للجميع في التمتع بثروات الوطن وخيراته. وتطبق القانون على الحكام والمحكومين بتجرد وحسم، وتنفذ أحكامها فوراً دون مشقة..عدالة تتصف بالعلم والكفاءة والخبرة والثقافة، مستندة إلى تشريعات عصرية متطورة تأخذ بوسائل التكنولوجيا الحديثة فى توفير العدالة للمواطنين، وتعطى المواطن الشعور بالثقة والأمان، وتعمق شعوره بالانتماء للوطن.
والحكومة مطالبة أيضاً بالاهتمام بالعملية التربوية بدءاً من المعلم الذي يشكل محورها الأساسي بتكريمه وتأمين حياة لائقة له ولأسرته، ومنع تسرب الأولاد من المدارس والتشديد في معاقبة من يساهم في هذا التسرب، وفرض التقيد بالنظام التعليمي على الجميع معلمين وطلبة ،واعتماد مبدأ المساواة في معاملة الطلاب بعيداً عن أي تمييز، وتطوير مناهج التربية والتعليم في مدارسنا، وذلك بتقديم مواد تتدرج في أفق التربية على احترام القانون وحقوق الإنسان، وإنشاء مقاعد في المدارس والجامعات تهتم بالقضايا الفكرية والسياسية والقانونية والأخلاقية التي يطرحها موضوع حقوق الإنسان في بلادنا والعالم، علنا نساهم في تكوين وعي حقوقي وأخلاقي ذو محتوى إنساني لدى الناس جميعاً، بدءاً من البيت والمدرسة والجامعة والمعمل ودور العبادة.
وبالاهتمام أيضا وأيضاً بتطوير وتحديث البنية الثقافية والتعليمة والإعلامية ، تطوير يستند إلى العلم والتفكير العقلانى، والتعددية الفكرية دون حجر على أي فكر أو مصادرة للحق في الاختلاف. ثقافة تؤمن بالحوار والتسامح وتنبذ التعصب والانغلاق، ثقافة تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ثقافة منفتحة على الثقافات الأخرى وتتفاعل معها بإيجابية مع الحفاظ على الهوية والثقافة الوطنية. فنحن لا نعيش في جزيرة معزولة بل نعيش في قلب العالم الذي تحول اليوم إلى قرية صغيرة بفعل التطور العلمي المذهل لاسيما في مجال الاتصال والإعلام تأكيداً لقول السيد رئيس الجمهورية في خطاب القسم العام 2007:( نحن لسنا منعزلين.. ولا نعيش في جزيرة.. نحن نتأثر بكل ما حولنا..).

المصدر :نشرة كلنا شركاء    - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري