|
يقول
مسؤول سوري رفيع المستوى إن ثلاثةً يملكون
تأثيراً حقيقياً على المحكمة: الملك
السعودي عبد الله، رئيس الحكومة سعد
الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي
النائب وليد جنبلاط. من هنا، يُمكن فهم
التحرّكات الدبلوماسية التي بدأها جنبلاط
من باريس في 13 من الشهر الجاري بلقائه
نيكولا غاليه، مساعد المستشار الدبلوماسي
للرئيس الفرنسي جان دافيد ليفيت، ومساعد
وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان،
ليقول لهما إن القرار الاتهامي إذا ما صدر
كما يُشاع عنه فإنه «قد يخلق اضطرابات
أمنيّة كبيرة».
الجديد، ليس في هذا الكلام، لأن جنبلاط
عبّر عنه بوضوح في محطّات عدّة، وقد يكون
أول من دقّ جرس الإنذار يوم كتبت مجلّة
«دير شبيغل» عن نيّة المدعي العام في
المحكمة الدوليّة دانيال بلمار اتهام حزب
الله، حين وصف ما كتبته المجلة الألمانية
بأنه مشروع فتنة في لبنان. لكنّ الجديد هو
إعلان زعيم المختارة أن ما قاله في باريس،
هو «رسالة من الرئيس بشّار الأسد، وأنا
مقتنع تماماً بهذه الرسالة».
ففي اللقاء الأخير بين الأسد وجنبلاط في
دمشق في الرابع من هذا الشهر، وبعد توافق
بينهما على نقاط عدّة، أبرزها الخطر
المحدق بالبلد نتيجة توجّه القرار
الاتهامي للمحكمة الدوليّة لاتهام حزب
الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري، طلب
الأسد «منّي إبلاغ الدبلوماسيين الذين
ألتقيهم، بهذا الموضوع».
هنا قد يُصبح الكلام الذي كتبه فارس خشّان
عن «لقاء الصدفة» مع جنبلاط في باريس
منطقياً، إذ قال خشان: «هو، انتظر انتهاء
المؤتمر الصحافي للسيد حسن نصر الله، وطار
إلى العاصمة الفرنسيّة، ليبدأ عملية
«تفكيك» المحكمة، من حيث يعتقد بأنه كان
قد بدأ في عملية «تشكيلها»».
لكن جنبلاط ينفي تحليل خشّان. «لا أحد
يريد إلغاء المحكمة. هناك اتفاق لبناني
ـــــ سوري على بقائها، رغم أن سوريا غير
معنيّة بها، لكن الخطر يأتي من القرار
الاتهامي. هناك فرق كبير بين المحكمة
والقرار الاتهامي».
إذاً، وليد جنبلاط، بدأ بحركة جدية لتجنيب
البلاد القرار الاتهامي وتداعياته. وهو
يعرف أن هناك مستويين يُمكنهما تجنيب
لبنان الكأس المرّة. المستوى العربي، أو
ما اصطلح الرئيس نبيه بري على تسميته الـ
س ــ س، والمستوى اللبناني، وتحديداً
الرئيس سعد الحريري. لكن جنبلاط، لا يتحدث
عن المستوى الثاني. فهو لم يلتقِ الحريري
بعد، رغم إعلانه في مؤتمره الصحافي
الأخير، أنه سيلتقيه «بعد عودته من الخارج
من أجل التوافق حول كيفية منع وقوع
اللبنانيين في المخطط الإسرائيلي ـــــ
الغربي الذي يريد الفتنة». وينفي جنبلاط
الشائعات عن لقائهما في باريس، لأن
الحريري لم يكن فيها حين زارها زعيم
المختارة.
هذا على مستوى التحرك الدبلوماسي. أمّا
على المستوى الداخلي، فيقول جنبلاط إنه
يعمل جاهداً في سبيل تعزيز الوحدة
الوطنيّة، والحديث عن إسقاط الحكومة غير
وارد عنده حالياً، فـ«بلاد فيها حكومة
أفضل من بلاد تعيش في الفراغ»، يقول أبو
تيمور، ثم يُضيف: «هناك حاجة لبقاء سعد
الحريري رئيساً للحكومة». فهو يتساءل عن
البديل، وعن أي أكثريّة يُمكن أن تُؤلّف
حكومة؟ تقول له: الأقليّة النيابيّة زائد
نوّاب اللقاء الديموقراطي يُؤلفون
أكثريّة، فيردّ: «الوقت ليس وقت قلب
المعادلات. لماذا نخرج من الوفاق؟».
جنبلاط،
ورغم نفيه أن يكون قد أبلغ أي مسؤول سياسي
عن استعداده لتغطية أي تغيير حكومي، فإنه
عند الإلحاح بالسؤال عليه عن الخطوة التي
سيقوم بها في حال وصول الأمور إلى حائط
مسدود، وطُرح التغيير الحكومي، يُكرّر
عبارة: «كل شيء بوقته حلو»، وهو الذي
يؤكّد دوماً أنه اتخذ خياراً استراتيجياً
منذ الثاني من آب 2009، ولن يحيد عنه.
يرفض وليد جنبلاط إذاً، تقديم إجابةٍ
واضحة عن السؤال الذي يطرحه الجميع، ربما
للحفاظ على دور القادر على الوصل بين حزب
الله وسعد الحريري، وخصوصاً أن الجميع بات
يعرف أن هناك كثيرين ممن يُحيطون بالحريري
لم يغفروا لجنبلاط «قلبته» الأخيرة، وهم
ينتظرونه على أدق موقف منه للدسّ عليه عند
زعيمهم. ومن هنا، يُفهم موقف الحريري بمنع
أي من سياسييه الردّ على جنبلاط أو
تناوله، طالباً حصر العلاقة به، وخصوصاً
أنّ رئيس الحكومة بات يجد صعوبة في
التوفيق بين المواقف المتناقضة الصادرة عن
فريقه، هذا إذا اعتبرنا أن الرئيس السابق
فؤاد السنيورة جزء من فريق الحريري وليس
فريقاً بذاته. وقد انتبه الجميع إلى
الفارق بين موقفي الحريري والسنيورة
وفريقيهما من أمرين استجدّا أخيراً:
الأول، حين لم ينفِ النائب عقاب صقر (وهو
من فريق الحريري) حديث الأمين العام لحزب
الله حسن نصر الله عن أن الحريري أبلغه
فحوى القرار الاتهامي، بل رأى أنه جزء من
سياق، فيما نفى أعضاء فريق السنيورة كلام
نصر الله. والأمر الثاني يوم رأى فريق
الحريري أن معطيات نصر الله وقرائنه جدية
ويجب الاطّلاع عليها، فيما عمل فريق
السنيورة على رفض المعطيات بالكامل،
والتشديد على مرجعيّة المحكمة الدوليّة.