تفريغ المواطن من القيم الإنسانية و
مشاعرها، واحدة من أفظع جرائم نظام الأسد،
لأنه يريد شعبا ممسوخا لا إنسانية فيه ولا
حرية و لا كرامة، فالحرية هي فطرة الإنسان
في لحظة الولادة، من غيرها لا يكون
المولود إنسانا ، بل حيوانا يضاف إلى
القطيع، يمضي به الراعي يوما إلى المرعى و
يوما إلى الذبح، بعض الحيوانات يسعد
بالعمل في السيرك فيرقصون و يصفقون بإشارة
من عصا المروض و في يده الأخرى سوطه
اللاسع...و لكن !!..
و لكن ..لا وجود للجريمة الكاملة،
فالرفيقة سميرة المسالمة رئيسة تحرير
جريدة تشرين ، مسخ غير مكتمل من عبيد
النظام، ما يزال فيها بقية من إنسانية
هيجت بداخلها بعض حزنٍ على أهلها في درعا
، وهم يقتلون لفعل أطفال ما ماتت بعد فيهم
فطرتهم التي ولدوا عليها، فرسموا بالطبشور
صورة الحرية كما تخيلوها على جدران
المدرسة، أرادوا أن يصرخوا بصوت مكتوم في
وجوه آبائهم و وجوهنا جميعا صرخة هجاء
لعبوديتنا فكتبوا : الشعب يريد إسقاط
النظام .
الرفيقة سميرة لم تتحدث بما يزعج النظام ،
و لم تخرج عن السياق المحدد لها إلا في
جملة منطقية بسيطة لا تقدم ولا تؤخر،
عندما أنحت باللائمة على أجهزة الأمن
لأنها لم تتمكن من إيقاف المندسين القتلة،
و مع ذلك لم تبت ليلتها تلك رئيسة لتحرير
جريدة تشرين ، ما أقسى هذا النظام على
عبيده إن جنحوا بضع مليمترات عن الطريق.
الخطيئة الجريمة للصحفية سميرة لم تكن في
كلماتها، بل في قميص أسود بلون الحزن
ارتدته حدادا على شهداء أهلها و أبناء
عمومتها، و أخطأت ثانية بعبرات ذرفتها عين
إنسان لم تستطع إخفاءها، فأمر هامان
بخلعها من منصبها ، إنها من قوم يتطهرون.
النظام كان واضحا في وعيده على لسان رئيسه
يوم أعلن الحرب على كل متطهر من عبوديته،
و رفض وجود أنصاف عبيد في شعبه، فمن عاش
على أرض مزرعته... إما عبد كامل العبودية
يُسمح له بالتسبيح بحمد مستعبده وله أكل و
شرب و جنس و إما عدو لا مكان له في
العشيرة إلا تحت الأرض، تهديد و وعيد في
منتهى الجدية و إن جاء الأداء كوميديا في
زمن مأساوي لبلد يحاول أهله تنشق نسمات
ربيع الحرية.
تهديد و وعيد... فتنفيذ.. ليوقن باقي
العبيد من خلف الرفيقة أنهم إنما يعبدون
نظاما سريع الحساب... شديد العقاب ، قد
بدأ إصلاحاته الفورية بإقصاء من توقف قلبه
عن التسبيح بحمد القائد لحظة .
إطلاق الحريات العامة.. يبدأ بإطلاق
الرصاص على عشاقها ... فيُقتل مئات و
يُعتقل آلاف في أيام معدودة.
إلغاء حالة الطوارئ...تبدأ باحتلال عسكري
و مخابراتي لكل مفترق طريق وكل دار عبادة
و كل شارع .
قانون الأحزاب ..يبدأ باعتقال غياث عيون
السود و جورج صبرا .
حرية الإعلام ...تبدأ باعتقال فايز سارة ،
و إقصاء المسالمة من منصبها.
الاستجابة لمطالب البوطي و العلماء...تبدأ
باعتقال الدكتور عماد الدين رشيد، نائب
عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق.
أول الغيث قطرة ، و بداية الرقص حنجلة ، و
بداية ألف ميل خطوة ، و بشائر الحرية
إقصاء كلمة ... ماذا لو انهمر الغيث... و
حمي الرقص... و قطعنا بضع أميال ... و
أسبغ النظام كامل أنعمه؟؟؟؟؟ |